الموت يغيّب الإعلامي المغربي عمر سليم
عبد الرحيم التوراني
توفي اليوم بإحدى مصحات مدينة الدار البيضاء الصحفي والكاتب المغربي عمر سليم عن عمر 69 يناهز عاما.
فيما يلي ورقة تعريفية بالراحل الكبير، الذي استطاع أن ينقش اسمه ضمن لائحة الكبار في تاريخ الصحافة والإعلام بالمغرب. ربطتني علاقة صداقة وأخوة متينة بالفقيد منذ فترة الشباب الأولى، وقد امتدت لما يزيد عن أربعة عقود، وقبل أن يمتهن الصحافة أي واحد منا.
نشرت الورقة قبل ثلاث سنوات في فترة جائحة الكوفيد، وكانت بمثابة تكريم وتحية مني للصديق عمر سليم قيد حياته، وقد استقبلها بمحبة، وأجاز كل ما ورد فيها من معلومات شخصية وذكريات، معلقا عليها باعتزاز وسرور.
عمر سليم المثقف والأديب.. نجم الإذاعة والتلفزيون
[نزلت قافلة وسط الكارة/ وقافلة من الجبال تنادي/ يا ما الغيث يأتي بغزارة/ ولا اعشاب نابتة في بلادي]
(مجموعة جيل جيلالة)
هذا صحفي جاء إلى الصحافة والإعلام السمعي البصري من الفلسفة والأدب ودراسة العلوم السياسية، بعد مرور لافت من خشبة المسرح.
لا زلت أتذكر عندما ذهبت صحبة حسين بنيعز (بنياز)، المشهور بحسين باز، إلى بيت عمر سليم في درب السلطان، حيث كان يقطن سليم قرب مدرسة “كريت”، التي شغل والده المرحوم مصطفى بنعمار مهمة مدير لها.
حدث ذلك في سنة 1979، وكانت أول مرة ألتقي فيها بعمر سليم، وبداية صداقة ممتدة في الوفاء والمودة المتبادلة الخالصة.
رأيت يومها شابا ملتحيا، أبيض البشرة، متوسط القامة، كله حماس وثورة واندفاع، تخرج الكلمات من بين شفتيه قوية، مطبوعة بنبرة رخيمة مليئة بالجدية والصدق.
كان الشاب عمر سليم قد عاد للتو من باريس بعد استكمال دراسته، متوجا بشهادة دوكتوراه من معهد العلوم السياسية، وبدراسات معمقة في الأدب والفلسفة من جامعة السوربون، كان من الممكن أن يتجه إلى العمل بوزارة الخارجية كما اقترح عليه، أو مزاولة التدريس الجامعي أستاذا بكلية الحقوق، لكن عشق فن المسرح كان ملكه، وقد استفاد من تكوين مسرحي بإحدى مدارس المسرح بالعاصمة الفرنسية، وشارك في أعمال مسرحية فرنسية هناك، وضع عمر سليم في رأسه الانخراط في بناء مسرح مغربي جديد، مسرح يمتح من تيار مسرحي أطلقه في المغرب الأستاذ عبد الكريم برشيد، ونظّر له في بيان تبشيري تحت اسم “بيان المسرح الاحتفالي”.
هكذا أقدم عمر سليم على إخراج عدد من المسرحيات التي كتبها عبد الكريم برشيد، ومنها مسرحية “امرؤ القيس في باريس” و”فاوست والأميرة الصلعاء”.
زيارة بنياز للمخرج الشاب عمر سليم، التي كنت معه فيها، كانت من أجل الاتفاق على لعب دور امرؤ القيس في المسرحية التي تحمل اسم الشاعر الجاهلي.
وتم بالفعل تقديم المسرحية رفقة مجموعة من المسرحيين، جلهم أتوا من فرقة الفنان الطيب الصديقي، مثل الممثل الراحل محمد الحبشي، ومحمد الروندو، ومحمد كافي، ومحمد أصمعي، وصالح نور في المحافظة.
المدرسة الفرنسية التي تابع فيها سليم دروسه المسرحية بموازاة دراسته العلوم السياسية، كانت لا تقبل المنتسبين إليها إلا بعد إجراء مباراة خاصة، فمن أصل 500 مثلا كان ينجح فقط 50، ويوم تقدم سليم إلى مباراتها فاز رفقة ثلاثة مغاربة، واحد منهم من الطائفة اليهودية المغربية.
كان مدير المسرح البلدي في تلك الأيام، الذي خلف الطيب الصديقي، هو عبد اللطيف الزيادي، شقيق عبد السلام الزيادي اليد اليمنى لوزير الداخلية إدريس البصري، قد وثق في موهبة المخرج الشاب عمر سليم، فمنحه مفاتيح المسرح، كي يأتي في أي وقت شاء من أجل التمرين على مسرحيته. سواء بقاعة “كافي تياتر” أو بخشبة المسرح الأساسية.
