فضيحة المجلس الوطني للصحافة! أسرار الصراع وخبايا التلاعب بإرادة الصحافيين المغاربة
ناديا المريني
نعود مرة أخرى إلى تتبع هذا الملف بعد النهاية التراجيدية التي انتهى اليها المجلس الوطني للصحافة وخروج زعمائه الذين ما يزالون خالدين في النقابة الوطنية للصحافة، غادروا المجلس شبه مطرودين، في حين كانوا يهيؤون أنفسهم للخلود في دهاليز المجلس مددا أطول.
فشلوا في تدبير هذا المجلس مند أكثر من أربع سنوات وحولوه إلى حلبة للصراع وثكنة أمنية ضد الصحافيين والصحافيات. كما فتحوا سوقا للحصول على بطاقات الصحافة التي تسلمها عدد ممن لايستحقونها، ومنعوها عن صحافيين آخرين حصلوا عليها تباعا قبل أكثر من 20 سنة، لكن هؤلاء الصحفيين ربحوا معركتهم في المحاكم ضد المجلس، واستعادوا حقهم في الحصول عليها، كما فتحوا سوقا رائجة نقابيا للحصول على بطاقات التجول عبر القطار. رغم أن تمويلها يتم من المال العام. إضافة إلى تغاضيهم عن الرد عن الحملات الإعلامية التي تقوم بها بعض المنظمات الدولية ضد بلادنا، ولو ببلاغات تسجل موقفا مهنيا وليس بالضرورة أن يعكس رأي الحكومة. كما وضعوا رؤوسهم في الرمال كشاهد “ما شفش حاجة”، ولم يقوموا بأية مبادرة بسيطة ولو تضامنية في بلاغ مع الزملاء الصحافيين المعتقلين والمحكومين بعدة سنوات، أو أن تكون لديهم الجرأة لتقديم طلب عفو في حقهم.
ولنعد قليلا إلى 2018، لأن داء العطب قديم في هذا المجلس الذي خرج (من الخيمة مايل)، فقد انطلقت في يونيو من السنة نفسها الدينامية التي خلقها انتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة وخصوصا منها انتخابات الصحافيين المهنيين، لما أثارته من نقاش ونزاعات وطعون وردود أفعال تدل على حيوية هذا الجسم وحركيته، رغم تشتته وعدم انضباطه وهيمنة تيارات حزبية على الإطار النقابي الذي يمثل جزءا منه.
انطلقت عملية الانتخابات بمشاركة ثلاث لوائح مستقلة، تصدر أولها حميد ساعدني على رأس لائحة مدعومة من النقابة الوطنية للصحافة المغربية، رغم أنه كان منخرطا في نقابة الصحافة التابعة للاتحاد المغربي للشغل، أما اللائحتان الثانية والثالثة فتصدرهما على التوالي كل من علي بوزردة المدير السابق لوكالة المغرب العربي للأنباء، وعبد الصمد بن الشريف الذي كان حينئذ مديرا لقناة المغربية الإخبارية التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.
لم تثر لوائح المستقلين أية إشكالات في الاتفاق على المرشحين السبعة بقدر ما أثارته اللائحة المدعومة من النقابة، حيث لجأ رئيس النقابة عبد الله البقالي مع يونس مجاهد أمين عام النقابة إلى حيل مدروسة بدقة، استطاعوا تمريرها بطرق ملتوية في اجتماعات المكتب التنفيذي والمجلس الفيدرالي، أعلنوا فيها عن فتح باب الترشح لمن يريد منهم وكذلك ومن باقي الصحافيين من خارج النقابة، واحتفظوا بتفاصيل الخطة بينهما، ومع بعض المقربين.
توصلت إدارة النقابة أنئذ بـ 34 ملفا لمرشحين أغلبهم من داخل النقابة، ومن ضمنهم يونس امجاهد وعبد الله البقالي، خلافا لما عبرا عنه سابقا من عدم رغبتهما بالترشح، كما أعلنا عن تكوين لجنة ترشيحات سموها بـ”لجنة الحكماء”، تتكون من الأستاذ محمد مشيشي العلمي الوزير الأسبق للعدل، ومحمد برادة المدير السابق لشركة سبريس لتوزيع الصحف، وجمال الدين الناجي المدير العام للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ومحمد البريني مدير النشر السابق لـ”الأحداث المغربية”، إضافة إلى الطيب الأزرق المحامي بالرباط. وبعد اعتذار برادة وسفر الناجي خارج المغرب، ووجود العلمي خارج الرباط التجأ يونس والبقالي، إلى الاستعانة بعبد المجيد فاضل مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، لكنه اعتذر أيضا بحكم وجوده خارج المغرب. ومن أجل إنقاذ الموقف اتصلا بعبد الوهاب الرامي الأستاذ بالمعهد نفسه وبمحمد النشناش الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان. وكما تلاحظون فلا علاقة لهؤلاء الأشخاص بحكم تخصصهم بالمهمة التي أوكلتها لهم النقابة. اجتمعت اللجنة بـ”فندق الرباط” وبدأت عملها بمشاركة أشخاص آخرين غير الذين أًعلنت أسماؤهم أمام المجلس الوطني الفيدرالي. وكان يوجه أعمالها كل من يونس امجاهد وعبد الله البقالي، وهما أيضا قدما اسميهما للتباري. كانا يحددان بلا حشمة من الأحق من الآخر من المرشحين، والطيب الأزرق وعبد الوهاب الرامي عضوا اللجنة شاهدين على هذه الواقعة في تعارض صارخ مع القوانين المنظمة للانتخابات والأخلاقيات المهنية. وبصفتهما المتصرفان في قضايا النقابة، فقد رفضا نشر لوائح المرشحين الـ 34 بمقر النقابة بدون إبداء الأسباب،كما أنهما لم ينشرا عمدا محاضر اجتماعات لجنة “الحكماء”، وتسترا لأزيد من عشرة أيام على الأسماء التي اختاروها، ولم يعلنا عن اللائحة المطبوخة باسم الحكمة والحكماء إلا يوم 27 ماي 2018، تاريخ تقديم لائحة “حرية نزاهة مهنية”، وهي اللائحة التي أعداها سريا وقدماها للجنة الانتخابات بمقر وزارة الاتصال.
