مع أحمد موتاج عن “التَّقْشابْ”.. من تجارب الصحافة الساخرة في المغرب
عبد الرحيم التوراني
عرف المغرب ظهور الصحافة الساخرة كصنف مستقل، منذ السنوات الأولى للاستقلال عبر مجموعة من الإصدارات، منها التي أسسها الصحفي مصطفى العلوي، مثل “أخبار الدنيا”، و”دنيا الأخبار”، و”الدنيا بخير”، و”الكواليس”، إلا أن مجال السخرية في تلك التجارب ظل منحصرا في الرسوم الكاريكاتورية المتفاوتة الجودة، والتي كان يغلب على أكثرها الطابع الساذج، سواء في الخط أو التنفيذ. مع غياب المختصين في رسم الكاريكاتير، وندرة الكتاب الساخرين. وعلى امتداد العقود الماضية تعاقبت على المشهد الإعلامي المغربي عدة عناوين هزلية، لم تعمر طويلا لأسباب مختلفة، منها صحف: “المواطن الضاحك”، والأسبوع الضاحك، و”كيخ كيخ”، و”الهدهد”، و”الانتهازي”، و”با بو بي”، و”السْكَفْ كَف”.. وغيرها.
إلا أن أشهر صحفية ساخرة في مغرب الثمانينيات كانت هي جريدة “أخبار السوق”، تجربة استقطبت عددا من رسامي الكاريكاتير ومن المحررين الساخرين، الذين كانوا يكتبون بالدارجة المغربية. بل إن أغلب موادها كان لا يتم تصفيفها بالمطبعة وتنشر بخط اليد. وقد عرف إصدار “أخبار السوق” نجاحا غير مسبوق، إذ استطاعت جلب جمهور واسع من القراء وتحقيق متابعة كبيرة في أوساط الرأي العام.
بعد توقف “أخبار السوق” تلتها أسبوعية “التقْشابْ” تحت إدارة رسام الكاريكاتير حميد البوهالي، ورئاسة تحرير أحمد موتاج، وهو أيضا كاريكاتوريست وكاتب مقالات ومونولوغات ساخرة، بعضها قدمه الثنائي الفكاهي “بزيز وباز”، مثل الاسكيتش الناجح “نائب الدرب”، الذي قام فيه أحمد موتاج بتحوير ساخر لكلمات أغنية “مرسول الحب” المشهورة للمطرب عبد الوهاب الدكالي. ومن المعلوم أن البوهالي وموتاج كان ينتميان معا إلى أسرة التعليم العمومي.
بعد سنوات من مغامرة “أخبار السوق” و”التّقْشابْ” يستعد حاليا أحمد موتاج لإطلاق قناة إلكترونية ساخرة تحمل عنوانا مزدوجا، في محاولة استعادة تلك التجربة الورقية والتأكيد والحفاظ على ذكراها، بعنوان: “أخبار السوق هي التّقْشابْ”.
“السؤال الآن”، التقت بأحمد موتاج وحاورته حول موضوع الصحافة الساخرة، نورد فيما يلي مجمل إجاباته بعد حذف الأسئلة:
يقول أحمد موتاج: “قبل الحديث عن تجربتي في الأسبوعيتين الساخرتين “أخبار السوق” و”التّقْشابْ”، لا بد من الإشارة إلى أجواء ما قبل إعلان المسيرة الخضراء عام 1975، لما استرجعت الحياة السياسية في المغرب بعض نشاطها، وسمح بتنظيم انتخابات محلية وتشريعية، فحصل نوع من الانفراج السياسي في البلد، تميز بهامش ملحوظ في حرية التعبير، ما جعل بعض المنابر الصحفية الصادرة عن المعارضة الحزبية ترفع من سقف مواجهتها للسياسة الرسمية ومن انتقاداتها لممارسة الشأن العام.
في هذا الخضم ظهرت صحيفة “Satirique“ باللغة الفرنسية، بمبادرة من رسام الكاريكاتور في يومية “لوبنيون”، محمد الفيلالي، وصديقه الرسام حميد البوهالي. إلا أن التجربة لم يكتب لها النجاح والاستمرار، وسرعان ما توقفت، إذ ظلت نسبة قرائها جد محدودة ولم تحقق ما كان منتظرا. وذلك بحكم لغتها الأجنبية، ما جعل البوهالي ينحو إلى تغيير لغة الإصدار ويمتطي تجربة الدارجة المغربية، بإصدار “أخبار السوق”، وما لبثت أن شهدت الجريدة إقبالا متزايدا من طرف فئات عريضة من القراء. أذكر أن أول رسم لحميد البوهالي لفت الانتباه بهذا الإصدار بالدارجة، كان عبارة عن شخص يحمل بيده (قالب سكر)، ويصيح: “حنا (نحن) المغاربة ديما هازِّينْ القالبْ”.
تشكل طاقم الأسبوعية في البداية من محمد الفيلالي مديرا عاما، وحميد البوهالي مديرا للنشر، والصحفي نعيم كمال رئيسا للتحرير. وضمت هيئة التحرير كلا من العربي الصبان، والمرحوم محمد عليوات (حمودة)، وعبد اللطيف الكتيري، وبوشعيب الضبار. أما الطبع فكان يتم في”مطبعة الرسالة” بالرباط، وهي في ملكية حزب الاستقلال.
انطلقت الجريدة الأسبوعية الساخرة بـ 16 صفحة من حجم “التابلويد”، في حين أوكل التوزيع لشركة “سوشبريس”. وقد لقي المنشور نجاحا سريعا، بعد أن تحولت لغته من اللغة الفرنسية إلى الدارجة. كوسيلة سهلة للتواصل. إن هذا المنتوج الصحفي الجديد كسر قواعد سيبويه، واستعمل أساليب “الحْلايْقِية”، من أمثال الساخر الشعبي المعروف باسم “ولد قَرَّد”ْ، الذي كان مشهورا في الأسواق الأسبوعية بجهات ومناطق دكالة وعبدة والشاوية على الخصوص، والفنان المنولوغست الشعبي الذائع الصيت “خْلَيْفة”، وغيرهما.
أصبح القراء ينتظرون صدور كل عدد من “أخبار السوق” بشغف منقطع النظير، وتطور الإصدار ليصبح مرتين، كل اثنين وخميس عوض مرة واحدة في الأسبوع. لكن للأسف لم تستطع شركة التوزيع سوشبريس الوصول إلى الأحياء الشعبية.
أما عن الكواليس الداخلية للجريدة، فكانت تعاني من تسيير غير عقلاني من طرف مديرها العام، محمد الفيلالي، الذي ما أن شرع في كسب بعض المداخيل، حتى بات يفكر في مشاريع تجارية أخرى، من قبيل اقتناء قوارب صيد السمك في مدينته الأصلية الصويرة، كي يضمن مداخيل قارة بعيدة عن هواجس الرقابة وملاحقة القضاء المتربص عند كل زلة قلم أو جنوح ريشة. وبهذا اهتدى إلى عدم الوفاء بالتزاماته المالية إزاء العاملين معه في هيئة التحرير من جهة، وإزاء المطبعة من جهة أخرى، مما جعل القيِّمين على “مطبعة الرسالة” يوقفون طبع جريدة “أخبار السوق”، التي ستضطر للانتقال من العاصمة الرباط إلى الدار البيضاء، وبالضبط نحو مطابع دار النشر المغربية القريبة من المبنى التاريخي لـ”الباطوار” البلدي القديم. كما انتقل التوزيع هذه المرة إلى مؤسسة “سبريس”. مع كل هذا انسحب بعض أعضاء هيئة التحرير، وبالأخص نعيم كمال والعربي الصبان وبوشعيب الضبار.
وبما أن الجريدة انتقلت إلى العاصمة الاقتصادية، كان على حميد البوهالي أن يبحث عن طاقم جديد، سأكون من بين أعضائه، باعتباري كنت آنذاك منسقا عاما للمنشطين في ميدان التعليم بالدار البيضاء، هكذا أسندت إلي مهمة رئاسة التحرير.
