الحرب تمزق استقرار إيران.. وخَضَّات متوقعة في إسرائيل

الحرب تمزق استقرار إيران.. وخَضَّات متوقعة في إسرائيل

د. حسان القطب

           طوال سنوات وإسرائيل تعلن انها بصدد مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وانها تستعد لهذا اليوم، واجرت القوات الإسرائيلية، تدريبات جوية على الطيران لمسافات طويلة والتزود بالوقود في الجو استعدادا لهذا اليوم، لذا لم يكن الهجوم الإسرائيلي على إيران مفاجئاً في إعلانه ومباشرته، بقدر ما كان غير متوقع في طريقة إدارته كما في عمق الخرق الإسرائيلي لقلب المجتمع الإيراني.. لذا نتوقف عند المشاهد والأحداث والوقائع التي عشناها طوال فترة المواجهة وقبل الإعلان عن وقف إطلاق النار غير الواضح المعالم والتفاصيل..

إسرائيلياً

قامت إسرائيل بعمليتها ضد إيران بعد ضرب الأذرع الإيرانية في المنطقة.. مما حرم إيران من القدرة على فتح جبهات إسناد

استطاعت إسرائيل من خلال مخابراتها (الموساد).. خرق الساحة الإيرانية وتشكيل شبكة مخابراتية واسعة النطاق شملت معظم القطاعات العسكرية والصناعية الإيرانية وخاصة تلك المتعلقة بالمشروع النووي والصواريخ الباليستية.. وكذلك المنشآت العسكرية من مخازن ذخيرة ومطارات ومعسكرات ومراكز تحكم وسيطرة..

تمكنت إسرائيل وخلال موجة الغارات الأولى من اغتيال عدد من القيادات الأساسية في الجيش والحرس الثوري، بهدف إضعاف القدرة على السيطرة والتحكم.. كما من اغتيال عدد لا بأس به من العلماء العاملين في القطاع النووي وهو أساس الصراع والهدف المركزي للحرب الإسرائيلية على إيران وكذلك الحوار والتفاوض بين إيران والولايات المتحدة الاميركية ودول أوروبا..

عملت إسرائيل ومنذ انطلاق الحملة الجوية والمخابراتية في إيران على تدمير القدرات الجوية الإيرانية من طائرات، ومطارات، كما من تدمير قوات الدفاع الجوي ومنظومة الدفاع الجوي الصاروخية.. مما جعل سماء إيران مفتوحة للطيران الإسرائيلي الحربي كما الطيران المسير (الدرون).. وخاصة العاصمة طهران..

مارست إسرائيل عمليات اغتيال من خلال العملاء في الداخل، كما بواسطة الطيران المسير.. مستهدفة قيادات عسكرية وخبراء الطاقة النووية..

دمرت القوات الجوية الإسرائيلية مراكز أبحاث وصناعات جوية وعسكرية في مختلف الأراضي الإيرانية، كما قصفت المنشآت النووية الإيرانية..

تعرضت إسرائيل لأكثر من عشرة بالمئة من مجموع الصواريخ التي أطلقتها إيران مما تسبب بخسائر مادية كبيرة..

إيرانياً..

غاب الطيران الإيراني بالكامل عن التصدي للطيران الإسرائيلي الذي استباح السماء الإيرانية،

فقدت إيران قدرتها على الدفاع الجوي الصاروخي بعد تدمير قدراتها الدفاعية بعملية مخابراتية وكذلك بالقصف الجوي..

تمكنت إيران من إطلاق أكثر من 500 صاروخ باليستي بعيد المدى، وأكثر من ألف مسيرة على إسرائيل مستهدفة المدن والمنشآت الإسرائيلية،

لم تتمكن إيران رغم كثافة الدفعات الصاروخية والطيران المسير، من استهداف قيادات عسكرية أو سياسية إسرائيلية وازنة توازي حجم الضربات الإسرائيلية التي استهدفت القيادات الإيرانية،

لم تستطع إيران حشد التأييد الإقليمي والدولي لمواجهة العدوان الإسرائيلي على أراضيها،

البيانات الإيرانية التي سبقت الحرب، والتي كانت تتحدث عن تعاون إيراني – روسي- صيني.. لم نشهد لها تطبيقا أو تفاعلاً حقيقيا.. بل اكتفت هذه الدول بالدعوة للتهدئة وعدم التصعيد، وروسيا قدمت نفسها وسيطاً..

غابت الاذرع الإيرانية في المنطقة عن الانخراط في معركة الدفاع عن طهران ونظام إيران، تماماً كما غابت إيران عن مساندة أذرعها في دول المنطقة خلال تعرضها للعدوان الإسرائيلي..

الخلاصة

إسرائيل كانت تدرك منذ إطلاقها للعملية العسكرية أنها لن تستطيع إنهائها بمفردها بل هي بحاجة للدعم الأميركي، وهذا ما جرى عندما قامت الولايات المتحدة بتدمير المراكز النووية الإيرانية، لتؤكد دورها وحضورها كما لتفرض شروطها أيضا على الطرفين.. مما سمح للرئيس الأميركي ترامب أن يفرض وقفا لإطلاق النار دون توضيحات أو تبيان التفاصيل وطبيعة الشروط التي تمت مناقشتها..

أكدت إسرائيل أنها قادرة على ضرب قلب إيران والتلاعب بالداخل الإيراني وخرق المجتمع الإيراني المتعدد القوميات والاثنيات والأديان والمذاهب، وبالتالي زرع بداية التخطيط لتفكيك دولة إيران إلى دويلات..

خسرت إيران مليارات الدولارات من الاستثمار في صناعة ميليشيات ومجموعات موالية في دول عدة كان يفترض بها أن تقف إلى جانب إيران في معركتها التي كانت متوقعة..؟؟ وهذا المشهد قد يؤدي إلى طرح أسئلة كثيرة على القيادة الإيرانية واهمها من يتحمل فشل الاستراتيجية الإيرانية التي امتدت لعقود، تحت عنوان الولاية للولي الفقيه والسمع والطاعة له، والعمل لخدمة استقرار الجمهورية الإيرانية..

تبين أن الصورة التي رسمتها إيران لنفسها عن قوتها وقدرتها وحضورها العسكرية وتماسك مجتمعها خلف الزعامة الدينية غير واقعية..

كذلك يمكن القول إن دور الجيش الإيراني عاد للواجهة كقوة اساسية لحماية الشعب والنظام والبلاد، بعد غياب طويل، وأن الحرس الثوري غير مؤهل للعب هذا الدور.. وهنا كان مضمون موقف وزير الخارجية الإيراني الذي كان لافتاً عندما شكر الجيش على دوره، ولم يذكر الحرس الثوري.. وهذا يعود بنا الى مخاطر ازدواجية القوى المسلحة والسلاح، وازدواجية القرار السياسي والعسكري..؟؟

أثبتت الولايات المتحدة أنها قادرة على التلاعب بمسار الأحداث الأمنية كما السياسية عندما قصفت المفاعلات النووية الإيرانية، لتؤكد رفضها لوجود المشروع النووي الإيراني، كما في وقف الحرب بين إسرائيل وإيران بقرار اميركي غير واضح المعالم.. وتجلى هذا أيضا في منع إسرائيل من الرد على خرق إيران لوقف اطلاق النار..

بعد هذه الحرب القصيرة نسبياً (12 يوماً).. لا بد أن ننتظر تداعياتها على إيران أولاً وهي البلد المستهدف، والتي تعرضت لخسائر بشرية ومادية كبيرة، كما لخرق أمني غير مسبوق، وبالتالي قد تتعرض لخضات داخلية اعتراضا ورفضاً للسياسات التي تمارسها القيادة الإيرانية الحالية على مدى أكثر من أربعة عقود.. وقد يؤدي الخلل الداخلي إلى تمزق الاستقرار الإيراني وبالتالي انفكاك قوميات وبروز جمهوريات جديدة..

إسرائيل أيضا وبعد هذه الحرب، التي جاءت عقب حروبٍ بعضها لا زال مستمراً خاصة في قطاع غزة، والضفة الغربية، وعلى الجبهة اللبنانية، أصبحت بحاجة لإنتاج قيادة سياسية تنخرط في عملية سلمية تقوم على حل الدولتين التزاما بالقرارت الدولية للابتعاد عن الحروب المتواصلة التي لا يتحملها الكيان، ولا تراها الولايات المتحدة مناسبة وهي التي تتحمل عبء الدعم العسكري والمالي وحتى السياسي والإعلامي لكيان إسرائيل..

إذاً أمامنا مرحلة جديدة من التطورات والأحداث المفصلية التي قد تعيد رسم المحاور السياسية والأمنية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط.. سوف نعيش تفاصيلها نتيجة هذه الحرب..

شارك هذا الموضوع

د. حسان القطب

مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!