ثنائية السلاح والتعطيل والتدمير

ثنائية السلاح والتعطيل والتدمير

فاطمة حوحو

نجحت ثنائية حزب الله ـــ حركة أمل في حصر التمثيل الشيعي بالسلطة اللبنانية بهذين الطرفين مستخدمين بروباغندا “المقاومة” في إحداث شرخ بين اللبنانيين، ومتمترسين خلف سلاح ميليشيا الحزب التي باعت قضية وطنية عامة تهم كل اللبنانيين الى “الحرس الثوري الايراني”، وحاولت على مدى سنوات خداع الرأي العام المحلي والعربي ليتم قبل ان تسقط الاقنعة ويكتشف اللبنانيون ومعهم العالم أن طريق تحرير فلسطين لم يعد يمر عبر لبنان، بل ان خطه البياني الواضح يمر بسوريا والعراق واليمن وليس تهديد العدو الاسرائيلي وإنما تهديد دول الخليج وفرسنة العرب. ومن هنا عملت هذه الثنائية على نبذ الشخصيات الوطنية الشيعية والمعارضين لسياساتها فنالوا منهم عبر الاغتيال والتخوين وكالت لهم اتهامات مضحكة ـــ مبكية بالانتماء الى السفارات. 

الاستقواء على الفئات اللبنانية الاخرى، كان عنوان هذه السياسات التي اتبعها الجانبان المتحالفان، وإن اختلفت الأهداف من وراء هذه السياسة بين هذا الثنائي “حزب الله ـــ وحركة أمل”، فالأول ربط لبنان بالمشاريع الإقليمية لمصلحة إيران متبعاً سياسة ولاية الفقيه ومتسلحاً بقوة السلاح والصواريخ، والثاني يريد الحفاظ على مكتسبات وظيفية وخدماتية حصل عليها في السلطة منذ اتفاق الطائف. 

عمل حزب الله لسنوات طوال على مصادرة المقاومة الوطنية اللبنانية الشاملة، مدعوماً من سوريا وإيران بالطبع، عن طريق منع العمل السياسي للأحزاب المختلفة، وخلق حالة إرهابية تجلت باغتيالات وتهجير واعتقالات في صفوف العلمانيين واستقوى هذا الحزب فيما بعد، على حركة “أمل” التي تراجع دورها في المقاومة أيضاً لمصلحة التسليم للحزب الإلهي، إثر معارك اقليم التفاح في بداية التسعينات، مما همش علاقتها بأهل الجنوب اللبناني. هيمنة قرار “الثنائي” بعد اتفاقهما على تقاسم الأدوار في السلطة بين الأمني والسياسي والخدماتي، أمن لحزب الله السيطرة التامة على القرار اللبناني بعد نجاحه مع حليفه المسيحي في تقاسم الادوار بتعطيل المؤسسات وإحكام الهيمنة على الدولة وضعف معارضة فريق 14 آذار وتشرذم مكوناته، حيث تحول هذا الثنائي ومعه الحليف العوني الى “حصان طروادة” للحليف الإقليمي الإيراني والسوري لزعزعة استقرار لبنان وجعل لبنان رهينة أحلام ايران النووية. 

صورة الواقع الشيعي تغيرت بعد ثورة 17 تشرين رغم اشتداد القمع من اغتيالات اخرها اغتيال الباحث والكاتب لقمان سليم، واستدعاء نشطاء لتأديبهم في مراكز التحقيقات، او الادعاء على البعض بجرم العمالة كما حصل مع شخصيات دينية معارضة لمشاريع حزب الله باقامة دولة الولي الفقيه في لبنان، او حتى تفجير بيروت نتيجة تخزين النبترات لصالح براميل الاسد، وهو ما سيجري اختباره في الانتخابات المنتظرة في ايار المقبل. 

لم يلتزم الثنائي بوصايا الامام موسى الصدر ورئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاسبق الامام محمد شمس الدين، فالاول أعلن عن وصايا وجهها للبنانيين في 16 نيسان من العام 1976 في بيان اكد فيه “إننا نريد لبناناً واحداً أرضاً وشعباً ولا نريد التقسيم وخلق إسرائيليات أخرى. ونريد أن نعيش معاً كمواطنين مسلمين ومسيحيين مهما حصل في الماضي القريب والبعيد. ونريد لبنان عربياً، متفاعلاً مع أشقائه ويتحمل معهم مسؤولياته العربية، ونريد وطناً عصرياً في مستوى أماني المواطنين، وطن العدل وتكافؤ الفرص يتساوى فيه الجميع أمام القانون، ونريد لبناناً لا طائفياً، ودولة معاصرة ونريد أمناً كاملاً، لا سلاحاً ومسلحين، نريد حل الميليشيات، ونريد جيشاً موحداً مزوداً بالكفاءات وبأسلحة متطورة في مستوى الأخطار التي تهدد الوطن. والثاني أوصى الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم وبضرورة الاجتماع اللبناني لبقاء كيان لبنان، والحرص على ضرورة وجود وفاعلية المسيحيين في لبنان, وأوصي الشيعة اللبنانيين بوجه خاص، أن يرفعوا من العمل السياسي، من الفكر السياسي، وبمشروع إلغاء الطائفية السياسية. معربا عن إعتقاده بأن صيغة “الطائف” هي صيغة نموذجية في هذا الشأن. 

