“ظهر المهراز”.. ميثولوجيا العشق والسياسة والتغيير

محمد امباركي
قراءة في كتاب “ظهر المهراز أرض الحب والأيديولوجيا، ذاكرة الأحلام والأوهام” لعبد العزيز لمسيح ونزار الفراوي
يقع كتاب “ظهر المهراز: أرض الحب والأيديولوجيا، ذاكرة الأحلام والأوهام“للصحفيين عبد العزيز لمسيح ونزار الفراوي في 241 صفحة، وقد صدر في طبعة أنيقة وعالية الجودة.
يضم الكتاب بين دفتيه عدة محاور، تشمل: التقديم، أربعة محاور رئيسية، ثم خاتمة.
ينطلق المحور الأول من استنطاق أبعاد ودلالات المكان وسياق الاحتفاء به، بينما يركّز المحور الثاني على شهادات حية تنبع من تجربة العبور. أما المحور الثالث، فيستدعي شهادات أخرى تُصاغ في هيئة نصوص سردية تتنوع بين الرواية، السيرة الذاتية، والقصيدة الشعرية.
وتتباين هذه النصوص من حيث الشخصيات وأزمنة الميلاد، لكنها تلتقي في كونها كُتبت بعد مسافة زمنية فاصلة عن التجربة المعاشة، ما أضفى عليها طابع الاستحضار، والاعتزاز، وأحيانًا النقد والمراجعة.
في الواقع، يمكن تصنيف هذا الكتاب تصنيفات متعددة؛ فهو في الوقت نفسه وثيقة سوسيولوجية تتناول وقائع وعلاقات اجتماعية، وتسلّط الضوء على الأصول السوسيو-مجالية المتنوعة لشباب يعيشون حياة طلابية صاخبة. كما يُعدّ نصًا أنثروبولوجيًا يستكشف عالماً سوسيو-ثقافيًا تشكّله القيم، والثقافات، والرموز، والطقوس؛ من طقس القراءة إلى طقس العشق والنضال.
ثم إن الكتاب يُمثّل أيضًا شكلًا من أشكال التأريخ، من خلال شهادات ونصوص توثق لمراحل زمنية متعددة؛ شهادات لفاعلين عاشوا تجربة هذا الفضاء، ونصوص سردية كتبها أصحابها عن الفضاء ذاته من زوايا نظر متباينة.
ظهر المهراز : جغرافية المعرفة وتعلم فنون البوح والخطابة
يُعتبَر الكتاب وثيقة مفتوحة على تصنيفات متعددة، لكن، في اعتقادي، الأهم في نهاية المطاف هو كونه نوستالجيا بأبعاد واعية؛ نوستالجيا تسترجع فضاءً سوسيو-تاريخيًا يُمثّل مجتمعًا مصغرًا أفرز ذواتًا، بقدر ما ساهمت هذه الذوات في إنتاجه، على حد تعبير عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين.
هذا البُعد التفاعلي هو ما رفع من قيمة الفضاء إلى مصاف المعلمة التاريخية التي تستحق احترامًا يكاد يرقى إلى درجة التقديس. ظهر المهراز، “القلعة الحمراء”، “المنارة“، كانت ولا تزال بوصلةً لكل العاشقين والعاشقات المتيمين بقيم التحرر، والحب، والعدالة الكونية، كما تقول فاطنة بلعادل (ص 110). لقد كان هذا الفضاء مصنعًا حقيقيًا لتجارب متلاحقة لفاعلين وفاعلات يدينون له بكل ما امتلكوه من رساميل اجتماعية، ثقافية، ورمزية، أهلتهم لخوض غمار الحياة، ومواجهة منعرجات الحراك السوسيو-مهني، والإيديو-سياسي، والرمزي، بكل ما فيه من تشعب وغنى، وذلك بكثير من العناد والإصرار، سواء من داخل البنيات الاجتماعية، السياسية، الإدارية، والأكاديمية، أو من خارجها.
وقد شكّل ما يمكن اعتباره “زواجًا مقدّسًا” بين ظهر المهراز والاتحاد الوطني لطلبة المغرب، أرضًا حبلى بالعطاء في مختلف حقول الفكر والممارسة. فـ “تاريخ ظهر المهراز، في جوهره، هو تاريخ أوطم”، كما يقول عبد العزيز لمسيح (ص 123)، مشيرًا إلى أن هذا التاريخ شكّل مدرسة موازية للتكوين الجامعي، وإطارًا فعليًا لتكوين الطلبة فكريًا، وسياسيًا، وأيديولوجيًا... “تخرّج من هذه المدرسة الفكرية والنضالية أفواج من الكفاءات التي احتلت مواقع أساسية في تنظيمات المجتمع المدني، سواء في المجال الثقافي، أو الحقوقي، أو السياسي، يمينًا ويسارًا”، ويضيف محمد بلمو “لم أكن في بعض الأحيان بحاجة إلى متابعة المحاضرات… المعرفة هناك متاحة في الساحة.”( ص 100). بل إن ساحة ومناقشات ظهر المهراز لم تكن تخلو من أمهات المراجع والكتب في الفكر الماركسي، والاشتراكي، والحداثي، إضافة إلى الأدب والشعر.
ولم يكن من الغريب أن تنتصب رموز هذا الفكر، بكل قوتها الرمزية، لتُصبح جزءًا من هوية المكان ووجدانه: من كارل ماركس، إنجلز، لينين، ألتوسير، بولنتزاس، مهدي عامل، ناصف نصار، حسين مروة، إلى أمل دنقل، محمود درويش، سميح القاسم…
وهكذا، رسم الكتاب هندسة بارعة لفضاء ظهر المهراز، باعتباره فضاءً للإقامة السكنية والمعرفية، ولجدلية العشق والثورة، ولتعلُّم أدبيات البوح والكشف عن المشاعر الدفينة والنائمة .إنه حلبة لتعلُّم قواعد الحديث والمحاورة، والتنافس الفكري، والتراشق الأيديولوجي، عبر طقوس متعددة شكَّل فيها طقس “الحلقة” القلب النابض في ساحة تشبه “الأكورا” الإغريقية. لقد كانت الحلقات الطلابية بمثابة مدرسة موازية من مدارس التعبئة السياسية للطالب المغربي، بل وأداة فعالة في الشحن الأيديولوجي. كما جاء في شهادة عبد المالك أشهبون (ص 57) “كانت وسيلة ناجعة من وسائل الشحن الأيديولوجي .”أما مصطفى اللويزي، فيورد في شهادته (ص 95) “لم أرَ قوة وصعوبة في النقاش أكثر مما رأيته في الجامعة، إذ يجب أن يتوفر المرء على قدر مهم من الاستعداد لكسب المكانة اللازمة كمناقش عمومي.”
ومن المناسب التذكير، أنه بين جدران هذه “المدرسة”، كان يحضر أحد أبنائها، الكتبي حسن الحلوي، المعروف بطول قامته، و”موستاشه”، وبحبوحة صوته. فقد كان يروي عطش الطلبة للمعرفة.
وكما جاء في شهادة نزار الفراوي (ص 229) “مصداقيته وتفانيه في خدمة الكتاب جعلا مجلس قاطني الحي الجامعي يبادر إلى جمع مساهمات سلّمها حسن مقابل تعزيز رصيده الكتبي بعناوين ونسخ تلبي حاجيات الطلبة، وبأسعار شعبية.” ويعزز سعيد بنكراد (ص 176) هذا المعنى بقوله: “شراء الكتب كان هواية، وشغفًا، وحبًّا في المعرفة والسياسة، وسبيلاً يقود إلى الثورة أيضًا.”
بل إن حلقات النقاش، بما كانت تشهده من حرارة في الدفاع عن الأطروحة، وجهة النظر، الأرضية، الورقة… إلخ، كانت تتقاطر خلالها نقاط النظام بأنماطها المتعددة (توجيهية، استفسارية، توضيحية…)، مطالبة المتدخل “المركزي” بإثبات ما يقول، وتوثيق إنتاجه الخطابي، من خلال المرجع ورقم الصفحة.
وهذا معطى يُترجم، من جهة، ثقافة التشبُّع بطقوس القراءة، ويبرز المكانة الاعتبارية للكتاب كمورد رمزي حيوي في التمدرس والكوين والترافع الجماهيري. ومن جهة أخرى، يعكس حرصًا واضحًا على التوثيق، والأمانة الفكرية، والإسناد النظري في التحليل السياسي.
في الأصول السوسيو–مجالية والجيلية لطلبة ظهر المهراز
أما على مستوى أزمنة وأجيال التجربة، والأصول الاجتماعية للطلبة كما وردت في الكتاب، فيمكن تسجيل الملاحظات المركَّزة التالية:
أولا، إن قوة كتاب “ظهر المهراز: أرض الحب والأيديولوجيا” تكمن في كونه شكّل مرآة ناصعة لـ”بيوغرافيات” أو سير ذاتية مفتوحة، تُجسّد تجارب جيلية مختلفة، قادمة من أصول وآفاق اجتماعية متنوّعة، يهيمن فيها الأصل القروي والانتماء إلى الطبقات الشعبية. فكما يقول أحمد قاشا (ص 41): “أنا الوافد من تخوم الأطلس المتوسط، لذي ما فتئ أهله الأمازيغ يرددون قولتهم الشهيرة في حق أهل فاس: ‘اللهم خذ أهل فاس إلى الجنة، وخذنا نحن إلى فاس.” ويؤكد أحمد لمسيح (ص 124): “أغلب المناضلين قادمون من هوامش المدن، ومن أسيجة الحرمان والفقر.”
من هنا، فإن كل الشروط كانت مهيأة لاعتناق ثقافة الرفض والتمرد ضد مختلف أشكال وقيم السلطة. وكان الملاذ الأنسب، والحضن الدافئ لهذا النزوع إلى الممانعة، هو الفكر الماركسي والحداثي، والأغنية الملتزمة. كما ساهم بُعد المسافة الجغرافية عن المجال المحلي الأصلي في إضفاء جرعة زائدة من التطلع إلى الحرية والاستقلالية.
إلا أنه يمكن القول إن الجامعة، في تلك المرحلة، لم تكن حكرًا على أبناء الطبقات الشعبية فقط، بل كانت أيضًا قبلة لشباب من مختلف الأصول الطبقية، بما فيها البورجوازية. بل إن مؤسسات النخبة، كـالمدرسة المحمدية للمهندسين، كانت تفتح أبوابها أمام عدد من أبناء الفقراء المتفوقين دراسيًا، وذلك قبل أن تبدأ موجة تناسل المؤسسات الخاصة، ومدارس الامتياز، والنخبة، في سياقٍ اتّسم بـتسييج التعليم الجامعي ودفعه إلى الانغلاق الاجتماعي، وتكريس منطق خوصصة المدرسة العمومية وتسليعها، وهيمنة المعايير الأكاديمية النخبوية، التي أدت إلى الإقصاء الاجتماعي.
لهذا، ليس من المستغرب أن نلاحظ، في تلك المرحلة، انخراط ما يمكن أن نسميه “الطالب البورجوازي” في الفعل الطلابي والنقابي، في زمن كانت فيه الجامعة تحتل مكانة رمزية في الوعي الجمعي، وتشكل ممراً استراتيجيًا نحو الصعود الاجتماعي. وكما يشير بيير بورديو وجان كلود باسرون في كتابهما “الورثة” (Les Héritiers)، فإن تمثّل التجربة الجامعية يخضع بدوره لمعيار الأصل الاجتماعي.. فالجامعة، وإن مثّلت للبعض فرصة لتسلق السلم الاجتماعي عبر وظيفة تُكتسب مباشرة بعد المرحلة الجامعية، فإنها بالنسبة للبعض الآخر لم تكن سوى مجال لاكتساب التجربة أو الانفصال المؤقت عن الجو الأسري الروتيني.
وقد كانت تجربة ظهر المهراز، بهذا المعنى، فرصة للتحرر المؤقت من قيود الانتماءات الاجتماعية السابقة. وهكذا، ظلّ الطلبة الوافدون من خارج فاس في قلب صناعة الفعل النضالي، وقيادته، وصياغة العلاقات الاجتماعية المتعددة، التي امتدت من الصداقة، وزمالة الصف الأكاديمي، ورفقة الدرب النضالي، إلى العشق… وغيرها. وبالتالي، ظلت هذه التجربة الاجتماعية المركبة مصدرًا أساسيًا، بل أشبه بـالأوكسجين الذي تتنفسه العلاقات الاجتماعية، والذي أتاح لها الحياة والاستمرارية حتى ما بعد المرحلة الجامعية.
ثانيًا، تقودنا قراءة المرجعية الزمنية والجيلية للشهادات والنصوص الواردة في الكتاب إلى استنتاج وجود حضور مكثف لجيل نهاية الستينات وبداية السبعينات (بين 1968 و1975)، أي الجيل الذي عايش صخبًا أيديولوجيًا وتنظيميًا قويًا، تجلى في مؤتمرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أوطم)، خاصة المؤتمر الخامس عشر، وذلك بالتوازي مع فترة سياسية ساخنة في بنية النظام والمجتمع.
ويأتي في المرتبة الثانية جيل ما بعد فشل المؤتمر السابع عشر (ما بين 1981 و1987)، يلي ذلك جيل المقاطعة، أي معركة مقاطعة امتحانات صيف 1989 (بين 1988 و1990)، والذي عُرف بـ”جيل السين” نسبة إلى سيدي علي، انطلق بعدها مسلسل غارات “الإسلام السياسي” على الجامعة، واستهداف الهوية التقدمية والديمقراطية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، مع تكلفة باهظة من استشهادات واعتقالات.
ومع ذلك، تبقى الحلقة الأضعف على المستوى الزمني والجيلي في الكتاب، والقابلة للاستدراك، هي تسليط الضوء على المرحلة السوداء أو مرحلة القمع الأسود بين 1981 و1985. ونفترض أن عدم الاستجابة لطلب الشهادات من الفاعلين في هذه المرحلة قد يكون وراء هذا الحضور غير المتكافئ كرونولوجيا وجيليا.
في الواقع، هي أزمنة اديو-سياسية متعددة هيمن فيهات البراديغم اليساري الجديد عبر تعبيرات مختلفة، وخاصة تنظيم 23 مارس وامتداداته المختلفة، وترد هذه الملاحظة على لسان عبد الصمد بلكبير الذي يقول: ” فاس الطلابية، وخلال المرحلة أعلاه (يقصد 1968-1972، ويعتبرها الأهم في تاريخ ظهر المهراز، ص 189)، كانت وبشكل مطلق وحصري تجربة تنظيم 23 مارس وبقيادته…” (ص 191)، كما أن أغلب الشهادات والنصوص كانت تنهل من هذا المصدر الفكري والتنظيمي والسياسي.
ولكن الأهم أن الكتاب سلط الضوء على متن أدبي وتوثيقي مهم للحياة الطلابية من خلال حقول إبداعية متعددة، مثل الشعر، والرواية، والسيرة الذاتية، والوثائق والأوراق السياسية والتنظيمية. ومن الأمثلة على ذلك، على سبيل الحصر لا للانحصار:
- رواية “رجال ظهر المهراز“ (2007) لأحمد المديني،
- زمن الطلبة والعسكر (سيرة ذاتية 2012) لمحمد العمري،
- كتاب رحلات البحث عن جذور الضباب للباحث والمؤرخ أحمد بوقراب (2019)،
- زهرة العمر (سيرة ذاتية 2021) للعربي مفضال،
- غابة الرياحين.. أيام الحب والألم (سيرة ذاتية 2018) لعبد السلام الرجواني،
- رواية الناجون (2012) للزهرة رميج،
- كتاب رائحة المكان (2021) نص لعبد الإله بلقزيز،
- السيرة الفكرية لسعيد بنكراد تحت عنوان “وتحملني حيرتي وظنوني.. سيرة التكوين“ (2021)،
- قصيدة “ملصقات على جدار ظهر المهراز“ من ديوان الفروسية (1987) لأحمد المجاطي،..
وغيرها من النصوص الفكرية والسياسية والتنظيمية.
