مداخل أساسية لفهم المذكرة التنظيمية للشهيد عمر بنجلون (3/2)

مداخل أساسية لفهم المذكرة التنظيمية للشهيد عمر بنجلون (3/2)

اليزيد البركة

كيف تعامل عمر مع الإرث التاريخي التنظيمي؟

ثلاث قضايا مبدئية في التنظيم، بعيدة عن القواعد التنظيمية، جعلت الشهيد عمر يضرب صفحا عن “الشيما ” التنظيمية اللينينية ما عدا الدور المحوري للأجهزة الوطنية على ما عداه من التنظيمات القطاعية وكذلك الخلية والتي ليست في الحقيقة غريبة عن التاريخ السياسي للمجتمع المغربي، فقد كانت أساسية في تنظيم المقاومة، ولم تتخل عنها إلا مع إنشاء الجامعات المتحدة في 1958 وتبوأ المقاومون مراتب أولى في التنظيم الجديد في كل الأقاليم والمناطق، وأول من بدأ في الاشتغال بالخلايا بالشكل السياسي المتبع بعد ذلك في الحزب هي الشبيبة بعد اعتقالات 1963 وتشميع المقرات الحزبية. أول قضية– ان يكون للعمال داخل الحزب تنظيم خاص به، 

الثانية- ان يكون لهذا التنظيم أدوات وقدرات للرقي بالعمال في وعيهم كطبقة لذاتها وإبعاد كل ما يشتت او يطمس هذا الوعي، الثالثة- ان تكون النقابة ديمقراطية، وان تساند النضال الديمقراطي العام وألا تصبح جزءا من إدارات الدولة

 ليس أسهل للشهيد من أن يأخذ الاتحاد المغربي للشغل والمقاومة كمنظمتين موازيتين للحزب ويحث على النضال على هذا الأساس، خصوصا وأنه وجد أن البطاقة الحزبية كانت واحدة بين النقابة والحزب ب 12 مربعا يوضع على كل مربع تنبر شهري من النقابة بشعارها بقيمة الاشتراك وكان الانتماء لها هو انتماء للحزب أوتوماتيكيا ، كما أن الانتماء للمقاومة تحت قيادة الفقيه البصري هو انتماء أوتوماتيكي للحزب، لكن ادراكه لجوهر الفكر الاشتراكي جعلته يتبين أن المنظمة العمالية الموازية للحزب البلشفي تختلف جذريا عن الاتحاد المغربي للشغل لعدة اعتبارات منها أولا الأخيرة نقابة وليست منظمة حزبية وثالثا وقعت فيها انحرافات عدة حادت بها حتى عن أن تكون نقابة عمالية تناضل من أجل المصالح المادية والمعنوية للطبقة العاملة، وحتى الخبز نفسه الذي ترفع شعاره. وهنا لا يمكن أن نفصل المذكرة التنظيمية عن كتاباته حول النقابة وحول الطبقة العاملة ومنها على الخصوص وليس كلها:

 1 – الطبقة العاملة بعد 12 سنة من الاستقلال

 2- المخطوطة التي اكتشفت بخط يده بعنوان: ” أمراء النزعة الانحرافية العمالية أو انحراف القيادة النقابية المغربية” 

3- عرض حول الطبقة العاملة المغربية للشباب في الرباط قبل اغتياله بشهر تقريبا منشور في جريدة المحرر في آخريناير لسنة 1976  بمناسبة الذكرى الأربعينية وهو عرض بالغ الأهمية في تدقيق الأسس النظرية والسياسية التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار في تنظيم الطبقة العاملة سأسجل هنا بعض الأفكار: 

– ” إن مشكل الطبقة العاملة مطروح بإلحاح على حزبنا وعلى الشبيبة الاتحادية بصفة خاصة، نظرا للدور الذي يمكن أن تلعبه الشبيبة في هذا الميدان ، ميدان تأطير العمال وتعميق وعيهم الطبقي، إننا نؤمن بالدور الطلائعي للطبقة العاملة ولكن في نفس الوقت نرى انها لا تقوم بهذا الدور، ونسجل كذلك انا الى حد الان نواجه عراقيل لحل هذا المشكل، ولم نتمكن بعد من التغيير الفعلي لهذه الوضعية، وكثيرا ما ترون ان المشكل يطرح في صفوف الحزب على انه مشكل نقابي.. بحيث يرى البعض انه بمجرد تأسيس هذا الجهاز سوف تتجند الإرادات والطاقات الكامنة في صفوف الطبقة العاملة لتقوم بدورها النضالي ويتعين علينا من الأول الا نحصر انتباهنا في المشكل النقابي معزولا عن إطاره” .  

 ويضيف – “إن عصرنا الراهن أصبح ضمان انتصار الثورة الوطنية الديمقراطية في بلداننا النامية يتطلب عددا من الشروط لا غنى عنها، وجميعها تعجز البرجوازية عن الوفاء بها بسبب مخاوفها وضعفها ومصالحها الطبقية، ولكن هل يعني هذا ان الدور الوطني للبورجوازية قد انتهى؟ نحن نقول كلا بالطبع فالبورجوازية الوطنية تبقى جزءا من التحالف الوطني المناهض للإمبريالية، ولكن انفرادها بموقع القيادة في حركة التحرر الوطني لم يعد ينسجم مع المتطلبات الموضوعية للثورة الوطنية الديمقراطية، وهذا ما يسمى ببضع كلمات أزمة القيادة البورجوازية لحركة التحرر الوطني العربية ويعني أيضا ببضع كلمات ان تمارس الطبقة العاملة دورها الطليعي في الثورة الوطنية الديمقراطية “. انتهت المقتطفات من العرض. 

  4 – القانون الداخلي للحزب الذي سهر عليه الشهيد والذي اعتمد في 1972وفيه تم تجسيد المذكرة التنظيمية في بنود ومواد تأخذ المركزية الديمقراطية بطابع جدلي يفتح أبوابا للتطور والتوسع التنظيمي وخاصة وسط الطبقة العاملة والشباب.

 5 – رسالته إلى المحجوب بن الصديق بمناسبة اعتقاله من طرف زبانية النقابة وإخضاعه للتعذيب ومن ضمن ما جاء فيها: “.. للمرة الثانية، يتم اختطافي وتعذيبي في أحد الأقبية. الأولى وقعت يوم 20 دجنبر 1961 على الساعة الواحدة والنصف صباحا. كان ذلك بمناسبة الإضراب العام الذي قررته فيدراليتنا الوطنية للبريد، إضرابا كان ناجحا باهرا للاتحاد المغربي للشغل، كما عنونت جريدة “الطليعة”.اختطفت من طرف عصابة خاصة تابعة للسلطة الفيودالية، هذه الأخيرة قررت العملية عندما اقتنعت بأن الإضراب فعلي. وكان لابد لها من مسئول.. وكان لي شرف هذا الاختيار.أقول شرف. لأن قناعتي الراسخة هي أن الطبقة العاملة تشكل الطليعة الطبيعية في الكفاح الفعلي والملموس الذي يجب آن يخاض ضد الفيودالية والبورجوازية والامبريالية”، وهذه المرة، (يقصد هنا في 3يناير 1963 يوم انعقاد الجلسة الافتتاحية لمؤتمر النقابة) لا أستطيع للأسف، أن أتحدث (تماما) عن شرف، فباسم الطبقة العاملة تعرضت في واضحة النهار، للاستفزاز من طرف مسئولين في الاتحاد المغربي للشغل، أمام أنظار حراسه وحياد متواطئ من طرف الشرطة، وتعرضت للضرب واللكم ونقلت إلى قبو، وتعرضت في ظرف 12 ساعة لثلاث حصص من التعذيب تجاوزت وحشيته كثيرا ما تعرضت له في السنة الماضية.

 وبعد  سرد تفاصيل ما تعرض له أورد الدوافع لما تعرض له فيما يلي:

 ” – في الواقع لم يكن حضوري في المؤتمر مرغوبا فيه، لم يكن مرغوبا في حضور البريديين الذين يقدمونهم موجهين من طرفي، لم يكن مرغوبا كذلك في حضور العديد من مناضلي فيدراليات أخرى للاتحاد المغربي للشغل أو بعض الاتحادات المحلية. لم يكن مرغوبا في تواجد هؤلاء لأن هناك تخوفا من طرح وجهة نظر هؤلاء المناضلين الصادقين حول:

 – الدور الطليعي الذي يجب أن تلعبه الطبقة العاملة في حركة التحرير 

– ضرورة ممارسة الديمقراطية الداخلية من أجل الحفاظ وتطوير وحدة الطبقة العاملة على أسس ثورية.

 – خطر التحييد السياسي للطبقة العاملة والتقوقع السيكولوجي والسياسي الذي يحاول البعض إقامته بين الطبقة العاملة وباقي الطبقات الشعبية.

 – الخطر المحدق بوحدة وقوة الاتحاد المغربي للشغل، الخطر الناتج عن بعض الممارسات التي أضعفت كثيرا قتالية النقابات التي أصبحت في بعض الحالات هيئات للمنع الممنهج للإضرابات، أو فقط مجرد هيئات شكلية في خدمة بعض المصالح الشخصية. تعرف جيدا وجهة النظر هذه ومن يدافع عنها لمصلحة الطبقة العاملة والاتحاد المغربي للشغل. لم تحاول أبدا أخذ ذلك بعين الاعتبار على العكس تعتقد أن ذلك موجه ضد شخصك كان لك دائما رد فعل دفاعي قادك إلى التغطية إن لم يكن تشجيع كل الذين كانت مصالحهم وارتباطاتهم تعطيهم كل الأسباب لمحاربة التقدميين”.

 انتهت الفقرات المأخوذة من الرسالة. 

الصراع الطبقي اخترق كل مجالات المجتمع المغربي، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، ولكن الحلقة المفقودة هي ان هذا الصراع يدور بدون وعي الطبقة العاملة لذاتها مما يعني ان كل مآلاته فشل للطبقة العاملة وللفئات المرتبطة بها، ولكنها نجاح لأطياف من البورجوازية الوسطى التي تحصل على مقابل لها للخدمات التي تقدمها وفي نهاية المطاف انتصار ساحق للطبقة السائدة. عدد كبير من المجتمعات النامية قدمت دروسا وعبرا في فشل انتفاضاتها المجتمعية وأخيرا لنتأمل الجزائر وتونس والسودان، الدرس هو ان جذوة الطبقة العاملة في هذه البلدان أخمدت، وكثيرا ما تصل الانتفاضات الى مرحلة ضرورة الإضراب العام والعصيان المدني وتكون النتيجة هي الصمت المريب، لماذا لان الطبقة العاملة ليست طبقة لذاتها. ان الوصاية على العمال من طرف فئات أخرى،  حتى وان كان باسم العمل النقابي وبحسن نية، لهو عمل يؤخر الوعي الطبقي عندهم  كما أن تشتيت مواقعهم  التنظيمية بآليات وتقنيات تنظيمية يؤدي نفس الدور. إن المجتمع الذي لم ينجز بعد مهام الديمقراطية، لا يمكن لأي حزب تقدمي فيه أن يستورد آليات وتقنيات من مجتمع تجسدت فيه الديمقراطية وكلها لا تفيد إلا في الانتخابات وحشد الأصوات، بينما يبقى سؤال التغيير الديمقراطي معلقا في حين ان هذه المجتمعات اللاديمقراطية هي أحوج ما تكون الى الدور الفعال للطبقة العاملة، وكل محاولة لإبعادها عم وعيها هو تحريف مكشوف.

شارك الموضوع

اليزيد البركة

كاتب وصحفي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *