هل سيتجاوز نواف سلام كل الكمائن المنصوبة؟

هل سيتجاوز  نواف سلام كل الكمائن المنصوبة؟

أحمد مطر

         انقضت المدة المعقولة لتشكيل أول حكومة في العهد الجديد، ولم يستطع الرئيس المكلف القاضي نواف سلام تشكيلها بالسرعة الموعودة وانهمك في دوامة المطالب والحصص، والهيمنة على الوزارات المفصلية، وأصبح التأخير في ولادتها، عاملا سلبيا، يأكل من رصيد العهد ويفرمل انطلاقته، ويثير تساؤلات واستفسارات عديدة عن الدافع وراء هذه العرقلة والأهداف المتوخاة منها.

برزمة من المعايير ومرونة في التعاطي.. هكذا تسير محركات تأليف الحكومة الجديدة، ومن خلالهما يحاول رئيس الحكومة المكلف القاضي نواف سلام إنجاز تشكيلته التي تحتاج ولادتها إسرائيل بعض الوقت.

يعتبر كثيرون أن هذا التعثر الحاصل في التأليف والذي يمكن إدراجه في المنحى التقليدي للأمور بفعل مطالب الكتل النيابية ليس سليما للواقع الذي يمثله الرئيس المكلف ومن شأنه فرملة التقليعة المتوخاة للفصل الجديد في حال استمرار التعنت.

وتفيد مصادر سياسية مطلعة أن رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون توافق مع الرئيس سلام حول مواصفات مجلس الوزراء وعمل الوزارات الذي يجب أن يشمل لبنان كله، وهناك عبارات صارت تلازم موقفه أمام زواره لجهة رفض المحاصصة أو تناتش الحصص والمهاترات وزواريب الطائفية.

وفي تقدير هذه المصادر أن المعايير التي التزم بها الرئيس المكلف صعَّبت المهمة أمام القوى التي أبدت تمسكاً بعدة أسماء فيما شكا بعض القوى من كثرة مطالب الثنائي الشيعي وحصر وزارات مثل وزارة المال بطائفة محددة والتمسك بعدد من الحقائب دون أية محاولة منها لكسر التقليد، أما التعقيدات الأخرى فليست مستعصية لأن هناك رغبة من هذه الكتل بالمشاركة في الحكومة. كما ترى أن أية تشكيلة لا تتوافق والمواصفات المطلوبة هي انتكاسة لإرادة الداخل وتطلعات الخارج، موضحة أن القاضي سلام لم يكلف ليعتذر والهامش ما يزال مقبول.

ويلاحظ أن من أسباب عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة، إن هناك من يحاول التعويض عن خسارته بانتخابات رئاسة الجمهورية، الإمساك بالحكومة من خلال الاستئثار بالوزارات المهمة، بينما يحاول البعض الآخر التعويض عن خسارته الميدانية، الحصول على حصة وازنة بالمقاعد والحقائب، يستطيع من خلالها المحافظة على الامتيازات المالية والتسليحية خلافا للدستور والقوانين، كما هي، فيما أطراف اخرى تحاول الحصول على حصص بالحد الطبيعي، لتُبقي على توازن مقبول لمصالحها ونفوذها، في التركيبة السياسية القائمة.

وهكذا يستهلك الوقت بلا طائل والوعود والعناوين الواردة في خطاب القسم، تطرح تساؤلات واستفسارات بخصوصها، ولا تجد أجوبة قاطعة ومطمئنة.

هناك من يعتبر أن تشكيل حكومة تقليدية، بالحصص والتسميات المفروضة، كما هو مطروح حاليا، مع امتيازات ملحوظة، بالحصص والحقائب، يعني حكومة مكبلة، لن تستطيع مواكبة تنفيذ وعود خطاب القسم، أو الحد الأدنى منها، وعاجزة عن القيام بالمهمات الجسام الملقاة على عاتقها، إن بخصوص متابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والقرار الدولي رقم 1701، أو إعادة إعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية على لبنان، أو النهوض بلبنان اقتصاديًا واجتماعيًا.

ويبقى أمام الرئيس المكلف إذا استمرت دوامة المطالب فوق العادة، والشروط من هنا وهناك، خيار واحد للخروج من هذا الواقع الجامد، وهو الإقدام على تشكيل حكومة، تتجاوز الصيغة التقليدية المحكى عنها، حكومة غير تقليدية، لا حصص أو تسميات للأحزاب فيها، ويراعى فيها تمثيل المحافظات والمناطق، وليتحمل كل طرف مسؤوليته، ويأخذ الموقف الذي يراه مناسبا، إما بتأييدها ومنح الثقة لها بالمجلس النيابي، أو حجب الثقة عنها.

كما تؤكد تطورات الأوضاع العامة في البلاد ، مدى الحاجة إسرائيل تسريع ولادة الحكومة العتيدة، ومسؤولية الأطراف السياسية والحزبية في تسهيل مهمة الرئيس المكلف، وتجاوز الأساليب النمطية التي كانت سائدة في تأليف الحكومات في السنوات الأخيرة. لأن القواعد التي ينطلق منها العهد الجديد لا تمتُّ إسرائيل فترات الفشل والفساد والمحاصصة بصلة، وتراعي الانسجام مع معايير لجنة الدول الخماسية، التي حددت مواصفات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، في إطار خطة واعدة لإنقاذ لبنان من الأزمات التي أوصلته إسرائيل الإفلاس الحالي، وذلك بمتابعة حثيثة من عواصم الخماسية، وخاصة واشنطن والرياض، لإعادة تكوين السلطة من أصحاب الكفاءات، والبعيدة عن شبهات الفساد، تكون قادرة على إطلاق مسيرة الإنقاذ.

وأصبح واضحاً للداخل، كما للخارج، أن كل تأخير في تظهير الحكومة، من شأنه أن ينعكس سلباً على الوضع العام في البلد، ويستنفد موجة التفاؤل والارتياح التي عمت البلد، بوصول العماد جوزاف عون إسرائيل بعبدا، وتكليف القاضي الدولي نواف سلام بتأليف الحكومة، وما قابلها من ترحيب عربي ودولي، تجلَّى بوضوح من خلال زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لبيروت مؤكداً وقوف المملكة إسرائيل جانب لبنان لمساعدته في مواجهة تحديات المرحلة الراهنة، وكذلك زيارة وزير الخارجية الكويتي عبدالله اليحيا والوفد الخليجي المرافق له، للتهنئة بإنتخاب الرئيس جوزاف عون، والإعلان عن الإستعداد الكامل لدعم المسيرة الإصلاحية في بلد الأرز.

ختامًا إن إستمرار أبطال المنظومة السياسية الميامين في مناورات الكرّ والفرّ، والتشاطر في صراع المحاصصة وتوزيع الحقائب، من شأنه أن يؤدي إسرائيل هدر الفرصة الذهبية النادرة لخروج لبنان من مستنقعات الأزمات المتراكمة، والسير من جديد على طريق الاستقرار والازدهار، واستعادة مكانته المرموقة على خريطة العالم.

إن الإصرار على التعطيل والتأخير للولادة الحكومية على إيقاع التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، والمواجهة الدموية في الجنوب أمس، يعني عودة إسرائيل للعب بالنار، وتعريض البلاد والعباد لمحن جديدة، لا قدرة لأحد على تحمل تداعياتها الكارثية.

مصير البلد يبقى أهم من التناتش على الحقائب الوزارية.

Visited 3 times, 3 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني