وصايا سناء عكرود

أحمد حبشي
الصمت لا يحد من وقع المواجع، لا صوت يعلو على صرخات ضحايا النوائب والأشجان، تتداعى مظاهر التمييز يلفها هلع الاستسلام ورهبة الامتثال. وقائع تتوالى وضحايا يتزايد استهجانها من تمادي حيف تأطره قوانين وأعراف.
مع انصرام الزمن تفاقمت حدة الوقائع واشتد وقع الاقصاء وتكريس الدونية، فلاحت ارادات تدين الحيف وتصبوا إلى تحقيق توازن مجتمعي بغاية الارتقاء بالعلاقات في كل ابعادها الإنسانية، دون تمييز في الحقوق والواجبات. تعددت صيغ التنديد والدعوات لإقرار التساوي في كل ما تقتضيه الحياة والعيش الكريم، وانصاف ضحايا التميز على أساس النوع، بمبادرات اختلفت في صيغها وأشكال التنديد بكل ما يؤسس لتقعيد الاحتقان وتكريس الازدراء وبكل ما يحقق التوافق والانسجام.
فيلم = الوصايا = لسناء عكرود، يتناول في عرض مستفيض كل جوانب التمييز على قاعدة النوع، صرخة أخرى كشفت بتوثيق الوقائع عن حجم المعاناة وما تقاسيه النساء من حيف يؤطره القانون وتحميه الأعراف. سلوكات تفتقر إلى البعد الإنساني القائم على التكافؤ والتكافل، وكل ما يضمن الحق في العيش المشترك، على قاعدة المساوات والحد من معضلات كل أشكال التمييز القائم على النوع. بالصوت والصورة تنجلي فداحة الازدراء وفظاعة قتل المشاعر الإنسانية، أطفال ضحايا أعراف وجشع في الهيمنة والاستحواذ.
هي عشر وصايا تدعونا سناء إلى تأمل تداعياتها، أطفال ضحايا انفصال حبل المودة بين أزواج في واقع مثقل بما يترتب عن لحظات التساكن وبما تقتضي المروءة في اتخاذ قرار، بعد أن تغلق كل منافذ التواصل لتحقيق المصلحة الفضلى للقاصر والأنثى. هكذا تنتهك حقوق ويتم الازدراء بمخلوقات تفتقد لصفات لا تتماهى وواقع متغير وله خصوصيات. تتعقد الأمور أكثر حين يرتفع إيقاع المواجهة، وتصطف الأعراف وراء القوانين لتكريس ما لا يقود إلى الانصاف وتحقيق العدالة الإنسانية القائمة على المساواة وحماية الأطفال.
كل مشاهد الفيلم ترفع من إيقاع التوتر وتحيل على كل ما يجب القيام به، في مواجهة الحيف والتصدي لكل مظاهر الاحتقار والإدلال. مقابلة العنف النفسي بالعنف المادي، والتشهير بكل من يرعى ويحمي الازدراء وقلة المروءة، في التفاعل مع متغيرات أفرزها واقع مجتمعي في تطور مستمر، اقتحمت من خلاله المرأة مجالات كانت حكرا على الرجال، صارت الكفاءة والتأهيل المادي والمعنوي هما السبيل لاقتحام مدارج الحياة.
الفيلم صرخة أخرى اعتمدت في فضح المسكوت عنه بالصوت والصورة، جردت كل الأعراف من قدسيتها الزائفة، وكشفت المسافة الفاصلة بين الواقع والادعاءات المظللة، وكل ما يكرس سلبيات التمييز على أساس الجنس أو النسب، وما يخلفه من كوارث مجتمعية تحتمي ببنود قانونية لم يعد المجال يتسع لتداولها.
لم تخف سناء انسياق أغلب مكونات المجتمع وراء ما تفرضه الأعراف وتقره القوانين، ضدا على ما يتطلبه العيش الكريم وتستقيم معه النزاهة وسمو الاخلاق، مشاهد صادمة تثير الاستياء، وهو الأمر الذي جعل منها صوتا لا تنقصه الجرأة في تسمية الأشياء بأسمائها. بل فضلا عن ذلك، تحث على المواجهة والتصدي لكل التجاوزات، وممارسة العنف المضاد عند الاقتضاء، وعلى أكثر من مستوى لتسليط الضوء على وقائع وأحداث، تجاوزت في وقعها كل حدود التفاعل الإنساني النبيل، الذي يؤكد قناعتها الراسخة في تقوية صف كل المبادرات الجريئة في الدعوة إلى الانصاف والحد من كل مظاهر الاقصاء والازدراء بالحق في المساواة، فما زال الواقع مثقلا بما لا يستقيم وكرامة الانسان وصيانة حقه في العيش الآمن كمواطن وكإنسان.