خلوة آلام.. المسيحيين.. في “يوم أربعاء أيوب”!

خلوة آلام.. المسيحيين.. في “يوم أربعاء أيوب”!

 د.رودريك نوفل

‎   “وَقَالَ لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُم جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»” (متى 13:21)
بالفعل هذه الآية من العهد الجديد في الكتاب المقدّس نعيشها اليوم ما بعد العهد المُشين و المُهين للبنانيين المساكين.
قد نظن أن الله عزّ و جلّ قد إحتار الله في زمن الصوم من تضرعات فاسدين في هذه الخلوة الدينية.
   هل فعلاً هناك من قرر أن يتوب يوم أربعاء أيوب؟
منذ بدء أزمة الفراغ الرئاسي لم يألُ البطريرك الماروني بشارة الراعي جهداً لحثّ نوّاب الأمّة على انتخاب رئيس للجمهورية و قد يكون صبر أكثر من النبي أيّوب، وآخر مبادراته دعوة النوّاب المسيحيين إلى يوم اختلاء روحي في بيت عنيا – حريصا للصلاة من أجل لبنان.
   تتزامن هذه الدعوة البطريركية مع صدور مواقف متتالية عن مرجعيات وأحزاب سياسيّة تقول صراحة أو تلميحاً أنّ أزمة الرئاسة هي أزمة مارونية – مارونية بالنظر إلى الخلاف بين الأحزاب والقوى المارونية حول الانتخابات الرئاسية. تُثمَّن مساعي البطريرك الراعي الدؤوبة لملء الفراغ الرئاسي، فهو يستعيد ما ورد في وثيقة الكنيسة والسياسة الصادرة عن المجمع البطريركي الماروني والتي تنص على “أنّ خلاص لبنان يكون لكلّ لبنان أو لا يكون، ويقوم بكلّ لبنان أو لا يقوم، ذلك أنّه ليس من حلّ لمجموعة دون أخرى، ولا لمجموعة على حساب أخرى”. ما يعني أنّه ليس هناكَ حلّاً مسيحياً لأزمة المسيحيين كما أنّ ليس هناك حلّاً مسلماً لمشكلة المسلمين.
   فكلّ أشكال الحلول الترقيعية و الجزئية هي حكماً ساقطة كنسياً و وطنياً و منطقياً إن كانت فدرالية أو تقسيميّة مناطقية أو طائفية فكما قال جورج نقّاش سنة 1949 “Deux négations ne font pas une nation!” بما معناه “سلبيَتان لا تصنعان أمّة” فسلبيات هذا اللقاء أكثر من إثنتان بدايةً مع التسريبات التي حصلت قبل هذا اللقاء و منها من يقول أن بكركي إختصرت هذه المرّة الطائفة المارونية بلائحة تضم 16 اسما على غرار اللائحة التي ضمّت4 أسماء قُبَيل إنتخاب عون أفضت إلى إنتخابه… والباقي تاريخ لا يريد أحد ذكره.
   ومنها من يقول أن البطريرك طلب من حزب الله اختيار 3 أسماء مرشحين. والبعض الأخير يقول أن الثنائي الشيعي الحاكم بأمر الله ومختصر الطائفة الشيعيّة حصراً به حصر الترشيحات بسليمان الصغير و حصراً “سليمان الصغير” والواقع يؤكد أن اللقاء عَوَّم سياسياً من كان في مرحلة النسيان ووقعه السيء أنّه جَمَعَ من هم سبب الأزمة كي يخرجوا بحلول لها فسَبَب الأزمة لا يمكن أن يكون حلّها.
   بعضهم قد إتخذ قراره وأعلن وجهته ألا وهي الخليج على قاعدة مصلحة آنية ظرفية و مالية مستقبلية مستنداً على واقع قُرب طرحهم من رؤيته مبدياً أهمية جيبته لتأمين إستمراريته وحزبه وشعبيته. بعضهم الآخر قرر التوجّه شرقاً ضد الخليج على قاعدة الممانعة الأقوى حالياً في لبنان حسب قوى الأمر الواقع التي تفرض نفسها إحتلالاً وتتحكّم بمكامن الدّولة وتختزل قرارها وتفرض مرشحها. وبعضهم للحظة يخطب وطنياً رغم حجمه المتواضع مسيحياً ولبنانياً ويدافع عن فكرة الدولة، جماعة تنشر خطاباً يدخل إلى أذن السامع كالموسيقى الراقية للراقيين والشعبية للشعبيين في آن.

