حول “فرنسة” التعليم في المغرب
خالد العلوي
(…) قال لي صديق هذا الصباح:
– كيف تكره الفرنسية ، وأنت الذي درست بها؟ (لرفضي للقانون الإطار الذي يؤسس لفرنسة التعليم).
– نعم، لا أنكر أني درست بالفرنسية في الثانوي، وفي مدرسة المهندسين، وأدين لهذه اللغة بأنها كانت نافذتي على العلوم. من جهة أخرى، منذ نعومة أظافري، وأنا أقرأ القصة والشعر الفرنسي، وكذا الأدب الروسي والأمريكي والألماني المترجم لهذه اللغة، التي أحببتها حقا وما زلت.
لكني كذلك عشت في بيئة عائلية، وكذلك في حقبة تسود فيها الثقافة العربية البديعة بكل تجلياتها، وتعتبر الوطن العربي كيانا موجودا حقيقة، ومجالا رحبا تربط مواطنيه أساسا العربية والإسلام.
تعلقي بالفرنسية إذن، لن يدفع بي أبدا لنكران هويتي وللتخلي عن لغتي الأم، لغة ديني ولغة أجدادي. أبدا لن أقبل مسلسلا يهدف إلى تقزيمها وحبسها في المساجد وكليات الآداب والمراكز المتخصصة. العربية تجمع 350 مليون مواطن (العربية لغتهم الأم، دون احتساب متقنيها الآخرين)، وتمكن ما لا تسمح به إلا لغات قليلة: قراءة إنتاجات لها مئات السنين.
إني أصبحت حقا، منذ بضع سنين، أحس بالاختناق في العمل، حيث تسود الفرنسية بدون منازع (ينتابني الآن ضحك شديد لما أرى مغاربة يتكلمون بينهم بالفرنسية، خصوصا أنهم وعلى العموم لا يتقنونها) وكذلك في الشارع المفرنس تماما، في المقاهي والمطاعم والفنادق، حيث لا وجود إلا للفرنسية، في المحلات التجارية التي تستقبلك عند أبوابها فتيات لا تحسنن حتى تهجي الـ “بونجور” المفروض عليهن إلقاءه على الزبائن، في المدارس والثانويات الخاصة، في الإذاعات العمومية والخاصة… الفرنسية عمت المغرب والعربية تندثر رويدا…
هذا الإحساس، الذي غالبا أتقاسمه مع كثير من المواطنين، هو الذي جعل علاقتي بالفرنسية تتغير… أحبها كثيرا كلغة أجنيبة، لكني أكره تماما توسعها وسيطرتها على جميع مناحي الحياة الثقافية والاقتصادية بالمغرب.
بالعودة إلى القانون الإطار، هل يظن عاقل أن فرنسة العلوم بالثانوي، وبموارد بشرية لا تتقن أبدا الفرنسية، سيؤدي إلى تحسين الجودة ومستوى الاستيعاب؟
سيقول قائل إن التعليم المفرنس في السبعينات كان جيدا. شخصيا كنت في الثانوي في ذلك الزمان، وسبب النجاح النسبي للتعليم المفرنس هو تفاني الأطر الفرنسية في التعليم. كما أن مناهج المواد العلمية والأدبية لم تكن قد “مغربت” بعد، بالطريقة البشعة التي يعرفها الجميع… ومع ذلك وجب التذكير إن السبعينات كانت تعرف أكبر نسبة للهدر المدرسي، تصل إلى أكثر من تسعين في المائة… أما حاليا فيجب التذكير كذلك إن التلامذة يستفيدون إلى حدود السنة الثانية من الباكلوريا من 2400 ساعة من دروس اللغة الفرنسية. ومع ذلك جلهم لا يتقنونها بل يجهلونها جهلا. لماذا؟ لأن الأمر يتعلق بجودة التعليم بكل بساطة لا باللغة.
لا أظن أن بلدا في العالم قد تقدم وهو يستعمل لغة الغير في تعليمه وفي مناحي الحياة. ولنا دليل في الدول المفرنسة الافريقية، التي لم تنفعها الفرنسية في شيء. ولنا كذلك مثال في دول صغيرة لغويا تستعمل لغاتها القومية ووصلت إلى مستوى ملحوظ: الدول الاسكندنافية، كوريا، اسلاندا…
شيء أخير..
إذا لم يكن بد، لا قدر الله، ولظروف قاهرة من الفرنسة، فلتكن عامة ورسمية، حتى لا ندرس أبناء الشعب بالعربية ثم نلقي بهم في سوق شغل لا يؤمن إلا بالفرنسية، حيث سيتعقدون وسيلقون الفشل الذريع.