الميلود عثماني في كتابين نقديين حول “العوالم التخييلية”

إصدارات:
صدر للناقد المغربي عثماني الميلود، ضمن منشورات مكتبة المدارس للنشر والتوزيع بالدار البيضاء، مؤلفان نقديان: “العوالم التخييلية الهوية والوظيفة” (ج1)؛ و”العوالم التخييلية في روايات إبراهيم الكوني” (ج2). ويشكل هذان الجزءان عملة واحدة بوجهين؛ الأول تنظيري والثاني تطبيقي.
كل ما في الوجود تخييلي، تعود هذه العبارة لواحد من أبرز منظري الدراسات الجمالية بفرنسا جان ماري شايفر. وعنى بها أن مناحي الحياة عبارة عن عملية بناء وتشييد وفق قوانين خاصة وآليات متفردة ومعايير دقيقة. الممارسات التخييلية تصوغ وجه عالمنا سواء أتعلق الأمر بالعوالم الممتدة أو المحاكاة الافتراضية أو الميطافيرس(Metaverse)، وكأنّ، التخييل هو بمثابة إعلان عن استنكار لكل ما هو واقعي. الإشهار يحول رغباتنا وأسس الاقتصاد الرأسمالي افتراضية، وحتى السياسية تحولت إلى “آلة” لرواية القصص مما يجعل من التخييل فعلا اقتحاميا ليومنا وهو ما أسهم في إشاعة الإحساس باختفاء الواقع.
الكتابان معا جزء من الإشكالية وفضاء لوصف واحد من المفاهيم الأشد جرأة وراديكالية وحداثة؛ العوالم التخييلية. من المعلوم أن العوالم التخييلية هي سليلة العوالم الممكنة، شيدت من داخل الأكوان السردية لأغراض أدبية. ينطلق هذا الكتابان، خاصة الجزء الأول، من فرضية مفادها بأن قدرة البنى السردية (الرواية، السينما، الوسائط المتعددة) على بناء عالم تخييلي هو أقصى تعبير عن قوة التخييل في التخلص من الواقع وإرساء عوالم بديلة قريبة من عالمنا الحالي، لكنها تحتكم إلى معايير أجناسية تخييلية مغايرة للأجناس التقريرية والمحاكاتية.
الجزء الأول يتكون من حوالي 160 صفحة، ويعالج من خلال مقدمة وخاتمة وخمسة فصول كل الجوانب النظرية والإشكالية لموضوعة العوالم التخييلية وتياراتها ومرجعياتها والطريقة التي انتقل بها البحث من العوالم الممكنة إلى العوالم التخييلية، أي الخروج من علم دلالة اللاهوت إلى علم دلالة الكيانات التخييلية المختلفة؛ ففي الفصل الأول (العوالم الممكنة: النشأة والإشكالات) تم التعرض لمفهوم العوالم الممكنة ونشأتها وتياراتها والإشكالات التي طرحتها منذ بداية توظيفه. وفي الفصل الثاني (من العوالم الممكنة إلى العوالم التخييلية) تم إيضاح وتفسير كيف تم الخروج من نظرية العوالم الممكنة إلى نظرية العوالم التخييلية عبر أسئلة نوعية وإشكالية. لهذا خصص الفصل الثالث لمشكلة مقولة التخييلية ودورها الكبير في إحداث زلزال في كل القضايا المتصلة بالأدب وأجناسه ومسطرات ومعايير إنشائه. بينما خصص الفصل الرابع لمنظورين مختلفين، أحدهما بنيوي (النص كلعب) والثاني منظور ما بعد-بنيوي (النص كعالم) للتنصيص صراحة على أن الانتقال من الدراسات النصية إلى الدراسات التخييلية هو تعبير “قاس” على التحول الذي أحدثه مفهوم العالم على الدراسات الأدبية والفنية. بينما تم تخصيص الفصل الخامس (الأسلوب في العوالم التخييلية) للحديث عن منهجية متكاملة لمعالجة أهم استراتيجيات العالم التخييلية.
أما الجزء الثاني، الذي يتكون من حوالي 170 صفحة فذو طبيعة أومبريقية تطبيقية، ليس للإطار النظري الذي رسم في الجزء الأول بل انطلاقا من خطاطة شديدة الصلة بطبيعة العوالم التخييلية في الرواية مكونة من مفاهيم مؤطرة وإجرائية.
يتكون هذا الجزء من مقدمة وخاتمة وثلاثة فصول؛ ففي الفصل الأول (طبيعة العوالم التخييلية) تمت معالجة مجموعة من المكونات المعرفية والشخصية واسم العلم ورمزيتها. وفي الفصل الثاني (محتويات العوالم التخييلية) تم الحديث عن جملة عويلمات تشكل بنية العوالم التخييلية في العديد من النصوص السردية شأن العوالم الإبستيمية والميتافيزيقية وعالم الأهواء وعالم الواجب وعالم الرغبات. وفي الفصل الثالث والأخير (الأسلوب في عوالم الكوني التخييلية)، فقد تم الحديث، بالإضافة إلى جملة تصنيفات، عن ثلاثة مفاهيم أساسية لرسم طبيعة العوالم التخييلية في الروايات المدروسة شأن الانتقاء والتوليف النقدي وبنية الكشف الذاتي.
تكمن أهمية هذين الكتابين في أنهما ينطلقان من منظور تداولي موسع ويسعيان لإرساء تجربة مخصوصة في التنظير والتطبيق من أهم سماتها الجدة والمرونة ومواجهة كيانات تخييلية تمارس دينامية خاصة على منظوراتنا ووجودنا وهويتنا.