نيافة الكردينال 
   هؤلاء النوّاب بغالبيتهم مشكوك بولائهم… نعم مشكوك بولائهم للمسيحيين ولمصلحتهم الوطنية فأنت لم تتعب ولم تكلّ دعوتهم للقيام بواجباتهم الوطنيّة وهم لم يكرسوا لها شأن أو اهتمام واستمرّوا بالخراب.
هؤلاء النوّاب بغالبيتهم أصحاب قدرات، هل إستثمروا جزء منها لمساعدة الكنيسة وشعبها وحتى لو عِشر – (كما يذكر العهد القديم)- مصاريف حملاتهم الإنتخابيّة وسيّاراتهم الفارعة وحياة الترف التي يعيشونها في الوقت الذي يرزح أخوتنا لإستجداء لقمة عَيش و دواء لداء خبيث أخبث و أمكر منهم؟
ولعل بعضاً من هذا المكر أن يستأثر بك أحدهم بحديث جانبي خلال الخلوة كي يُظهر مكره للإعلام و يضع نفسه محطّ اهتمام خاص ليخرّب صورة الأب الذي لا يفرّق بين أولاده حتى لو كان بعضهم ضالاً.

سَيّدنا رأس الكنيسة المارونيّة 
   كان الأجدى مقاطعتهم وعدم استقبالهم ولا من يمثلهم حتى يعودوا إليك زاحفين ويقوموا بواجبهم فالسيّد المسيح ثار على تجّار الهيكل والثورة على تجّار الوطن واجب وفريضة وتاريخ الكنيسة المارونيّة. وتأكيداً نستذكر بطولات الكنيسة ووقوفها ضد الاحتلال العثماني ومؤخراً الاحتلال السوري، مروراً بما بينهما من أدوار وطنيّة جامعة منها قيام دولة لبنان الكبير  1920 واستقلال لبنان 1943 والحرب اللبنانية التي بدأت 1975 وبناءً على ما سبق من حقّنا نحن الشعب المسيحي الذي يعاني من الاحتلال الإيراني أن ندعو وندعم و كنيستنا على استكمال مسيرة مقاومة الاحتلالات وبقائها رأس حربة أمامنا بمواجهة كلّ طامع بلبنان.

سيّد بكركي الذي أعطي له مجد لبنان 
  نعلم أن الإعلام سيف ذو حدَّين فبعض تسريباته تكون مفيدة تارةً وقد تكون ذات أغراض وغايات طوراً، وقد سرّب مؤخراً انغماس الصرح بلعبة الأسماء والأخذ و الردّ بهذا الملف والغموض الذي يلفّه، ونعلم أيضاً أن ما يصدر عن بكركي يكون جهاراً وليس تسريباً ونحن بانتظار تصريح بكركي الرسمي، الذي لطالما اقتدينا به ونعَوّل على حكمته لحل هذه المعضلة الوطنية الكبرى. فالحلّ لهذه المعضلة الكبرى هو قبل كلّ شيء، وكما ورد في نصّ وثيقة الكنيسة والسياسة، هو “من خلال تطبيق وثيقة الوفاق الوطنيّ نصًّا وروحاً، ويتحقق هذا الوفاق الوطنيّ بالاتفاق على قيم مشتركة، هي الحريّة والديمقراطيّة وسيادة القرار السياسيّ الداخليّ وصياغته في المؤسّسات الدستوريّة، وتجسيد هذه القيم الوطنيّة على قاعدة العيش المشترك”.
 نعم إن رئيس الجمهورية المنشود هو ذلك الذي يؤمّن شروط الدولة المنشودة، والتي تؤمّن، بحسب النصّ إياه:
1- التمييز الصريح، حتى حدود الفصل، بين الدين والدولة.

2- الانسجام بين الحريّة التي هي في أساس فكرة لبنان والعدالة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات.
3- الانسجام بين حقّ المواطن الفرد في تقرير مصيره وإدارة شؤونه ورسم مستقبله، وبين حقّ الجماعات في الحضور والحياة على أساس خياراتها.
4- الانسجام بين استقلال لبنان ونهائيّة كيانه، وبين انتمائه العربيّ وانفتاحه على العالم.
كما أنّ الموارنة الذين أظهروا دومًا تعلّقهم بلبنان حرّ سيّد ومستقلّ ذي نظام ديمقراطيّ، مدعوّون لأن يتمسّكوا بهذا النظام ويدافعوا عنه، لأنّه الشرط الأساس لبقاء لبنان”.
  فهذه البنود موجودة في الوثيقة الكنسيّة التي تم نشرها بموافقة الفاتيكان بعد العمل على جميع بنودها من 2003  إلى 2006 وقد استشهد بها “لقاء سيّدة الجبل” في بيان 3 نيسان- أبريل 2023.  

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. رودريك نوفل

باحث وناشط سياسي لبناني