ريان المغربي.. بين التضخيم الاعلامي وعدمية المسؤولية

ريان المغربي.. بين التضخيم الاعلامي وعدمية المسؤولية

د. خالد العزي

لاشك بأن التعاطف العالمي مع قضية الطفل ريان قضية محقة وتستحق الاهتمام من الناحية الإنسانية والشعبية. لقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزة في المغرب والعالم العربي، وحتى العالم بحادث سقوط الطفل المغربي ريان، البالغ من العمر خمس سنوات، في بئر للمياه عمقها 32 متراً، وبقي فيها خمسة أيام، وربما كان ذلك مترافقا مع نزيف وكسور، تجعل من المستحيل بقاء الطفل على قيد الحياة، ولكن الأمل يجعلنا دائما نتوقع المعجزات، ولذلك انتظرنا. بذلت فرق الإنقاذ ما في وسعها للوصول إليه، وتعاطف معه العالم أجمع، وهذا طبيعي، فمن المستحيل على شخص سويّ ألا يتعاطف مع الطفل ريان.

 المشهد برمته قبل خروج ريان وإعلان مصيره كان عاطفيا مؤثرا، ثم تحوّل إلى مشهد تراجيدي حزين. انتهت مأساة الطفل المعلنة سريعا حيث أبكت الجميع ودفعت ملك المغرب محمد السادس إلى تقديم العزاء لوالديه، كما كافة المواطنيين في كافة بقاع الارض، خصوصاً أنه حتى الساعات الأخيرة من عملية الإنقاذ، كانت الأنباء المتواترة من مكان الحادث تفيد بأن الطفل لا يزال على قيد الحياة، وفِرق الإغاثة التي تعمل لانتشاله باتت في الأمتار الأخيرة. 

والأمر المؤلم أكثر أن والدي ريان استطاعا أن يدخلا النفق في الساعات الأخيرة، فيما كان يتداول أنه ما زال على قيد الحياة ولكن الصدمة الكبرى كانت أنه بعد انتشاله، وُجد ريان جثة هامدة متأثراً بجروح بالغة تكبدها إثر وقوعه. 

من حيث المبادئ كانت قضية إنسانية بامتياز وحدت قلوب الجميع حول ماساة ومصير الطفل، بغض النظر عن كونه في المغرب أو في مكان ما، وبالتالي إن اهتمام الدول بحالة الطوارئ بأبنائها وتأمين كل ما يمكن فعله لإنقاذه قضية طبيعية. فالقضية يجب أن تجمع حولها مناصرين في حملاتهم الإعلانية على صفحات التواصل، كمواطنين صحافين. وهذه ميزات التفاعلات الاجتماعية على وسائل التواصل الاجتماعي،  لذا يجب أن يهتم إعلام التواصل الاجتماعي والتلفزيونات العربية والمحلية بها الحدث، لكن الطريقة التي تعامل بها الإعلام كانت طريقة تضخمية استعراضية واضحة في التعامل مع التغطية الإخبارية. 

من هنا لابد لنا من التوقف أمام مفهوم التغطية الاخبارية للمحطات الفضائية التي عملت من الحدث نوع من السباق الإعلامي في قطع البث ومتابعة عملية الانقاذ. إذن تعتمد كفاءة التغطية الإخبارية على الحصول على مادة إخبارية كافية عن الحقائق المتناولة،  بحيث يتم الحصول عليها من خلال المصادر المختلفة مع أهمية التركيز على المعاينة المباشرة، بالإضافة إلى التدقيق في المصادر الحية. ويحصل من خلالها على معلومات جوهرية وإضافية، ويتمثل ذلك في السياق المناسب. مما يتطلب متابعة دقيقة في تحديث المعلومات وليس قطع البرامج والتحول للتغطية المباشرة التي لم نشاهدها في تلفزيونات عالمية، كما حال القنوات العربية التي مارست التضخيم في التعامل مع الخبر الصعب لجهة الحادث المؤلم والمفجع الذي حصل لعائلة ريان.

 لذلك نرى بأن عناصر كفاءة التغطية الإخبارية للمادة الإخبارية الكافية أثناء تغطية الحدث يجب توفير كافة المعلومات والحقائق الجوهرية، بالإضافة إلى التفاصيل المهمة عن الأحداث بحيث تكون مادة إخبارية كافية. وبالتالي فإنَّ المعلومات المستمدة يستعملها المحرر في إظهار وتوضيح الأحداث إخبارياً، مع أهمية التركيز على إقناع الجمهور بصدق القصة الخبرية والمعلومات الواردة في تقارير النشرات، بحيث تزداد فرص الإقناع في حال اتسمت بملاحظات القائم بالتغطية بالعمق، الدلالة والوضوح.

لكن هذه العناصر كانت غائبة مما سببت التباسا في متابعة الأخبار والتي تبلورت في نهاية القصة  التي باتت تطرح الكثير من التساؤلات على الإعلام المواكب للأزمة، الذي لم يستطيع تقديم أي معلومات أو أدلة مقنعة لطبيعة الحدث مما شهادنا بأن رجال الإنقاذ استطاعوا سحب الجثة دون الإعلان عن طبيعتها ووضعها في الاسعاف، وخلال دقائق  كان الإعلان عن الوفاة، مما وضع الإعلام والتغطيات الإخبارية أمام تحدٍ لعدم الاستطاعة بتقديم الأخبار المقنعة والموثوقة في البث المباشر والمقابلات التي أتاحت الهوامش للكثيرين في التحليل والسجال.

فهل كان الاعلام يهرب من مهمته الأساسية بتقديم الخبر بمصداقية وموضوعية وآنية، بل ساهمت التغطية بوضع الدولة أمام تحدي عالمي كبير، لجهة ممارسة الإنقاذ أو كانت تلميعا لوجهة ونر الدولة في تعاملها مع القضايا التنموية، والتي أظهرت فيها نوعا من التقصير الواضح لجهة العناية بالاطفال والمواطنين، وخاصة في المناطق النائية. مع العلم بأن حادثة البئر تكررت في دول كثيرة، مثل الصين واسبانيا وكرواتيا، ودول كثيرة، وكانت العملية الإنقاذية تسير بشكل أكبر وأسرع من الذي سلكته العملية المغربية، ولكن  المفارقة الشاسعة بين قضية ريان المغربي والقضايا الأخرى بأن الإعلام كان يتابع، ولكنه لم يعتبر المساءلة سكوب إعلامي في تغطية مباشرة وميدانية لتجييش الرأي العام العربي والمحلي، طالما الدولة لم تقصر في النجدة. 

إن التضامن بهذا الزخم مع هؤلاء، ويقتصر على أصوات متفرّقة؟

 ربما لأن المسؤول عن تراجيديا ريان هي الطبيعة في كهف الموت الذي شكلته، وكل تفاصيلها جماد لا يستطيع الانتقام منا. لكن المشكلة بوجود سلطات غاشمة تحمي هذا العذاب وهذا الألم، لا بل وتجعله في نظر كثيرين ألماً مقونناً مشروعاً، وهي مستعدّة لجعلك أحد الضحايا الذين تعاطفتَ معهم، أم لأسبابٍ أخرى تكون خلفها دوافع سياسية تجعل الإعلام الذي يقود حالات التضامن هذه يتفاعل مع قضية، ويقفز من فوق أخرى، أو يمرّرها مرور الكرام. والأنكى من ذلك أن يكون السبب هو كمية الربح الذي تدرّه هذه القضية أو تلك على وسيلة الإعلام، فيكون بعضها أكثر حظا في التغطية، بناء على إمكانية التفاعل الأكثر من الجمهور معها، فتحظى بالاهتمام، في حين تكون قضية أخرى أقل إثارة يتم التغاضي عنها أو تجاهلها أو عدم التركيز عليها. فالتغطية التي اعتمدت لا تشكل أساسا يعبر به عن الطبيعة الانسانية لحزن الأمة وتضامنها من هول الحادثة،  لكن القاعدة التي يمكن أن تجمع الأمة يجب أن تحتوي على أساسات اقتصادية وسياسية وثقافية وغيرها، تجعلنا نخرج من حالةٍ ما تحت الدولة إلى حالة المواطنة، والدخول في زمن الحداثة ومواكب العصر والتغيرات التكنولوجية التي تحدث في القرية الكونية لأننا جزءا منها.

 لذا كان على الاعلام أن يفتح التغطية المباشرة انطلاقا من مأساة الطفولة المعذبة لريان وطرح قضية المواطن وعذابات الفقراء في عالمنا العربي.

 السلام لروح ريان، و لباقي المعذبين على هذا الكوكب.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني