مشارقة خذلوا حزب المهدي بن بركة.. وسودانيون في صحافة المخزن…

عبد الرحيم التوراني
ذات مرة تلقت الصحفية عائشة مَكِّي، العاملة بمكتب جريدة “لوبينيون” في الدار البيضاء، دعوة من مسؤول التحرير في الرباط، كي تتوجه إلى حي الأحباس بالدار البيضاء، من أجل تغطية نشاط نسائي من تنظيم “منظمة المرأة الاستقلالية” التابعة للحزب.
تابعت مَكِّي الحدث، وأعدت عنه تقريرا لم يكن بمستوى انتظارات المسؤول، الذي بادر بالاتصال بها ليسألها أين غابت لغتها الرشيقة وأسلوبها الحماسي المعهود..؟
وكان الرد، هو التماس الصحفية بأدب لو كان بالإمكان إعفاؤها وعدم الاعتماد عليها في مثل هذه المهام السياسية، مدعية أنها بعيدة عن الشؤون السياسية وأنها لا تفهم فيها جيدا.
ومن يومها تفهم المسؤولون في الجريدة الأمر، فتجنبوا تكليفها بتغطية أي نشاط له صلة بالحزب. خاصة وأنه لم يكن يجمعها بحزب علال الفاسي سوى عملها في صحيفته اليومية. شأنها في ذلك شأن عدد من زملائها الذين مروا بـ”لوبينيون” وبتوأمها “العلم“.
أتذكر أن صحفيين كانوا ضمن هيئة تحرير “العلم” من جنسية غير مغربية، على رأسهم المصري عمر نجيب، مسؤول قسم السياسة الدولية، وهو نجل الدكتور محمد نجيب البهبيتي، أستاذ كرسي الأدب القديم في جامعة محمد الخامس بالرباط. والسوداني طلحة جبريل. واللبنانية هاديا سعيد..
وبـ”لوبينبون” الصحفية البلجيكية، (قبل أن تتمغرب)، ماري تيريز بورو، التي سيقوم مدير الجريدة محمد الإدريسي القيطوني بتعريب اسمها لتصبح “ناديا صلاح” التي نعرفها.
على العكس من ذلك، فيما يتصل بصحافة حزب الاتحاد. لا أعرف من الأسماء غير المغربية التي اشتغلت بـ”التحرير” ثم “المحرر”، سوى اسم برهان صلاح الدين كركوتلي، وهو رسام فلسطيني- سوري، عمل في الستينيات بالقسم الفني والثقافي لجريدة “التحرير”، وله دراسة منشورة عن الفن التشكيلي المغربي. بعد منع “التحرير” هاجر كركوتلي إلى ألمانيا الغربية وعاش في برلين إلى أن توفي بها عن عمر 71 عاما، وكان من أشهر التشكيليين الملتزمين في أعمالهم الفنية بالقضية الفلسطينية. وقد تعرفت عليه وجالسته في بداية التسعينيات في فرانكفورت في أول زيارة قمت بها إلى ألمانيا الغربية.
وعندما وصل الصحفي الفلسطيني محمود معروف، في عام 1980 إلى زنقة الأمير عبد القادر بالدار البيضاء، حيث مكاتب جريدتي “ليبراسيون” و”المحرر”، حاملا معه تزكية من شخصية بعثية من بغداد، حيث تابع معروف دراسته الجامعية. استقبل أولا في الرباط من طرف مدير النشر محمد اليازغي، وهذا الأخير رتب له موعدا في الدار البيضاء مع رئيس التحرير مصطفى القرشاوي، غير أن الاعتذار عن ضمه لفريق “المحرر” كان في انتظاره بأسلوب من التعاطف الشديد والاحترام.
ولعل السبب في عدم قبول غير المغارية للعمل بصحافة الاتحاديين، له صلة قصوى بحادث الخيانة التي تعرض لها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من قبل صحفيين مشارقة، من العراق وسوريا ولبنان، حين تم استقبالهم ضيوفا على المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد المنعقد بمدينة الدار البيضاء، أيام 25-26-27 ماي 1962، حين لجأ البوليس السياسي للضغط على هؤلاء الصحفيين المشارقة للتعاون، وكانوا ثلاثة أو أربعة، وهم من رضخوا وأمدوا مصالح الاستخبارات المغربية بتقارير خاصة ومعطيات داخلية حول مجريات وأجواء المؤتمر، وأبرز شخصياته غير المعروفة. وقد تمت مكافأتهم وتأمين إقامة سياحية لهم في العاصمة الفرنسية قبل عودتهم إلى بلدانهم.
لا أتوفر على معلومات دقيقة تخص ما جرى بهذا الشأن في صحافة الحزب الشيوعي المغربي ووريثه حزب التقدم والاشتراكية، غير أني أعرف أن بعض الصحفيين المنتمين للحزب الشيوعي السوداني، لما وصلوا إلى المغرب في نهاية السبعينيات هاربين من بطش الجنرال جعفر النميري، فكروا في العمل بجريدة “البيان” الشيوعية، غير أن الأستاذ علي يعتة، بعدما استقبلهم بغاية الترحاب والاحترام، اعتذر لهم بسبب ضعف الموارد المادية. لذلك اضطر بعض أؤلئك السودانيين للالتحاق بالعمل في صحافة الحزب الوليد، التجمع الوطني للأحرار، برئاسة أحمد عصمان، صهر الملك الحسن الثاني.
في السنوات الأخيرة من التسعينيات من القرن العشرين كان صحافي سوداني هو من يكتب الافتتاحيات التي تصدر في اليوم نفسه بثلاث أو أربع جرائد من صحف “الأحزاب المخزنية”، أو ما يسمى بـ “الأحزاب الإدارية”، وهو الصديق المرحوم أبو بكر الصديق، الذي كان يعتبر مثل هذا العمل تسلية وتجزية وقت مؤدى عنها.
أبو بكر الشريف الذي أطلق عليه الصحفي والكاتب محمد السعيد الصديقي لقب “السواد الأعظم”، كناية عن البشرة السوداء وطول قامة هذا الشيوعي السابق ذو البنية الضخمة.
أما عقد الثمانينيات وما تلاها، فقد شهد توافد عدد من الصحفيين ورسامي الكاريكاتير والخطاطين ووكلاء إعلانات صحفية، من العراق والأردن وتونس والجزائر وموريتانيا وبلجيكا وفرنسا. أغلبهم احتضنتهم جرائد “الأحزاب اليمينية”، وبعض الصحف والمجلات الفرنكفونية المستقلة.