توالت الانتهاكات ضد الصحافيين الذين فضحوا هذه التلاعبات وخصوصا من صحافيين مسؤولين بالنقابة الوطنية للصحافة، الذين شكلوا تيارا وسط النقابة أطلقوا عليه “نقابيون من أجل نقابة ديمقراطية”، قاموا بعدة مبادرات منها حملات إعلامية لفضح التلاعبات والغش والتدليس في لوائح المرشحين للمجلس، وراسلوا الوزارة المعنية كما راسلوا السيد القاضي الذي كان يتراس عملية الانتخابات.
وما زاد الطين بلة، الاستقالة المبكرة من عضوية المجلس الوطني للصحافة التي قدمها محمد البريني المدير السابق لـجريدة “الأحداث المغربية”، وقال في رسالة استقالته: “المجلس الوطني للصحافة تحيط بتكوينه ظروف غير سليمة تهدد بأن تجعل منه مؤسسة مشلولة، فاقدة المصداقية، وعاجزة عن إنجاز الحد الأدنى مما ينتظره منها الجسم الصحفي والمواطن الذي يريد أن تتمكن صحافة بلاده من تلبية حقه في الإخبار والإعلام”. وكان البريني يعرف جيدا بصفته عضوا في اللجنة التي كونتها النقابة ظروف إعداد لائحة النقابة والتدليس الذي تم فيها من طرف البقالي ومجاهد.
في واقع الأمر يبدو بأن الدولة لم تتدخل في باديء الآمر في مسار إخراج هذا المجلس إلى الوجود، ورغم أهميته في تنظيم المشهد الإعلامي الوطني فإن الحلقة الأضعف في هذه المؤسسة هم الصحافيون والهيئات التي تمثلهم. فالنقابة الوطنية للصحافة المغربية لم تستطع أن تتخلص من عقلية لجنة الترشيحات البائدة في تدبير شؤونها، مع غياب الديمقراطية والشفافية في التسيير اليومي لملفاتها وعلاقاتها الداخلية. ولا يزال التناوب الثنائي بين حزبين وشخصين جاثما على صدور الصحافيين منذ عقود، حيث تدبر انتخابات النقابة ومؤتمراتها بنفس الطريقة وبعقلية تحكمية خوفا من أي مفاجآت قد تعصف بمصالح القيادة التي هرمت في جلباب النقابة، وكانت تبحث عن تقاعد مريح في آرائك المجلس الوطني للصحافة، مع الاستمرار في التحكم في دواليب النقابة، رغم أن القانون يمنع الازدواجية في هذا المجال، وهذا ما دفع بهم إلى مواجهة كل محاولات الإصلاح بشراسة وصلت إلى حد تهديد بعض قادة النقابة بالطرد.
في المشهد الإعلامي الحالي هل تستطيع هده النقابة مواكبة العصر والتطور أم أنها ستتقوقع بعد أن تجاوزها الأحداث؟ بعد ضمان الدستور لمبدأ حرية التعبير وحرية الصحافة وبعد تأسيس المجلس الوطني للصحافة، ونشر ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة في الجريدة الرسمية، كوثيقة رسمية يستأنس به القضاة في قضايا الصحافة. وتكفلت الدولة بالجانب الاجتماعي للصحافيين وأدت أجورهم مند جائحة كورونا، في غياب كلي لفعل نقابي في هذا المجال. هل تستطيع النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن تتحول إلى نقابة فعلية بعد استهلال كل خطاباتها؟ هل تمتلك هذه النقابة الأطر والخبرة ووسائل و تقنيات الدفاع عن حقوق الصحافيين وأوضاعهم المادية والاجتماعية، كباقي النقابات العمالية، وهل لديها ملفات مفصلة عن هذه الأوضاع؟ هل تستطيع التخلص من الخطاب النقابي الشعبوي المتجاوز؟ في زمن تغيرت فيه كثيرا مهن الصحافة، التي ولجها اليوم شباب أكثر وعيا وثقافة في حين بقيت النقابة أسيرة تصورات عتيقة و جامدة ومحتكرة منذ أزيد من 25 سنة من نخب متجاورة سياسيا و مهنيا ونقابيا…!!