وأتذكر أني حضرت مرة حصة من التدريب على مسرحية “امرؤ القيس في باريس” بخشبة المسرح البلدي، لكن حسين بنياز سيتراجع، رغم حماسته، عن العمل مع المخرج عمر سليم، وما كنت أعرفه هو أن “بزيز” أحمد السنوسي، الذي كان يشكل ثنائيا فكاهيا مع بنياز، لم يكن راضيا على عودة صاحبه للعمل بعيدا عنه في المسرح.
***
بموازاة عمله في المسرح واظب عمر سليم على الكتابة متطوعا بجريدة “البيان” بالفرنسية، التي كان يديرها زعيم الحزب الشيوعي / التقدم والاشتراكية، الراحل علي يعتة، وكان عمر سليم يعتبر علي يعتة بمثابة والده، هو الذي درس مع ابنيه ندير وفهد منذ المرحلة الابتدائية في مدرسة “إرنيست رونار” في حي الوزيس بالدار البيضاء، ورافقهما في ليسي ليوطي ثم في جامعة السوربون بباريس، إذ تخرج ابنا علي يعتة معا بشهادة الدكتوراة في العلوم السياسية، التي ناقش فيها ندير بحثا يتصل بالولايات المتحدة الأمريكية، في حين ناقش فهد بحثا خاصا بالاتحاد السوفييتي.
كما درس إلى جانب عمر سليم في معهد العلوم السياسية كريم حجي، الذي يقربه من العائلة، وقد أكمل كريم حجي دراساته بعد فرنسا في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل عودته إلى المغرب واشتغاله بالهولدينغ الملكي “أونا”، واليوم هو المدير العام للبورصة في المغرب.
***
عمل عمر أيضا بصحيفة “لوبينيون” اللسان الفرنسي لحزب الاستقلال، وكانت جريدة واسعة الانتشار، وكتب في ملحقها الثقافي الذي كان يصدر كل يوم اثنين تحت إشراف الصحافي عبد الله مماس، ومن بين أعضاء هيئة تحرير “لوبينيون” الذين عمل إلى جانبهم عمر سليم نذكر خالد الجامعي ونجيب السالمي وسعيد الفاطمي ومنير الرحموني ونعيم كمال وفاطمة بلعربي.
***
ذات يوم من بداية شهر أكتوبر 1980، حل عمر سليم بمدينة طنجة، ضيفا على صديق له يعمل في قطاع الترانزيت (التعشير)، تعمل شركته مع قصر ولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز في طنجة. وخلال الحفلة التي نظمها الضيف ببيته على شرف صديقه القديم الذي تجمعه به ذكريات من زمن الطفولة، كان من بين الحاضرين فرنسيون يعملون بالإذاعة التي انطلقت حديثا قبل شهر من ذلك اليوم، (تحديدا في يوم 8 سبتمبر 1980)، في تلك الليلة تلقى عمر سليم عرضا بالعمل في إذاعة “ميدي 1″، (إذاعة البحر الأبيض المتوسط). فقرر الدخول في تجربة جديدة وأرجأ عودته إلى باريس حيث كان ينوي الاستقرار نهائيا بفرنسا، بعد تجربة سنة قضاها في المغرب وأخرج خلالها عدة مسرحيات ونشر عدة مقالات في الصحافة الثقافية.
قال المدير العام ل”ميدي 1″ بيار كازالطا، وقد أعجب بشخصية عمر سليم وبطلاقته وتمكنه من لغة فكتور هوغو:
– سأصنع منك نجما. وسألقنك حرفة لا تملكها، فأنت حاصل على شهادة عليا، ولكن شهادتك ليست حرفة.
ردد عمر سليم في سره: لم لا؟ لأجرب شهرا، وأرى كيف ستمشي الأمور معي قبل أن أقرر.
أغدق بيار كازالطا على المسرحي الشاب، ومنحه ما يؤسس به بيتا ليستقر في عاصمة الشمال، فوجد عمر سليم نفسه وقد قضى ب”ميدي 1″ عشرين سنة كاملة.
عشرون عاما برز فيها نجما كبيرا في سماء الإعلام المغربي، كما وعده بذلك الفرنسي الكورسيكي الأصل بيار كازلطا..
عشرون عاما تخرج فيها على يد عمر سليم عدد من الصحفيين المغاربة والفرنسيين، ومن بين هؤلاء الفرنسيين من يتربعون اليوم على سدة القنوات والإذاعات في فرنسا. ولم ينسوا كرمه وأياديه البيضاء عليهم، ومنهم أيضا، كما يقول، من ينطبق عليهم المثل: “اتق شر من أحسنت إليه”.
أصبح عمر سليم رئسيا للقسم الفرنسي، يعمل تحت إدارته صحفيون فرنسيون ومغاربة، لا زلت أتذكر عندما كنت في طنجة وذهبت لأفتش عن صديقي عمر سليم في زنقة المصلى، حيث الفيلا الصغيرة التي تحتضن استوديوهات إذاعة “ميدي 1” وقدمني لفريق صحفيين فرنسيين من “ميدي 1″، وبعد خروجنا إلى حانة “بوب” قريبة، شاهدت ولمست عن قرب مدى احترام وتهيب الفرنسيين من شخصية صديقنا عمر سليم.
كان أيضا في “ميدي 1” صديقنا الراحل عبد القادر شبيه القادم من تجربة ناجحة في “العلم”، كان المرحوم شيبه مزدوج اللغة، لذلك عندما ذهب لتغطية إحدى دورات أشغال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، كان المستمعون يلتقون بعبد القادر شبيه في النشرة العربية للإذاعة، ثم يصادفونه بعد نصف ساعة، هو نفسه، بنبرات صوته في النشرة الفرنسية، يقدم مراسلته من عاصمة الاقتصاد والإعلام والثقافة في الولايات المتحدة.
***
في سنة 1989 انطلقت قناة “دوزيم”، ونودي على عمر سليم للقاء به في فندق “حياة ريجنسي” بالدار البيضاء، عندما تلقى مكالمة من المدير المالي للقناة الوليدة، وكان هو عبد الرحيم الشوفاعي. لما وصل عمر سليم وجد في انتظاره الصحفي الفرنسي باتريك كليمون، أول مدير ل”دوزيم”، هو من صاغ شبكة القناة وأكد على فرنكفونية برامجها بنسبة عالية.
في تلك الفترة كان فريد بريطل الإطار بالهولندينغ الملكي “أونا”، هو من يسير “دوزيم”. وسيصدر فريد بريطل سنة 2001 كتابا باللغة الفرنسية حول الاحتضان الثقافي في المغرب: .(Le mécénat au Maroc)
كنت التقيت بفريد بريطل مع ياسمين الفيلالي ابنة رئيس الحكومة ووزير الخارجية الراحل عبد اللطيف الفيلالي، لما أجريت معها حوارا في مقر “اونا”، بمناسبة إصدارها لمؤلف هام حول الفنان التشكيلي الكبير الجيلالي الغرباوي، لكن أخبار بريطل انقطعت منذ سنوات، ولما سألت عنه قيل لي إنه مريض يعاني من داء باركينسون.
***
في لقاء تلك الظهيرة بفندق ريجنسي طلب باتريك كليمون من عمر سليم أن يقدم برنامجا رياضيا، هو البرنامج المباشر الوحيد في “دوزيم”، رد عليه سليم بإنه ليس صحفيا رياضيا، لكن كليمون قال له: لقد تابعتك على أمواج “ميدي 1” طيلة أسبوع كامل وأنت تلقي الأخبار، ومنها الرياضية، وأنا أدرك تماما أنك على اطلاع بعالم الرياضة. ولما سأل عمر سليم محدثه عن موعد البرنامج فاجأه وقال: مساء هذا اليوم. في التاسعة مساء.
اتصل عمر سليم بمديره في طنجة، فوافق بيار كازلطا، وقال لعمر سليم: “عليك أن تريهم من نحن وماذا نساوي”.
هكذا سيؤسس عمر سليم القسم الرياضي ف “دوزيم”، هو من استقطب كل الأسماء التي ستعرف لاحقا، من بوطبسيل وحسن فاتح وشكري العلوي وغيرهم.
وظل لمدة سنة يتنقل في أسفار مكوكية بالطائرة غالبا ما بين طنجة والدار البيضاء، حيث زاوج بين العمل في القناة الجديدة وإذاعة البحر الأبيض المتوسط.
بعدها أسس عمر سليم قسم الأخبار بالقناة الثانية (1993)، هو أول وجه أطل على المشاهدين يلقي نشرة الأخبار من “دوزيم”، ثم أصبح رئيسا تحرير للنشرة الإخبارية اليومية، قدم خلال تلك الفترة برامج كثيرة ونشط “التيلي طون” مرات، قبل أن يعود إلى طنجة ويغادر القناة الثانية في آخر يوم من أيام سنة 1995.
لقد كان معارا من “ميدي 1” إلى “دوزيم”، وكانت سنة 1996 هي سنة تفويت القناة الثانية إلى القطاع العمومي ونهاية البث المزدوج ما بين الواضح والمرموز. حيث بيعت بدرهم رمزي إلى الدولة.
***
قبل يومين من تعيين نور الدين الصايل على رأس القناة الثانية سنة 2000 ، وصل عمر سليم من جديد من طنجة للعمل في القناة بصفة رسمية، بعد أن أنهى علاقته براديو “ميدي 1”.
