لماذا فقد الغرب مصداقيته في حرب غزة؟
إسماعيل طاهري
يكشف الغرب مرة أخرى عن وجهه القاتم البشع بالدفاع الأعمى عن إسرائيل الظالمة. اليوم ينكشف مرة أخرى زيف أسطورة العالم الحر التي يرفعها الغرب. ويخجلنا كوطنيين مواطنين ديمقراطيين أن يتزعم ديمقراطيو الغرب ويساريوهم أطروحة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مع أنها دولة احتلال، وكيان عنصري بمرجعية دينية إرهابية فكرا وعملا. وفي الوقت نفسه، يحرمون على الفلسطينيين حق الدفاع عن أنفسهم وحق تقرير مصيرهم والدفاع عن حقهم في الاستقلال واستعمال السلاح لتحرير أرضهم ويصفونهم بالإرهاب نافين عنهم كونهم حركة تحرر وطني من حقها ذلك بناء على المواثيق الدولية للأمم المتحدة.
ومقولة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” لا يعني سوى حق إسرائيل في إبادةالفلسطينيين وضم أراضيم وتشريدهم، وحرمانهم من حق العودة وبناء دولتهم على أرض أجدادهم منذ آلاف السنين.
من المخجل حقا أن يسقط الديمقراطيون واليساريون في الغرب في لعبة اليمين المتطرف العنصري ويرددون شعاراته بببغائية تزلفا لاستمالة الناخبين.
عوض أن يتدخل الغرب بخيط أبيض بين طرفي الحرب، احتراما لقيم المدنية وحقوق الإنسان التي يدعي أنها من قيمه ومن ثوابته الحضارية.. عوض ذلك، حرك البوارج الحربية وأرسل المال والسلاح والعتاد لإسرائيل، وحتى الاتحاد الاوروبي (الذي يتبع أمريكا ككلب (كانيش) كما وصفه يوما زعيم حزب فرنسا الأبية، المعارض جون لوك ميلونشو، قرر بوقاحة وصلافة وقف المساعدات الأمميةعن الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة والضفة احتجاجا على الفلسطينيين الذين يقاومون الاستعمار والاحتلال. قبل ان يتراجع عن قراره المخجل.
فكيف نفهم “بيان مشترك” عن أهم الدول الأوربية يدين حركة المقاومة حماس ويتعهد صراحة بدعم إسرائيل ماديا وعسكريا.
حتى حلف الناتو أدخل أنفه في الموضوع وهو يعلم أن بلاد فلسطين المحتلة ليست أرضا أوروبية أو أمريكية، وإسرائيل ليست عضوا فيه.
والمشكل الذي لا يفهم هو كيف للضمير الغربي أن يغط في نومه ويستعصي على الاستيقاظ من غفوته والانتباه إلى أنه يفقد كل مصداقيته في التعامل مع كيان محتل إرهابي يعتمد على الدين كمرجعية متطرفة، وعنصرية وأنه بسلوكه هذا يسقط في خطة الصهيونية العالمية التي تعمل من أجل تقريب المسافة ما بين مفهومي اليهودي والصهيوني والمسيحي الإنجيلي إلى حد التطابق، حتى يصبح كل من يعادي جرائم الصهيونية كحركة عنصرية إرهابية، فهو يعادي الدين اليهودي والصهاينة المسيحيين، وهو ما يسهل الإجهاز عليه ووصفه بالإرهابي. وحول الغرب معاداة السامية تختزل في معاداة إسراائيل. والحال أن الفلسطينيين أيضا من الشعوب السامية.
إن هذا المسعى البغيض لمطابقة السامية بإسرائيل يبقى خاسرا في كل الأحوال. فالصهيونية حركة سياسية عنصرية تستغل الدين اليهودي والمسيحية الإنجيلية الأمريكية لتبرير إبادة الشعب الفلسطيني وتشريده وضم أرضه، بوصف الشعب الصهاينة/ اليهود هو شعب الله المختار الذي صار شعبا بلا أرض، فيما الشعب الفلسطيني لا وجود له وفق نظرية (شعب بلا أرض لأرض بلاشعب).
لقد ارتكبت الأمم المتحدة خطا جسيما ومتسرعا بعد اتفاقيات السلام أوسلو / غزة أريحة في 1994، عندما صادقت الجمعية العامة ذاتها على قرار يلغي قرارا سابقا يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية.
لقد حان الوقت اليوم لإعادة النظر في هذا القرار الظالم للشعب الفلسطيني. لكن إسرائيل تراجعت عن اتفاقيات السلام، بل وذهبت إلى سن قانون يقضي بيهودية دولة إسرائيل، وهذا وحده كاف لوصفها بالدولة العنصرية الإرهابية التي تمارس الأبارتايد على الفلسطينيين الباقين في أرض 48، وكذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي حولته إلى كانتون محاصر منذ سنين بدون ماء ولا كهرباء.. وتحول إلى برميل بارود انفجر اليوم في وجه الطغيان الاسرائيلي.
***
إن ما ارتكبه الغرب الإمبريالي من جرائم في حق الشعوب على مدى القرون الخمسة الأخيرة يجعل مصداقيته في الحضيض، وعوض أن يستغل التطور الاقتصادي والعلمي والتكنلوجي لخدمة البشرية والمدنية والسلام لازال متماديا في إنتاج وإعادة أشكال جديدة متحورة من الاستعباد والاستغلال والاستعمار، مما يجعل الشعوب تلجأ مكرهة إلى مقاومته بكل الأشكال المشروعة، وهذا ما يذكي الصراعات والحروب ويجعل العالم يعرف تقلبات وانقلابات جيوسياسية متنامية، ويجعل العالم بعيدا عن السلم والأمان والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات والخيرات، وهذه القيم تحاربها الرأسمالية المتوحشة التي جعلها الغرب عقيدته التي لن يتخلى عنها، ولو أدت ممارساته إلى تدمير العالم بالإبادة أو السلاح النووي الذي سيزداد انتشاره مستقبلا.
للأسف، الغرب الليبرالي الرأسمالي الإمبريالي صار عالة على المدنية وقيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان. لذلك نقول إن الغرب هو صانع الإرهاب، لأن ممارساته وغطرسته هي البيئة الحاضنة لصناعة الإرهاب الديني والنازي والفاشي.