لا شك ان كثر من معارضي الثنائية الشيعية في لبنان عملوا منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري على عدم قطع شعرة معاوية بين الشرائح اللبنانية المختلفة، على قاعدة ايمان هؤلاء بالكيان اللبناني وبضرورة فرض سلطة الدولة في الجنوب وغيره من المناطق الحدودية وتعزيز حضور الجيش اللبناني وتطبيق اتفاق الطائف وتوضيح الرؤى لكل الأطراف حول كل الأمور المتعلقة بمستقبل لبنان، لا سيما دور الدولة وإزالة الهواجس التي تتحكم باللبنانيين نتيجة استخدام سلاح “المقاومة” في ساحة الصراع السياسي لتغليب مصالح دول الخارج.

النقاشات في الساحة الشيعية المستقلة لم تفرز حركة معلنة لها برنامج وخارطة عمل أقله امام الاستحقاق الانتخابي الداهم، الا ان المعارضين موجودين في مجموعات الثورة المتعددة ويعملون في اطارها، فسابقا عانت حركة هؤلاء من محاولات اجهاضها من الثنائي الشيعي الذي يرفض أي وجود أو عمل سياسي للشخصيات الرافضة لسلطته في أماكن هيمنته وتعرض قسم منهم الى التهديد والتهجير والقتل أيضا، وقد برع حزب الله في صناعة الخوف وتخويف الطائفة الشيعية جعلها ترتبط بمشروع ايران الاقليمي وتفك رهاناتها على الدولة اللبنانية، وبإعلاء مصالح ايران وتحميل لبنان ما لا طاقة له على احتماله وهذا ما بدا واضحا في الازمات المتلاحقة التي اصيب بها لبنان في السنتين الاخيرتين، فالبعض لا يجرؤ على القول لهذا الحزب كفى فلبنان لم يعد بخير بفعل سياساتك وتحالفاتك وعداء الدول العربية وتغطية الفاسدين وتسلم كل مهام الدولة من قبل مسؤوليكم، ليعم الفساد واللاعدالة والانتقام، حتى من الموالين فهناك ابناء ست وابناء جارية والفقراء الشيعة لا يستفيدون من اي شىء سوى التبعية، فيما المسؤولين في الحزب اصبحوا في عداد الاغنياء من السرقات وانشاء الشركات الوهمية لتبيض الاموال والهيمنة على حركة التصدير والاستيراد وسوق العقارات والتهريب وتجارة المخدرات غيرها. 

على مر سنوات، لم تنجح قوى 14 آذار في تقديم برنامج وطني يفك الاستقطاب المذهبي، بالطبع فإن هذا مسؤولية “حزب الله”، فهو اكتفى بأن يؤمن نوعاً من الحصانة الشيعية حوله ولم يهتم بالإجماع الوطني حول مقاومته التي تحولت الى ميليشيا مجندة للقتال في دول الجوار. والواضح ان السلاح الذي يحمله حزب الله لم يعد سلاحا لمقاومة اسرائيل كما يدعي، فاللبنانيون يدركون اليوم ان أنجح مواجهة مع إسرائيل تكون بوجود الدولة وعبر الجيش اللبناني، وهو سلاح يجب أن يسلم للدولة اللبنانية، ولا يعود له اي سلطة على الأرض، وتغاضى رئيس الجمهورية ميشال عون عن هذا الموضوع وترك السلطتين قائما عبر وجود جيشين على الأرض لم يعد يتقبله اللبنانيون، فهي صيغة غير موجودة في أي بلد في العالم. 

ليس السلاح مشكلة وحيدة، فقد تبين أن “الشيعية السياسية” ذو عقل تعطيلي، ساهمت في تخريب لبنان والمؤسسات، ولم تسمح لاي اصلاحات بالعبور، رغم مطالبة المجتمع الدولي بها لمساعدة لبنان على النهوض وإنقاذه من جحيم الاحتلال الايراني المقنع بلباس فريق قاسم سليماني اللبناني، مما عزز الفساد وتسبب بأهتراء المؤسسات وانهيار الخدمات وارتفاع نسبة الفقراء، فأي قيمة للمقاومة في ظل تدهور الحياة اليومية، وهجرة الشباب من القرى الشيعية كما معظم اللبنانيين بحثا عن حياة وعمل وعيش كريم خارج وطنهم. لا بد من المحاسبة في الانتخابات والبيئة الشيعية بدأت تعي ما حمله اياها مشروع حزب الله التدميري ولا بد ان تثبت ان التغيير ممكن وان حماسهم لانجاز هذا التغيير لا يقل عن حماسة بقية اللبنانيين الذين يعيشيون في الجحيم اليوم ويحترقون فيه، بفعل سياسات ايران وفريقها اللاعب في الساحة اللبنانية.

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

فاطمة حوحو

صحافية وكاتبة لبنانية