وشاهد المغاربة في نشرات الأخبار التلفزيونية نور الدين الصايل يجلس في مكتب العاهل محمد السادس يستقبله يوم التعيين.
جاء نور الدين الصايل بمشروعه وتصوره الخاص لتطوير القناة، من خلال تجربة طويلة راكمها كناقد من أهم نقاد السينما في المغرب والعالم العربي، وكمدير سابق للبرامج في القناة الأولى بالرباط، ومدير للبرامج بالقناة الفرنسية “كنال بلوس”.
هو نفس المشروع والتصور الذي سيلتقي فيه مع صديقه عمر سليم، وكان هناك موظف اسمه مصطفى بنعلي، هو رئيس مصلحة “المشتريات”، ومن يوقع على صفقات اقتناء الأفلام والمسلسلات والبرامج والمباريات الرياضية من الشركات الأجنبية العاملة في المجال. ولما تم الوقوف على مجموعة من الاختلالات والاختلاسات والرشاوى، عمد المدير نور الدين الصايل إلى إبعاد مصطفى بنعلي، الذي هدد برفع دعوى قضائية لدى المحاكم بالطرد التعسفي، فتمت ترضيته بتعويض بلغ 140 مليون.
لم يعان بنعلي أسبوعا واحدا من البطالة، بل خرج من باب قناة عين السبع ليدخل مباشرة باب وزارة الاتصال مستشارا لنبيل بنعبد الله.
حكى لي عمر سليم مرة في إحدى لقاءاتنا وجلساتنا الخاصة، كيف كان الفساد عاثيا في “دوزيم”، اللصوص والفاسدون كانوا يلعبون كالفئران في قبو لا قطط به، كاميرات القناة يتم بها تصوير الأعراس وحفلات الختان وليالي التأبين، ويتم توضيب ما صورته في استوديوهات القناة، ولا رقيب ولا حسيب.
كان نور الدين الصايل ومعه مدير الأخبار والبرامج عمر سليم، يسعيان إلى تطوير “دوزيم” بالعودة بها إلى التخصيص وإخراجها من مراقبة الدولة، حتى نحصل على منبر مستقل ومهني بكل ما تعنيه الكلمة، لكن وزير الاتصال السيد نبيل بنعبد الله كان له رأي مخالف، رأي مستمد من التجربة الفرنسية، رغم اختلاف القياس والمقارنة، ويتمثل في خلق قطب إعلامي كبير تكون القناة الثانية إحدى ركائزه.
ستتم إقالة نور الدين من منصبه، وتعويضه بتكليفه بإدارة المركز السينمائي المغربي، ولا أحد يمكن له أن يوازيه وينافسه على المنصب الجديد.
أما عمر سليم فبدأوا بتهميشه بالتدريج، خصوصا وأن من تولى منصب إدارة القناة هو من تم طرده بالأمس القريب، ومن طرد متهما بالسرقة وبالاختلاس والرشوة، هو مصطفى بنعلي ما غيره، الذي ما أن جلس على كرسي خصمه حتى بدأ في برمجة الانتقام من المحسوبين على الصايل.
***
في ندوة حول الإعلام احتضنها معهد H.E.M بالدار البيضاء، فجر عمر سليم قنبلة كبيرة، حول ما يجري بالقناة الثانية من فضائح، ولم يستثن تقديم حالته نموذجا، حيث يتقاضى راتبا مهما ولديه سيارة وسائق خاص، من دون أن يقوم بأي عمل. قال للحاضرين يومها إن السائق الخاص بانتظاري الآن أمام قاعة المعهد لمن أراد أن يتأكد. وأضاف مستنكرا:
– يحدث هذا الآن في بلد اسمه المغرب..!!
ثم غادر بعدها القناة التي نعت مسيريها بانعدام الكفاءة واللامهنية.
***
نشر عمر سليم روايتين بالفرنسية، الأولى تحمل عنوانا يدل على الوضعية التي تم تهميشه فيها ب”الدوزيم”:
Le Placard- 2004
والثانية بعنوان: La concubine- 2005
ولديه كتب أخرى تنتظر النشر. منها مؤلف نقدي حول القناة الثانية، بعنوان:
C’est quoi ce bidule…livre critique sur la télévision 2M
كما ألف كتابا حول تاريخ المغرب منذ 1920. وآخر عن السياسي امحمد الدويري. وأيضا كتابا عن مهندس مغربي لم يدرس الهندسة وليس له أي دبلوم، من أصول إيطالية هو المهندس بوليتزي، وقد شيد عددا من المباني المهمة في مدينة أغادير.
وكتاب ساخر هجائي عن الوصوليين، بعنوان: “مغامرات بوزعطوط”:
Les aventures de Bouzaatout…satire de l’arrivisme
L’image contient peut-être : 1 personne, assis