معرض توثيقي لمسرح البدوي

معرض توثيقي لمسرح البدوي

متابعات:

     بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الفنان المسرحي الرائد عبد القادر البدوي، نظم “مسرح البدوي” معرضا توثيقيا ضم مجموعة من الصور النادرة لمسرحيات البدوي، مع لافتات اشتملت على مقتبسات من المواقف التي ظل الراحل يجهر بها طيلة مسيرته الحياتية والإبداعية.

    حمل المعرض عنوان: “الكلمة لا تموت”، واحتضنته إحدى قاعات المركب الثقافي سيدي بليوط بالدار البيضاء، ما بين 28 يناير  و5 فبراير 2023.

بمناسبة فعاليات تنظيم الذكرى وإقامة المعرض التوثيقي،  كانت فرصة أمام الجمهور لاقتناء نسخ من كتابين للراحل عبد القادر البدوي، الأول صدر في طبعة ثانية، يحتوي على مداخلات ومقالات بقلم عبد القادر البدوي حول المسرح المغربي، والكتاب الثاني جمع بين دفتيه مضمون حوار مطول حول سيرته الفنية والكفاحية، وحمل عنوان: “سيرة نضال”، وصدر عن دار السليكي بطنجة.

   في ما يلي   نورد نص الكلمة التي أصدرتها مؤسسة مسرح البدوي: 

 [مرت سنة على رحيل عميد المسرح المغربي و مؤسس مسرح البدوي الأستاذ عبدالقادر البدوي رحمه الله،  الذي رحل عن عالمنا في الثامن والعشرين من شهر يناير 2022

عبدالقادر البدوي المؤلف والكاتب المهموم بقضايا هذا الوطن و هذه الأمة،

عبدالقادر البدوي المخرج المبدع و الممثل  ذو الحضور الطاغي،

المنتج الجريء وصانع النجوم، المعلم وصاحب المدرسة الفنية والمسرحية الكبيرة التي تخرجت منها أجيال متعاقبة من الفنانين المغاربة،

البدوي المناضل الشجاع صاحب المواقف الوطنية الشامخة.

 والابن البار بوالديه، والزوج المخلص في حبه وتقديره لرفيقة دربه و رحلته المليئة بالتحديات الفنانة سعاد هناوي أطال الله في عمرها،

رحل عبدالقادر البدوي الأب الرائع لأربع أبناء: سلمى رحمها الله، وحسناء ومحسن وكريمة البدوي، و الجد الحنون لحفيده باسم.

رحل الأستاذ عبدالقادر البدوي وكان يستعد للاحتفال بالذكرى السبعين على تأسيس مسرح البدوي في المغرب، مسرح تأسس سنة 1952، أطل من رحم الحركة الوطنية، والمغرب كان لايزال يقبع تحث وطأة الاستعمار الفرنسي، وساهم  في تشكيل ملحمة الاستقلال من خلال مسرحه، عبر تقديم عروض مسرحية تنادي بالتحرر من كل أشكال الاستغلال ومن كل  القيود التي كبل بها المستعمر المغاربة، فقدم مسرحية “البياعة ما تشوفوا رسول الله”، التي أدان فيها العمالة وخيانة الوطن، ثم قدم مسرحيات: “كفاح العمال”، و” العامل المطرود”، و”مدرسة العمال”.  بعد جلاء قوات الاستعمار ساهم مسرح البدوي بقوة  في بناء مغرب الاستقلال، من خلال النضال من أجل إرساء قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في حرية التعبير وحرية الإبداع، حيث حملت معظم مقالاته ونصوصه المسرحية هذه المضامين التحررية، والتي نادى من خلالها بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وأدان عبرها الفساد والاستبداد. نذكر منها مسرحيات: “العاطلون”، “التطهير”،”الكواليس”، “المصلحة العامة”، “يد الشر”، “تضحية وألم”، “شجرة العائلة”، “في “انتظار القطار”، “مطربة الحي” ، “راس الدرب”…

منذ ذلك الحين بات مسرح البدوي صوتا لمن لا صوت له،

مسرح يعكس طموحات وأحلام و تطلعات الجماهير المغربية والعربية والأفريقية، ذات الموروث الثقافي والحضاري والإنساني المشترك. الجماهير التي تواجه نفس الرهانات، سواء على مستوى النضال من أجل التحرر من كل أشكال التبعية الغربية، أو على مستوى كسب رهانات التحديث والتنمية، والتي تعتبر الثقافة والتعليم ركائزها الأساسية.

وإيمانا منه بحتمية التغير والإصلاح والبناء، ناضل عبدالقادر البدوي من أجل دمقرطة الثقافة وكسر سياج التهميش الثقافي عن ساكنة القرى والجبال من الفلاحين حيث عرض مسرحياته،  ونذكر منها مشهدا في السبعينات بأيت ملول  بإقليم آكادير، حيث لم تكن تتوفر المنطقة على قاعة عروض أو مسرح ، فحول البدوي أحد مخازن البرتقال بها  إلى فضاء مسرحي، قدم به أحد عروضه المسرحية الناجحة، مسرحية “اوليدات الزنقة”. كما قدم مسرحه لجمهور عمال المناجم  بمختلف جهات المملكة، وحول أيضا المناجم إلى فضاء ثقافي ومسرحي،  بالإضافة إلى تطوعه بدون مقابل مادي من أجل  تقديم عروض مسرحية لفائدة قواتنا المسلحة الملكية في مطلع السبعينات بصحرائنا المغربية، وحوَّل شاحنات الجيش الكبيرة إلى منصة مسرح وسط الصحراء.

أسس عبدالقادر البدوي أيضا لمسرح الطفل و للمسرح المدرسي، وقدم عروضه المسرحية في مختلف المدارس العمومية وبالثانويات،  كما يرجع له الفضل في التأسيس لمسرح الطالب بتأطير مع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبعد ذلك ساهم في التأسيس للمسرح الجامعي،  ودعم بشكل كبير مسرح الهواة عبر الورشات الفنية والمسرحية، وعبر الندوات الفكرية التي كان يقدمها مجانا في مختلف دور الشباب بالمغرب، والتي ساهمت بشكل كبير في تشكل وجدان ووعي شباب الستينات والسبعينات والثمانينات، 

عبدالقادر البدوي هو ليس مجرد فنان عادي، وإنما هو صاحب فكر و صاحب رؤية للمشروع الثقافي المغربي الوطني حيث ناضل بشكل كبير من أجل وضع البنية التحتية للمشروع الثقافي الوطني، سواء على مستوى الهيكلة، إذ يرجع لعبدالقادرالبدوي الفضل في التأسيس للمسرح الاحترافي وللمهن الفنية، من خلال كل الاتحادات المهنية الفنية التي تزعمها منذ الستينات إلى تأسيسه لأول نقابة فنية مهنية في المغرب سنة 1978، تحت اسم النقابة الوطنية لرجال المسرح، والتي للأسف لم تستمر طويلا بسبب الإكراهات السياسية التي طبعت تلك الفترة.

 واصل عبدالقادر البدوي نضاله من أجل تحرير المشروع الثقافي الوطني من بعض اللوبيات الاستعمارية التي استحوذت عليه، وحادت به عن دوره في تحقيق التنمية والرقي الاجتماعي، وفي بناء الإنسان وفي التأسيس لمجتمع المعرفة والإبداع وحولته إلى مشروع ثقافي معاكس يستهدف بشكل كبير مقومات الهوية المغربية، وعلى رأسها اللغة العربية ببعدها الحضاري والثقافي والإسلامي، باعتبارها لغة القرآن الكريم.

كما ساهم عبدالقادر البدوي في التأسيس للتلفزيون المغربي، وافتتح في منتصف الستينات بعروض مسرحية لمسرح البدوي، وكانت تبث على المباشر للجمهور، وأثرى الخزانة التلفزية والإذاعية بدراما تلفزية متنوعة. بالإضافة إلى مساهمته في التأسيس للسينما المغربية أيضا.

رحل عبد القادر البدوي وأعماله الفنية ممنوعة من البث على القنوات التلفزية والإذاعية العمومية اليوم،

ووزارة الثقافة تقصيه من كل التظاهرات الثقافية والمسرحية الوطنية والعربية والدولية…

رحل عبدالقادر البدوي بعد أن عاني من المنع ومن كل أشكال التضييق على فكره وإبداعه وإنتاجه، وكان الإقصاء والتهميش ومحاولات تحجيم تواجده في المشهد الفني والثقافي الرسمي، ومؤامرات إقبار تراثه الفني والأدبي، هي الفاتورة التي دفعها  كاملة عن  مواقفه.

رحل عبدالقادر البدوي صامدا واقفا في هذه المعركة الحضارية العالمية سلاحه الكلمة، ولا شيء غيرها، ولم يتاجر بقضايا الوطن في سوق من يدفع أكثر، ولم يتنازل عن المبادئ الوطنية التي تربى عليها في مدرسة الكبار.

رحل عبد القادر البدوي ومسرحه بات يشكل جزءا من الذاكرة الثقافية والفنية المغربية، وأصبح يشكل بكل فخر جزءا من التراث اللامادي المغربي، الذي نتمنى كأطر مسيرة لهذا المسرح أن نعمل مع مختلف المؤسسات الثقافية الوطنية من أجل صيانته حتى يظل ملهما للأجيال المتعاقبة. و كما قال عبدالقادر البدوي في كتابه سيرة نضال “من لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل لديه”. 

غادرنا عبدالقادر البدوي جسدا وظلت روحه تحلق بيننا حاضرة، وفنه وفكره راسخا في وجدان الجماهير المغربية.

<

p style=”text-align: justify;”>رحل  عبد القادر البدوي و مواقفه و كلماته ستعيش طويلا …].

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *