نبيل سايس في “خارج السرب” انت إنسان أنت تشبهني
فاطمة حوحو
المخرج والممثل السوري نبيل سايس، أحد هؤلاء الشبان الذين عاشوا حلم الثورة وعانوا في المعتقلات، قبل أن يضطروا إلى هجرة مدنهم فرضاً لا طوعاً، ترك مدينته حلب المدمرة وتوجه نحو بيروت، ولأن الوجع كبير كان العمل الفني تعبيراً عنه.
تعرفت الى نبيل كفنان سوري وناشط في الثورة في بيروت، وكنا نلتقي في مناسبات عدة منها تسجيل الذاكرة السورية التي كان يعمل عليها الصديق الكاتب والناشط السياسي لقمان سليم مدير مركز “امم” للتوثيق الذي تم اغتياله في جنوب لبنان، سعى نبيل خلال فترة وجوده في بيروت لمدة خمس سنوات الى الهجرة نحو كندا فهو أب لثلاث طفلات وعليه التفكير بمستقبلهن، وبعد أن صار من الصعوبة إيجاد عمل يكفي للعيش بكرامة.
وفي المنفى الاختياري الكندي استطاع نبيل أن يبدع من جديد ويعود إلى عالم المسرح عبر عرض مسرحية “خارج السرب” ليخرج من الذاكرة كل الأحلام.
نقاش التفاصيل ومساحات مرنة
في حوار مع “السؤال الآن” عن عمله المسرحي الأخير الذي قدمه في كندا وعن المنتج والمساعد والداعم خصوصاً للاجىء السوري؟ يشرح نبيل سايس: “تكون فريق العمل بوقت قياسي بعد طرح الفكرة على مجموعة من الفنانين الأصدقاء الذين كنت وما زلت محظوظاً بالعمل مع معظمهم في السنوات الماضية في لبنان وقبل ذلك في سوريا فرغم المسافات الشاسعة بيننا إلّا إن فكرة ما استطاعت أن تجذب اهتمامنا وتجمعنا لنحققها معاً، ناقشنا التفاصيل بدقة لساعات ولم نهمل وجود مساحات مرنة تسمع بتطوير العمل في كل عرض جديد، وقد شارك الممثلين صوتيّاً من دول مختلفة “مصر، سوريا، لبنان، وألمانيا” عن طريق ارسال مقاطعهم الصوتية قبل العرض وأحيانا خلال العرض عن طريق اتصال هاتفي.
ويشير إلى أن أداء الأدوار بالترتيب حسب الظهور جاء كالتالي: مهرج جوال: نبيل سايس، الذكريات: رواد الكنج. حقيبة السفر: هدى فاضل. ضوء المصباح في الطريق: الممثل بيتر البرت. مغني وعازف جيتار متجول: هاري تانغ. جون صديق على الهاتف: علي جيلاني. الأمل: كاتيا غانم. المارد: سلمى حوراني. مذيع نشرة الأخبار: أيمن عبد النور.
أما مونتاج الأصوات وإضافة التأثرات الصوتية قصي سليم، لبنان. وتصميم الألبسة، الديكور والإعلان لحسام سوده، ألمانيا. اخراج مسرحي نبيل سايس.
الجمع بين هاملت وغودو
كيف تمت عملية كتابة النص، يقول: “تشكل النص من خلال المناقشات الطويلة مع فريق العمل بعد أن اقترحت نصّاً مبدئياً مستسقى من خطاب هاملت “أكون أو لا أكون” – ويليم شكسبير، ومسرحية في انتظار غودو – صامويل بيكيت، ويتحدث عن مجموعة أشخاص يذهبون الى محطة وهمية لقطار وهمي سيأخذهم للطرف الآخر حيث يبدو كل شيء مختلفاً هناك عن عالمنا هذا وتحولت الشخصيات المتعددة إلى شخوص في خيال شخص واحد، وبذلك استطعنا أن نحفر أعمق في كيفية تشكل أفكارنا السلبية التي تعيق خطواتنا للوصول لما نريد.
مشاعرنا السلبية متل العار، الإحباط، وخلق الأسباب لعدم قيامنا بالعمل الذي نريد فعلاً القيام به، تلك المشاعر الوليدة من أفكارنا، أفكارنا التي بني معظمها من خلال المعرفة المتاحة والمتعلقة بمحيطنا من العادات والتقاليد والمعتقدات المتعلقة بمجموعة ما، ولا يمكننا تغير أفكارنا السلبية إلا بعد أن نفهم تلك الأفكار ومن أين أتت، وما هي الأسس الي حفظناها ظهراً عن قلب دون أن نفهمها والتي بنينا عليها معظم ما نفكر به وما ندافع عنه طوال الوقت ليأخذنا بعيداً عن تحقيق أحلامنا.
ماذا لو أن نتصالح مع أنفسنا ونبدأ معاملة أنفسنا بحب ورفق أكثر من ذلك، ماذا لو أن نسمح لأنفسنا أن نتألم بصدق ونحب بصدق ونحزن بصدق ونفرح بصدق. لماذا نضع الأقنعة لإرضاء الآخرين؟ ولماذا لا نعيش الحياة من أقصاها إلى أقصاها؟ فكل شعور في هذه الحياة هو شعور ثمين وله سبب.
بين المسرح والحياة
كيف كان التجاوب مع المسرحية؟ يقول سايس: كنت سعيداً ببقاء معظم الجمهور ينتظر المناقشة التي حصلت بعد كل عرض من العروض الستة، الآراء بالمجمل إيجابية وشعرت بالسعادة والفخر عندما أثنى الأستاذ المسرحي في جامعة جزيرة فانكوفر فرانك مور على المسرح السوري وأكد بأنه مسرح فريد وذو طابع وقيمة مختلفة، وقال أكثر من مشاهد بأن العرض دفعه للتفكير بحياته وعن أشياء كان عليه تجاوزها والمضي قدماً. أنا راض لأني أعمل مع فريق رائع ومع مزيد من العمل سوف نصل يوماً ما إلى الرضا الفني عن العمل.
قصتي قصة ملايين اللاجئين
ماذا عن قصة نبيل الانسانية بعيداً عن الفن؟ يؤكد: قصتي لا تختلف كثيراً عن قصة ملايين اللآجئين السوريين، كنت واحداً من مئات الألوف الذين خرجوا في شوراع سوريا خلال بداية الثورة السلمية، وقررت بعد خروجي من المعتقل للمره الثالثة أن أترك سوريا إلى لبنان كخيار وحيد بالنسبة لي في ذلك الوقت، عشت في بيروت أجمل خمس سنوات في حياتي، عملت في كثير من المهن وتعلمت الكثير وكنت وما زلت محظوظاً لأني التقيت بأصدقاء وجيران حقيقيين وأوفياء.
ويصف بيروت بأنها مدينة جميلة. قاسية وحنونة للغاية. مبهمة وواضحة، ودائما تكون نقطة فاصلة في حياة كل من تسكنه قبل أن يسكنها، مدينة عجيبة كلوحة فسيفساء زجاجية.
حلمت بالحرية لسوريا والمعتقلين
ماذا عن سوريا؟ يجيب: لم تخرج من ذاكرتي يوماً، كنت محظوظاً بالعيش أو بزيارة أغلب المدن السورية والاحتفاظ بأصدقاء أوفياء حتى اللحظة، ولمن لا يعرف سوريا فكل مدينة في سوريا تحمل طابع وشكل وطقس ولهجة وأكلات مختلفة وعادات وفرحة معينة لا تنسى وتبقى هناك في الذاكرة الى الأبد.
تعرفت على أصدقاء رائعين خلال فترات اعتقالي في سوريا على خلفية أحداث الثورة السورية، في تلك الفترة كنت أحلم بأني حر طليق في كل يوم، وعندما خرجت وحتى الآن عندما أنام أحلم أني معهم. لدي دائماً شعور بأن علينا أن نفعل المزيد من أجل المعتقلين ونذكر بهم في كل مناسبة فهناك الألوف حتى اللحظة ينتظرون أن يروا الضوء، الأمل هو فقط ما يبقيهم على قيد الحياة.
نحو الكتابة القصصية
يتوجه نبيل اليوم نحو الكتابة القصصية فماذا عنها؟ يجيب: بالحقيقة لست جيداً بما يكفي لأبدأ بنشر تلك القصص أو التحدث عنها بعد، ولكنها بدت لي كبداية جيدة للعودة للكتابة فبدأت أكتب قصص رأيتها أو سمعتها من أشخاص التقيتهم أو ما زلت ألتقيهم في حياتي.
وعن طموحاته يقول: أطمح لدخول السينما كمخرج لديه رسالة وأحمد الله بعد سنوات من أقامتي في كندا أصبح لدي عدد من العلاقات في الوسط الفني وبعض الخيارات المتاحة لانتاج فيلمي الروائي الأول الذي سيكون بعنوان:
ANGLE OF EMERGENE
كندا مزيح ثقافات وعوالم جديدة
وعما اذا كان مرتاحاً في التجربة الكندية وهل كفنان يمكن أن تجد فرصاً للعمل والابداع؟ يوضح سايس: كندا بلد رائع فهو مزيج من كل ثقافات العالم بالإضافة الى الثقافات المتعددة للشعوب الأصلية التي عاشت على هذه الأرض منذ ألوف السنين مع كل لغة لا نفهمها نسمعها بالصدفة بالطريق أو زي مختلف أو عادة أو دين مختلف كل ذلك يأخذنا لعوالم جديدة لنفهم بالنتيجة فرغم كل الاختلافات فالإنسان هو الانسان أينما ذهب وأينما ولد.