بدوري سعيت إلى جلب عناصر جديدة، من رسامين وكتاب ساخرين، مثل المرحوم بوشعيب خيري صاحب الريشة الذهبية، والأستاذ محمد عرش الشاعر الكبير، وعبد الرحمان داكي الكاتب الفكاهي، والعلمي الزهراني، وشكري بهلوي، وعبد القادر حدوش. وتمكنت من إقناع عدد من الأقلام عبر المملكة للانخراط في التجربة الساخرة، إما كمراسلين محليين، أو ككتاب أركان وزوايا ثابثة. بل زدت على هذا بأن خصصت صفحتين بالأمازيغية. هكذا استأنفت “أخبار السوق” نشاطها بروح متجددة.
لكن ما أن مرت أسابيع حتى عاد الفيلالي إلى عدم الوفاء بأداء فواتير الطبع، كان يكتفي فقط بابتلاع ما يتجمع لدى “سبريس” من مبيعات الجريدة، فيأخذ الأموال لـ”يصبها في بحر الصويرة” من جديد. وللمرة الثانية سيتم توقيف “أخبار السوق”من طرف إدارة مطبعة دار النشر المغربية، وإلى الأبد!
وقتها قررنا، حميد البوهالي وأنا، تنفيذ الفكرة التي عرضها علينا مسير مطبعة دار النشر المغربية، السيد عمر جابري، (أخ الدكتور محمد عابد الجابري)، الذي اقترح علينا إصدار عنوان جديد بمسمى جديد، سيكون هو “التَّقْشابْ”، مع وعد بتقديم تسهيلات في الأداء، حتى يواكب الطاقم الفني نشاطه وتستمر الفكاهة والهزل. وكان الأمر كذلك. استطعنا، البوهالي وأنا، حيازة تصريحين لإصدار جريدتين، الأولى باسم “التقشاب” والثانية باسم “شرَّحْ ملَّحْ”.
كان علينا أن ننطلق في شهر رمضان، الذي صادف شهر غشت في سنة 1980. لكن حينما درسنا الأمر وجدنا أنه سيصادف الدخول المدرسي، ولهذا لن يلتفت الناس إلى “التّقْشابْ”، وحتى أصحاب المكتبات لن يهتموا أيضا بمبيعات الجرائد والصحف. لهذا تريثنا حتى تمر زوبعة الدخول المدرسي وتعود حياة المكتبات إلى طبيعتها العادية، عندئذ سنشرع في إصدار الجريدة، وبالضبط في شهر نونبر من سنة 1980. ولكن في انتظار كل هذا أصدرنا أربعة أعداد على شكل كتيبات صغيرة، باسم “التقشابْ” بقيمة درهمين. لقيت إقبالا في رمضان، كانت “التقشاب” تنزل إلى الأكشاك على هيأة “أخبار السوق” ، ومن ثم عاد القراء لاقتنائها دون مبالاة بالعنوان، فالكثير منهم لم يكن يفرق بين “أخبار السوق” و”التقشاب”.
كانت البداية جد محتشمة، لأن الأحداث نفسها كانت غير ذات أهمية قصوى، لكن مع بوادر الجفاف وغياب تساقطات الأمطار بدأنا نتفاعل مع هذا الحدث، واعتبرناه جديرا بالاهتمام، وأن سقوط الأمطار إذا حصل فإنه سيعد إنجازا هامّاً للحكومة الموقرة، وكتبنا ذلك في أحد الأعداد بالبنط العريض. وحين أضيفت إلى السيد المعطي بوعبيد وزير العدل مسؤولية الوزارة الأولى، كتبنا “حكومة المعطي ما عندها ما تعطي”، خصوصا وأن الأسعار ارتفعت وأصبحت ملتهبة. الأمر الذي أدى إلى تشنج الأوضاع المجتمعية وحدوث انتفاضة 20 يونيو 1981 الدامية. نتذكر جميعا “السبت الأسود” الذي خلف آلاف الضحايا، أو “شهداء كوميرا” كما سمّاهم وزير الداخلية إدريس البصري، وقد عبرنا عن هذا أيضا في الصفحة الأولى، لما نشرنا عنوان: “الحزقة والتْشُوميرا… خلَّاوْ لينا شهداء كُوميرا”…
في خضم هذه الأحداث الخاصة بـ”السبت الأسود”، ستتم مصادرة جريدة “المحرر” ورفيقتها “ليبراسيون”، كما سيتم اعتقال الصحفي البارز الاتحادي مصطفى القرشاوي.
