مداخل أساسية لفهم المذكرة التنظيمية للشهيد عمر بنجلون (3/1)
اليزيد البركة
المذكرة مركزة جدا، ولا تتضمن المباديء التنظيمية الأساسية، لأنها ليست تكوينية، بل هي موجهة للأطر الساهرة على التنظيم والمفروض فيهم التسلح مسبقا بتلك المباديء. عدد من أعضاء الحزب سابقا في الاتحاد الاشتراكي كانوا يعتقدون بأن المذكرة استنساخ للقواعد التنظيمية لرؤية لينين للشكل التنظيمي البلشفي ، والحقيقة غير ذلك هناك توافق في المباديء التنظيمية التي هي المنطلق لكن هنالك فرق في القواعد التنظيمية. كان الشهيد عمر في أواخر الخمسينات وبداية الستينات ماركسيا أورثوذوكسيا خالصا، ولو كان دبج المذكرة في هذا الوقت بالذات لجاءت مطابقة ومماثلة للرؤية اللينينية، لكن الشهيد من أواسط الستينات فما فوق أصبح متمكنا من الفكر الاشتراكي وواعيا لجوهره. من المباديء الأساسية:
– أولا، ان يكون الشكل التنظيمي لأي حزب ثوري معبرا عن واقع انقسام المجتمع بين الطبقة السائدة والطبقات المضطهدة.
– ثانيا، أن يعبر عن تطلع الطبقة الأكثر ثورية فيه – ثالثا، ان يضمن انفتاحا على طلائع الطبقات المضطهدة الأخرى التي تشكل حليفا للطبقة الأكثر ثورية – رابعا أن تسود الديمقراطية في مراحل صنع القرار والمركزية في تنفيذه. المذكرة التنظيمية للشهيد انطلقت من واقع ان المجتمع في المغرب مجتمع طبقي ولا يمكن اعتبارها متجاوزة الا في حالتين:
الأولى أن يصبح المجتمع بين عشية وضحاها مجتمعا لا طبقيا، الثانية أن يكون الذي يزعم أنها متجاوزة من سليل من كانوا يريدون طمسها من بداية التحضير للمؤتمر الثالث وسأعود لهذه الفترة والوقوف عند مداولات اللجنة التنظيمية التي شكلت برآسة الفقيد محمد الحلوي في أواخر سن1977 ومآل اشغالها. لقد وجد لينين نفسه أمام شكل تنظيمي خرج من الصراع الواقعي للمجتمع الروسي، وجد هناك منظمات موازية قائمة أصلا وأخرى أفرزت فيما بعد: منظمة للعمال الى جانبها تنظيم عمالي للبوند، أخرى للشباب، أخرى للجنود، أخرى فيما بعد للفلاحين الفقراء…
لذا دعا الى الأخذ بقاعدة الخلية من خلال انتماء الفرد لها في أي منظمة من هذه المنظمات الموازية ، بما فيها من كان يضطلع بالصحافة والنشر… أي أن عضوية الحزب تستمد قانونيتها من العضوية في احدى هذه المنظمات.
الشهيد عمر لم ينطلق من هذه الرؤية لأن ما أفرزه الصراع في المجتمع المغربي مخالف. كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يتضمن ثلاثة تيارات اثنان تياران كبيران والأخير كان صغيرا ولكن له دور لا بأس به، الأول النقابة والثاني المقاومة والأخير القادمون من حزب الشورى والاستقلال، لكن هذه التيارات لم تسد فيها المركزية الديمقراطية (هناك من يعتقد ان هذه الأخيرة هي عكس التيارات وهذا خطأ في الفهم التيارات نفسها في حاجة الى المركزية المفرطة كما كانت عليه تلك التيارات الثلاث في الاتحاد الوطني أو الى المركزية الديمقراطية، أو الى الديمقراطية كحقوق بدون واجبات)، وكانت تلك التيارات تأخذ بقاعدة الجماعة التنظيمية التي تضم في آن واحد العامل والصانع والتلميذ والتاجر .. وكان كل القادة الذين يسيرون تلك التيارات يصدرون الأوامر للتنفيذ ويحتمون بها كمن يحتمي سابقا بقبيلته، وللحقيقة فإن من كان لا قبيلة له هو الشهيد المهدي (وقد فصل الفقيد عابد الجابري هذه النقطة بإسهاب)، وعبد الرحيم بوعبيد ومن كان ينتمي لهما أمثال الحبابي، عمر، عبد اللطيف بنجلون وآخرون كثيرون…، وحتى عبد الله إبراهيم احتمى بالنقابة وقبلها في الصراع المكتوم مع المهدي بالمقاومة والنقابة معا للإطاحة بالتقرير المقدم للمؤتمر الثاني للاتحاد، ورغم ان المهدي مؤسس أساسي للنقابة فقد أصبح بدون قبيلة التي سيطرت عليها المقاومة الى حين أن تخلص منهم المحجوب بن الصديق جميعا وفي مقدمتهم الفقيه البصري واليوسفي.