ليس هناك أي عودة للتشاؤم! ما نتقاسمه مع كثيرين… (لحظة حميمية)
عبد الله راكز
نعم ليس هناك من عودة للتشاؤم، سنسمي هذا بكل تواضع لحظة صحو. لأن السؤال المفترض هو التالي: بعد انهيار الاشتراكية المسماة “واقعية”، هل سيستعيد التاريخ المغربي (وحتى العربي) مجراه الطبيعي الذي انقطع في لحظة من اللحظات؟
وهل سنرى في هذا السياق اللامنتهي انتشار النظام الرأسمالي (ومنه المغربي الهجين) والديمقراطية الليبرالية (أين نحن منها؟).
أنّى يكون هناك من أمل وعدالة إلا داخل الأشكال والحدود التي يسمح بها هذا النظام؟ (الدول العربية من المحيط إلى الخليج)، وبالنسبة للكثيرين من جيلي، الذي ناضل من أجل قضية الديموقراطية وخلعنا على الاشتراكية يوتوبيانا وأمانينا، يبدو المأزق أكثر من ضاري…
لا، لست ولسنا يائسين، فحوافز تغيير هذه العلاقات التي تحكم القوى والحقوق أيضا تتراكم، كما أن القوى التي ستغيرها تتهيأ (قوى الشباب الصاعد، ذي الطموحات الأكبر من طموحنا المدجج بثقافة الخوف والإذعان) في جهة ما على الأرجح، لكن لا أحد يعلم بعد، لا أحد يعلم متى وكيف، من أي جهة ستبرز هذه القوى ولا أية وجوه ستأخذ، أو أخذت.
إنني بمعية المتفائلين، واحد من اللذين يرفضون تكريس وجودهم في محاولة فهم الواقع من أجل مصلحتهم (كان هذا ديدن الكثيرين ممن اعتبروا أنفسهم يساريين؟؟)، فليس الجهد الفكري فكر تكريم ذاتي نرجسي. لقد فكر العديدون من أمثالي، وفي سياق تجربتي بأن العمل والاكتشاف كان يمكنهما يوما أن يقدما خدمة، بطريقة من الطرق في تحويل حياة الجميع.
أدرك الآن أن ذلك كان من الوهم الفادح، ومنه أن المعرفة سيمكننا بها تغيير حياة الناس، أي وهم هذا عشناه وتعايشنا معه.. كيف حدث هذا ولماذا؟؟
لأننا لم نكن نبذل هذا الجهد في فهم أشكال أخرى للمجتمع المراد تغيير مساره؟
لو أني لم أكن مقتنعا بأن جهدي ذاك، وجهد آخرين رافقوني، يمكنه تعديل شيء ما في أشكال حياة مجتمعي، هكذا أصبح الحال في مجتمعي، حال متردّ لم يعرف مثله منذ الستينات. هذا هو التفكير المتوخى (وليس اليسراوي الذي لازال يتبناه البعض رغم مرارة تداعياته)، وهو نفسه الذي أتقاسمه، ولازلت مع كثيرين آخرين ينتمون إلى مجتمعي ذاته.
يتوجب في اعتقادي، علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى، المضي بعيدا في تحليل مجتمعنا. العلوم الاجتماعية ليست في أزمة، وهي ليست على كل حال على أهبة الاختيار تحت ضغط النقد مابعد “الحداثي” المزعوم. إذا كان مابعد ” الحداثة” يعني فقط ضرورة تفكيك تأويلاتنا عن الواقعي، واتخاذ مسافة نقدية باستمرار تجاه تجاربنا الميدانية وتجاه تحليلاتنا النظرية، وإذا كان ذلك يعني أن نكون حريصين على الأصوات التي لا تلقى أبدا آذانا صاغية، والتي تكاد لاتسمع، مسحوقة تحت الخطابات السائدة (رسمية وغير رسمية)، فهذا هو المطلوب وغيره لن نوافق عليه أبدا.
لقد وصلنا إلى هذا الحد وعلينا أن نكمل المسير.
إن الشعوب كافة ملزمة بإعطاء معنى لأحلامها. ولكل واحد أن يحتفظ بأحلامه اللاهية لنفسه، أو يبوح بها بتحفظ في حلقة حميمية..
أن نحلم يعني أن نمتلك تجربة تقول إن جزءا منا يمكنه أن يغادرنا ويمضي بنا إلى عالم آخر..
وهذا هو المطلوب.