ويضيف: أنا ولدت باليمن وعشت فيها أجمل أيام طفولتي، شعرت بالحزن وأنا أغادر مدن سكنتني قبل أن أسكنها ( حلب – سلا – بيروت – دمشق – ديرا لزور – طرطوس) والقائمة تطول، ولكني بكيت أول مرة وأنا أفارق أضواء البيوت التي تلمع كالنجوم على الجبال، ولمن لا يعرف مدرجات اليمن، فاليمنيون زرعوا الجبال وسكنوها لأنهم يعشقون الجبل وهواءه، صمدت بيوتهم الطينية مئات السنين على الجبال، حلمت دائماً أن يكون أحد هذه البيوت هو بيتي عندما أكبر وغادرت ذلك الحلم دون حتى أن أملك حق الاختيار لأني كنت في عمر العاشرة من عمري، ربما كنت صغيراً جداً لكي أفهم مفاهيم كبيرة ما زلت لا أستطيع فهمها حتى اللحظة مثل الانتماء – الغربة.
الجمهور هو من يعطي الثقة
وعن الفرص في كندا يقول: “الحقيقة لا أستطيع فهم معنى كلمة فرصة بعد فأحياناً ما نعتبره فرصة لا يكون فعلا كذلك، أما عن فرص ظهور الفنان في كندا للجمهور فباعتقادي الشخصي في هذا العصر كل فنان لديه فرصة الآن في أي مكان في العالم وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. والجمهور هو الذي يعطي الثقة والفرص للفنان بناء على الكثير والكثير من العوامل التي لا أستطيع فهمها حتى الآن”.
سيرة فنية
لا بد من التذكير هنا بأن نبيل كان قد بدأ التمثيل خلال المرحلة الثانوية في مدينة حلب وعمل كممثل ضمن فرقة المسرح المدرسي الجوال مع المخرج “نادر عقاد” وعرض في أغلب مدارس مدينة حلب الابتدائية، كتب مسرحيات للأطفال “سعدان ومفتاح السعادة”،”حكايات في عالم الخيال” إخراج نزهت شاهين، “كان ياما كان حتى الآن” إخراج مازن قلعه جي، وكتب للكبار “مسرحية الدائرة، ثلاث مرات أو أكثر” وتحكي عن سجن لا مادي يعيش به أربع شخصيات تحكي حكايتها. إخراج هادي فاضل. وعرض في مدينة عمان، الأردن وحاز العمل على جائزتي أفضل أداء جماعي وأفضل ممثل دور ثاني “فراس زرقه” خلال مهرجان فيلاديلفيا الجامعي العربي السابع.
مثل فرع معاهد حلب كسيموغرافيا وإخراج في أكثر من مهرجان في سوريا مع مسرحيات “الناسوت، ولادة ثانية” ويحكي العمل عن إدراكنا بعد سنوات من ولادتنا بأننا بحاجة لولادة ثانية بعيداً عن أي شيء يتحكم بنا وبتصرفاتنا عن بعد أو بشكل مباشر، تأليف فريق العمل، وتم عرضه في “حلب واللاذقية” وحازت الممثلتين كاتيا غانم وأحلام العلي على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان فوّاز الساجر تم عرض العمل في “حلب واللاذقية”، “طفل زائد عن الحاجة” ويتحدث عن معاناة مجتمع من خلال فرضية “لا مكان لطفل جديد” ضمن خرافة قديمة كان يخيف بها الأهالي أطفالهم عن “سابدلا الي بيطلع على الحيط وبيتدلا ! وهي من تأليف عبد الفتاح قلعه جي، وعرضت في “حلب – طرطوس”، و”ذات حب” عن قصة حب بين شخصين يعيش كل منهما في جيل مختلف فلا يلتقيان الا في في خيالهما المحب من تأليف سايس وتم العرض في “حلب”.
وفي بيروت عرض سايس “انفرادية، أحلام معلبة” بعد وصوله ببضعة أشهر، ويحكي عن تداعيات أفكار معتقل في انفرادية، ثم قدم “آيات من الكتاب السوري” ويحكي عن جمل شهيرة خرجت من أفواه الناس خلال مواقف مؤثرة من الثورة السورية وكان من تأليف فريق العمل وتم عرضه في بيروت. وأخرج فيلماً وثائقياً قصيراً مع بدايات، بعنوان “اللون الأبيض” ويحكي عن أحلام طفلة اسمها راما كانت تعيش في مخيم اللاجئين السوريين في لبنان.
<
p style=”text-align: justify;”>