أتيت على ذكر هاتين الجريدتين، لأنهما كانتا تطبعان بنفس المطبعة، أي دار النشر المغربية، التي كانت تابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي، كان أغلب العاملين بهذه المطبعة مناضلين في حزب الاتحاد. ولما كنا نسلم المقالات والرسوم للشخص المكلف بعملية التركيب، كان يقوم بزرع بعض القصاصات والأخبار التي تهم حزب الاتحاد الاشتراكي ونقابته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل. الأمر الذي لقي استحسان مناضلي الاتحاد والمتعاطفين معه، حيث زاد إقبالهم على اقتناء وترويج “التقشاب”، لكنه في الحقيقة إجراء أثار موجة من التذمر لدى أحزاب وجهات أخرى، لم تكن راضية فكادت لنا المكائد، حيث سيتم توقيف “التقشاب” لأنها أصبحت منافسا قويا لجرائد تلك الأحزاب.
فيما يتصل بمنع “التقشاب” أود أن أدلي هنا بشهادة تاريخية في حق إدريس البصري وزير الداخلية وقتها، الذي غالبا ما يثار اسمه ليتهم بكونه من وراء توقيف “التقشاب” على إثر نشرنا لرسم هزلي خاص به. إلا أن هذا الاتهام غير صحيح البتة، لأن الرسم المعني ظهر في سنة أحداث 81 والجريدة توقفت في نهاية ماي 82 عندما اعتقل حميد البوهالي، وتزامن ذلك مع انطلاق إقصائيات كأس العالم في كرة القدم التي نظمت باسيانيا. وبين نشر الرسم وتاريخ الاعتقال سنة كاملة. ولتأكيد هذا التفنيد، هناك أسئلة كثيرة يمكن طرحها. البوهالي هو الوحيد الذي يعرف سبب اعتقاله في شأن يخصه وبعيد كل البعد عن الجريدة. غير أنه بعد إطلاق سراحه طلب مني أن نستأنف نشاطنا الإعلامي من جديد، فتقاعست في الاستجابة، كوني كنت منشغلا في تكوين بالمركز التربوي الجهوي بمدينة أسفي، والبوهالي هو الآخر كان أيامها منشغلا بتكوين في المركز التربوي الجهوي درب غلف، شعبة الفنون التشكيلية. لذلك لم تعد لنا رغبة في الإبداع الصحفي الشعبي. إنها مهنة متعبة ومكلفة، وتأخذ من وقتنا الكثير، الشيء الذي لم يكن يسمح لنا باستمرار التكوين في مهنتنا كرجلي تعليم.
وللنزاهة التاريخية أؤكد لك أن السلطات ليست هي من أوقفت جريدة “التّقْشابْ”، فلو كان الأمر كذلك لتم اعتقالي أنا أيضا، بوصفي رئيس تحريرها.
أذكر أني توجهت برفقة زوجة حميد البوهالي المعتقل آنذاك، إلى مكاتب جريدة “البيان” لإخبار المرحوم السيد علي يعته الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، الذي استقبلنا، وعاد بعد أيام قليلة ليخبرنا أن توقيف البوهالي لا يتعلق بجريدة “التقشاب”.
