الأدب الفرنسي يصاب بوباء نيتفليكس
باريس – المعطي قبال
تعيش الجوائز الأدبية بفرنسا على وقع عدة لحظات أهمها لحظة الترقب، لحظة الإعلان عن الفائز، لحظة التوقيع والمشاركة في المقابلات التلفزيونية لأجل الدعاية. يجري العمل بهذا الطقس منذ عدة عقود مع بعض التغيير أحيانا في البروتوكول. ومع الطفرة الرقمية لوحظ ميل واضح إلى التركيز على الإشهار لتحقيق المزيد من المبيعات. وتبعا لروزنامة الجوائز القادمة، بدأت عملية تسليم الجوائز ابتداء من سبتمبر، إذا منحت في 2 سبتمبر جائزة متاجر فناك للرواية لسارة جوليان فارديل عن “المفضلة”، وهي رواية صدرت عن دار سابين واسبسير للنشر. في 26 من أكتوبر يعلن عن الفائز لجائزة الأكاديمية الفرنسية وجائزة ديسمبر في نفس اليوم. فيما تمنح جائزة الغونكور في 3 من نوفمبر، جائزة الرونودو في نفس اليوم أيضا. جائزة الفيمينا في 7 من نوفمبر، المديسيس في 8 نوفمبر، وجائزة غونكور طلبة الثانوي في 24 من نوفمبر. وترافق المكتبات، المؤسسات الثقافية، الأكاديميات والخزانات البلدية.. توزيع الجوائز بتنظيم لقاءات وتوقيعات في فضاءاتها. الملاحظ هو غياب الأسماء الشهيرة والمكرسة ضمن هذه القوائم، باستثناء فيرجيني ديسبنت، كاترين ميللي. وليس من المستبعد أن تحصل إحداهما أو كلاهما على إحدى الجوائز الرفيعة.
في البدء يلاحظ أن الروائيين الذين تسحب وتباع كتبهم بأعداد كثيرة من أمثال: ياسمينة خضرة، أميلي نوتومب، أو كاتب الروايات البوليسية غيوم ميسو، لا يندرجون في هذه اللوائح أو الحلقات. الاعتبار الوحيد الذي يحظى باهتمامهم هو البيع. ولا ينتظرون الجوائز لتسريب منتوجهم الجديد. لأنهم يشتغلون بمنطق الإنتاجية الدائمة. إذ ما أن يصدروا نتاجا حتى يكونوا قد تقدموا في كتابة الرواية القادمة. “منطق التفريخ” هو ما يحكم هؤلاء الكتاب.
الملاحظة الثانية هي النزول بقوة لأسماء روائية نسوية مبتدئة، إذ تمثل أزيد من 70% من الأسماء الروائية التي عرضت أعمالهن للنشر والتباري. وهذا حدث ثقافي مهم يفسر بالحيز الذي تشغله المرأة بالمجتمع في الأعوام الأخيرة. فإلى عهد قريب كانت الجوائز الأدبية من نصيب الرجال، أما النساء فكن الطرف الفقير في المعادلة. ففي ظرف 113 سنة حازت على جائزة الغونكور على سبيل المثال 12 امرأة فقط، من بينهن حديثا ماري ندياي، مارغريت ديراس، سيمون دو وفوار… آخر متوجة هي ليلى سليماني. كانت لهذه الجائزة هالة ثقافية وكأنها تاج أو إكليل يوضع على رأس بعض الفائزين من الكتاب الحقيقيين. اليوم وبالرغم من طفرة الرواية النسوية واحتلال المرأة للمجال الروائي، يلاحظ تدنّي لمستوى الكتابة الروائية في أعمال بعضهن. قصص خفيفة، حافلة بمواضيع القطيعة مع العاشق أو الزوج، السقوط في غرام أنثوي، الإصابة بأحد الأمراض، عدم مواجهة المشاكل السيكولوجية الخ… غالبا ما تستوحي هذه الحكايات مناخات نيتفليكس وعالمها الوردي والمخملي. ثم إن ما نقل سينمائيا عن روايات ناجحة لن يكتب له، إلا فيما ندر، النجاح. لذا إن أخدنا مقياس ما يكتب اليوم في مجال الرواية لخلصنا إلى القول أن الأدب الفرنسي لفي خسر.