النقد الذاتي كثقافة أو التأمل الانعكاسي للتجربة
إن التحليل الذاتي، أو ما يصطلح عليه “النقد الذاتي“، أو ما سمّاه بيير بورديو بـ”الانعكاسية” (la réflexivité)، هو تأمل نقدي في التجربة، إما بعد خوضها أو أثناء ممارستها.
وفي هذا السياق، تكشف أغلب الشهادات والنصوص الواردة في الكتاب عن توليفة مركبة، تجمع من جهة أولى بين الامتنان والاعتراف والاعتزاز وعفوية المشاعر، ومن جهة ثانية بين المساءلة النقدية الصارمة لما جرى. فعلى سبيل المثال، يقول علي بنساعود : “وبصدق، فإن ما كان رائجًا بيننا كطلبة يساريين، كان يجعلنا طلبة حالمين… وكانت المدينة الفاضلة التي كنا نناضل من أجلها على مرمى حجر… لذا كنا نناضل بصدق وإخلاص.” (ص86)
وفي الاتجاه ذاته، تقول لطيفة البوحسيني : “”أريد فقط أن أذكر أن ما عشناه في ظهر المهراز كان في جزء منه نضالًا بالمعنى العاطفي والوجداني، بمسحة رومانسية واضحة، أكثر منه فعلًا سياسيًا عقلانيًا يقيم الاعتبار لميزان القوة.” (ص76)
لكن من جهة أخرى، يطغى على بعض الشهادات منطق النقد والمراجعة، بل وأحيانًا الحسرة تجاه ممارسات أو شعارات كشفت لاحقًا عن بعدها الطوباوي. كما يقول عبد المالك أشهبون : “لكن بعد سنوات خلت، اكتشفنا أن ثورتنا المنتظرة، حتى وإن توفر لها منظرون داخل هذه التنظيمات اليسارية أو تلك، فإن امتدادها الجماهيري كان واهيًا.” (ص60)، ويضيف سعيد بنكراد (ص 176) بلغة نقدية لاذعة للذات الجماعية ” الآن، وبعد كل هذا الزمن، أدرك أن موقفنا لم يكن سليمًا… بوعي اليوم، وحتى بوعي تلك المرحلة أيضًا.” (ص 176)
ومع ذلك، تظل هذه القراءات النقدية لتجربة طلابية صاخبة، حين يُعاد النظر فيها بمنظار حاضر ناضج ومستقل، قراءات نسبية، تعكس من جهة تحولات الحقل السياسي والاجتماعي العام، ومن جهة أخرى تحولات الحقل الجامعي والطلابي، فضلًا عن مسار الحراك الفكري والسوسيو-مهني للفاعلين الذين عاشوا تلك المراحل من موقع رؤى وتجارب متعددة.
على سبيل الختم
حقيقةً، لم تستوفِ هذه القراءة كل مضامين الكتاب الغنية والمتشعبة، لكن يظل عنوان الكتاب المركب تكثيفًا دقيقًا لـميثولوجيا ثلاثية الأضلاع،: العشق، السياسة، والتغيير. وهي ميثولوجيا جسّدتها حيثيات التجارب الواردة بين دفّتيه، لتجعل من ظهر المهراز مختبرًا حقيقيًا للتعلم والمعرفة وفن العيش، وفق منطق داخلي خاص بذلك العالم المصغَّر.
لقد كان ظهر المهراز مدرسةً موازية للتدريب على فنون الصراع الإيديولوجي، وأعراف الحوار والنقد، ومجالًا لتعلُّم قواعد وطقوس العشق والوفاء، كم من طالب أو طالبة غادر بـشهادة جامعية ومشروع زواج أو أسرة، لأن الحب في ظهر المهراز “لم يكن فقط مشاعر ووعودًا وآمالًا، بل كان أيضًا مسؤولية والتزامًا” (علي بنساعود، ص 88)
لقد كان سقف التطلعات عاليًا وممتدًا، وكانت الأحلام كبيرة، تحملها أجساد صغيرة، لكنها واجهت الحياة بـتضحيات جسام، جمعت بين الحرمان من أوكسجين الحرية والحق المقدس في الحياة.