أعود بكم إلى التجربة “التقشابية”، إن صح التعبير، فقد كانت استمرارا لـ”أخبار السوق” من حيث استعمال اللهجة العامية، ومن حيث الشكل وعدد الصفحات واللوغو، وتصنيف الأركان والأبواب والأعمدة. لقد اعتمدنا أركانا قارة، مثل الافتتاحية، وركن الشاوش بوشناق، وركن حديث الكانزا، وشحيمة وعظيمة، وعبوش وخربوش، وهما ثنائيان يتناولان قضايا الساعة بطريقة ساذجة، ويتكلمان في السياسة بطريقة شعبية بلهاء. كما خصصنا زاوية للكلمات المتساطحة، يعني الكلمات المتقاطعة، وركن للتعارف والزواج. وخصصنا ركن “كور واعط لاعور” للرياضة، وركن “الفن والعفن”لحياة المشاهير في الميدان الفني، وكل هذه المواضيع كنا نتناولها بأسلوب مميز مع تعليقات ساخرة. تمكنت “التقشاب” أن تعتمد على القراء في تغطية مصاريف الطبع ورواتب وتعويضات الطاقم. ولم تكن تتوفر على مدخول آخر مثل الإعلانات المبوبة أو الإشهار. بالرغم من أننا حاولنا أكثر من مرة البحث عن الإشهار. والإعلان الوحيد الذي حصلنا عليه مرة واحدة كان يخص شركة مختصة في إسعاف السيارات المعطوبة على الطريق.
طريقة العمل الفني التي كنا نتبعها في إعداد كل عدد من “التقشاب” كانت تستوجب حضور كل الأعضاء الأساسيين، من بوشعيب خيري وحمودة والعوام والبوهالي وأنا. كنا ننقاش أولا الموضوع والرسم الذي سيتصدر الصفحة الأولى، ثم العناوين البارزة. وكان خيري غالبا هو من يتكلف بإعداد الصفحة الأولى نظرا لأسلوبه الجيد والممتع في الرسم، وكنا نحاول من خلاله أن نتفاعل مع الأحداث الساخنة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية، مثل اختلاسات في المال العام، أو شائعة مسيطرة على المجتمع، وفضائح تهم شخصيات مشهورة… الخ. كنا نتناول ذلك بلمسة فنية ساخرة وتعليقات صادمة، نبغي من ورائها استفزاز القارئ وإضحاكه. كانت وسائل التعبير لدينا متعددة، إما مقالات ساخرة، أو رسوم كاريكاتورية، أو صور مركبة (فوطومونتاج).. إلى غير ذلك من الأساليب الكثيرة. كنا أحيانا نقوم بقلب كلمات الأغاني الجادة، ونحولها إلى هزل مضحك. الشيء نفسه فعلناه مع الأشعار الشهيرة. وقراؤنا كانوا من فئات مختلفة، أميين ومثقفين، نساء ورجال وشبان، وفقراء وأغنياء.
<
p style=”text-align: justify;”> مرة وانا استمع إلى برنامج مصطفى العلوي (13/12) الإذاعي، كان ضيفه في تلك الحلقة هو الأستاذ المرحوم العربي المساري، الصحفي والكاتب الكبير ورئيس تحرير يومية “العلم” آنذاك. سمعته يسأله عن رأيه في السياسة وفي مواضيع أخرى. ولما طرح عليه سؤال ما رأيك في جريدة “التقشاب”، أجاب بأنه لم يقرأها كونها مكتوبة بالدارجة. من خلال هذا الحوار ظهر لي أن العربي المساري كان يطالع “التقشابْ”، ولو لم يكن غير ذلك لما عرف أنها مكتوبة بالدارجة. أوردت هذا المثل لأظهر لكم أن حتى الشخصيات الكبيرة كانت تتابع تجربنا وربما خلسة، لكنها لا تريد الاعتراف بذلك. كانت “التقشابْ” قريبة من قلوب الجميع، بلغتها وبمواضيعها وبسعرها غير المكلف. والأغرب من هذا أن مرجوعاتنا كانت تباع رغم أقدميتها. كلما توصلنا بالمرجوعات من الموزع إلا واتصل بنا شخص اسمه السي حسي أو حسونة، لم أعد أذكر الاسم تماما، ليقتني منا المرجوعات بثمن الطبع، وكان 30 سنتيم. ثم يعيد توزيعها عبر شباب في المحطات الطرقية، مثل كراج علال وبنجدية في الدار البيضاء، أو القامرة بالرباط، وباب دكالة بمراكش. وكذلك كان بائعو “الزريعة” والفواكه الجافة، حيث يتم بيع المرجوعات بنفس الثمن، وقد تجاوزت مبيعات “التقْشابْ” الـ 50 ألف نسخة من كل عدد.