الخلاصة التي يتعين الخروج بها من العفو الملكي على الصحافيين الثلاثة
عبد السلام بنعيسي
تم إصدار عفو ملكي عن الصحفيين توفيق بوعشرين، وعمر الراضي، وسليمان الريسوني، وخرجوا من السجن بعد أن أفنوا وراء القضبان وفي برودة الزنازين سنوات طوال من أعمارهم. ابتهج المغاربة بإطلاق سراح هؤلاء الإعلاميين، وباركوا الخطوة التي أقبل عليها الملك محمد السادس حين بادر إلى إصدار عفوٍ عنهم.
لكن لابد من الإقرار بالحقيقة المرة والمتمثلة في أن اعتقالهم، وإصدار أحكام قاسية في حق كل واحد منهم، كان في الأصل قرارا خاطئا. فسواء تعلق الأمر بتوفيق بوعشرين، أوسليمان الريسوني، أو عمر الراضي، فهؤلاء من خيرة الأقلام الصحافية الموجودة في المغرب، كان لديهم قراؤهم والمعجبون بمقالاتهم، وكان الذي يطلع على كتاباتهم يشعر بأنه يتلقى كلاما منطقيا وصادقا، ويعبر عن حاجيات المجتمع وتطلعاته في اقتسام الثروة، والسلطة، ومحاربة الريع والفساد، ويفترض في الدولة ألا تتضايق من مقالات تنحو صوب هذا المنحى، يفترض فيها الترحيب بها وتشجيعها.
إذا كانت المعركة المركزية التي يخوضها المغرب في الظروف الراهنة، هي معركة الحفاظ على وحدته الترابية وعدم التفريط فيها، فإن هؤلاء الصحافيون كانوا في الماضي ولا يزالون إلى اليوم من المدافعين الأشاوس عن هذه الوحدة، وهم يقومون بذلك، انطلاقا من قناعات شخصية راسخة، وليس برغبة في الحصول على امتيازات أو فوائد لذواتهم ولمؤسساتهم الإعلامية، لقد كانوا ينتقدون كل ما يصدر عن الدولة من ممارسات وقرارات تبدو لهم خاطئة، لكنهم عندما يتعلق الأمر بمغربية الصحراء، فإنهم لم يكونوا يساومون في دفاعهم عنها.
فكيف تفرط الدولة في أقلام كفؤة بالزج بهم في السجن، وتحرم الساحة الوطنية من إسهامهم في صون الوحدة الترابية المغربية؟ كيف تقبل الدولة تلويث سمعتها باعتقال صحافيين والحكم عليهم بمدد طويلة لأسباب تبدو غير وجيهة وغير مقنعة، وتضع الدولة بذلك نفسها، في موضع نقدٍ من طرف جميع المنظمات الوطنية والدولية التي تعنى بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير؟
إذا كان إطلاق سراح هؤلاء الصحافيين استوجب إعادة طرح هذه الأسئلة، فإن الموضوعية تقتضي منا القول، إن إصدار العفو الملكي عنهم وإطلاق سراحهم يُشكل خطوة في الاتجاه الصحيح. فأن يأتي القرار المفرح متأخرا خير من ألا يأتي بتاتا. كما ينبغي التأكيد على أن الخطوة التالية يتعين أن تكون إطلاق سراح الزفزافي ورفاقه من نشطاء حراك الريف، والمحامي محمد زيان، وبعض نشطاء جماعة العدل والإحسان الذين لا يزالون رهن الاعتقال. إذا مكث هؤلاء في السجون، سيظل الإفراج عن الصحافيين الثلاثة يبدو للرأي العام الوطني والدولي مبتورا رغم أهميته الراهنة. المطلوب حاليا هو تصفير السجون المغربية من معتقلي الرأي. وهذا من مصلحة الدولة وفيه مصلحة الشعب والأمة.
يتعين إشاعة مزيد من حرية الرأي والتعبير، والتشجيع على نقد وزراء الحكومة، وكل صاحب قرار. على أن يكون النقد طبقا لأخلاقيات الصحافة. الحاكمون المغاربة يفترض فيهم ألا يخافوا ولا يضجروا من النقد والمساءلة والمحاسبة من طرف الصحافة والرأي العام الوطني. هذا التوجه يتعين تزكيته وتكريسه، بالنظر إليه على أساس أنه أمر عادي وطبيعي، وفي خدمة المجتمع، ويساهم في تنميته وتطويره. هذه هي الخلاصة التي يتعين علينا الخروج بها من العفو الملكي على الصحافيين الثلاثة، إن كنا نريد تثمين هذا العفو وإعطاءه بعدا مستقبليا مفيدا، وإلا فإننا سنعيد، لاحقا، إنتاج نفس التصرف، ونظل ندور في حلقة مفرغة.