لبنان: مجلس الأمن يعيد الاعتبارات للقرارات الدولية
أحمد مطر*
مجدداً يدخل الواقع اللبناني بالتناقضات بين أهل السلطة حول إدارة الأزمة الاقتصادية المالية، كما هو ظاهر من السجال في شأن إقرار موازنة 2022 التي تفرض زيادة رسوم عديد من الخدمات العامة وتوحيد سعر صرف الدولار الأميركي من جهة، وفي شأن التحضيرات للانتخابات النيابية في 15 أيار – ماي المقبل التي ما زالت التحالفات فيها غامضة. وبين هذه العناوين، الموازنة والانتخابات النيابية تتزاحم المحطات الناجمة عن الصراع على مواقع السلطة بين القوى المختلفة، ومنها الرغبة الرئاسية بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للاتيان ببديل له يكون من الموالين لفريقه، مقابل رفض رئيسي البرلمان والحكومة ذلك، وتكثر الحملات المتبادلة بين الأفرقاء في شأن المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع المعيشية، وباتت تدخل عنصراً في الحملات الانتخابية، التي تراقبها البعثات الدبلوماسية.
ويتطلع المجتمع الدولي إلى إيجاد سبل مساعدة الجيش والقوى الأمنية اللبنانية على مواجهة تدهور أوضاع العسكريين المعيشية، كي يتمكنوا من مواصلة جهودهم لحفظ الحد الأدنى من الاستقرار وضمان أمن الانتخابات. وفي وقت أعلن فيه أن الموازنة قد أقرت برزت أصوات اعتراضية من قبل وزراء ونواب حزب الله، مرددين القول بأن الموازنة لم تقر حسب الاصول قبل إحالتها إلى البرلمان لمناقشتها وإقرارها، وعلى وقع لقاءات عبر تقنية الفيديو مع صندوق النقد الدولي، الذي يشترط التصديق عليها، لتكون حجر الزاوية في أي اتفاق معه على خطة للنهوض الاقتصادي يقدم مساعدات مالية لتنفيذها، فإن ما يهم الصندوق أن تكون أرقامها متوازنة بين النفقات والواردات، الأمر الذي يتطلب رفع الرسوم، فيما يصعب على القوى السياسية الموافقة عليه قبيل الانتخابات لآثاره السلبية على المرشحين أمام ناخبيهم، بينما تحث الدول الكبرى على إنجاز اتفاق إطار مع الصندوق قبل الانتخابات، خوفاً من أن تحول الخلافات دون تشكيل حكومة جديدة بعدها، ما يؤخر هذا الاتفاق إلى عشرة أشهر، أو سنة على الأقل، تضيع على لبنان إمكان استفادته من ضخ أموال المساعدات في اقتصاده لبدء مسيرة التعافي الطويلة.
هذا من جهة ومن جهة ثانية، وفي انتظار معرفة الرد على الجواب اللبناني عن الورقة الكويتية التي فتحت باب التفاوض والبحث حول معالجة الأزمة بين لبنان وهذه الدول، فإن الاهتمام الدولي بلبنان متعدد الأوجه. وشكلت ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها محور اهتمام الدول المعنية بإدارة شؤونه، جراء الخشية من تأجيلها وإحباط احتمالات التغيير الذي يمكن أن ينتج عنها باعتبارها فرصة لفسح المجال أمام معادلة جديدة تسمح بانطلاقة الحلول للأزمة بأبعادها السياسية والاقتصادية والمالية. والدول الغربية خصوصاً تعير أهمية لانتقال الأكثرية في البرلمان من يد حزب الله وحليفه عون، إلى خليط من القوى السياسية التقليدية المعارضة لهيمنة الحزب على السلطة، ومن ممثلي المجتمع المدني الذين برزوا بعد انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، وهو أمر بدت المراهنة عليه منطقية بسبب تراجع شعبية عون وصهره ووريثه السياسي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل نتيجة تحميلهما في الوسط المسيحي، جزءاً كبيراً من مسؤولية تدهور الأحوال المعيشية للبنانيين. وفي هذا السياق هناك موقف روسي لافت مع العلم ان روسيا شريكة إيران في سوريا والحليفة لكل المعارضين للسياسة الأميركية في المنطقة، وافقت على بيان يدعو إلى سحب سلاح حزب الله وإجراء تحقيق شفاف في انفجار المرفأ وفتح تحقيقات جدية لمعاقبة المعتدين على القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان.
وللمفارقة، فإن روسيا التي لم تصوت على القرار الدولي رقم 1559 الذي نص على الانسحاب السوري من لبنان ونزع سلاح كافة التشكيلات المسلحة، هي نفسها ومن موقع رئاسة مجلس الأمن اليوم، تطرح القرار الدولي إلى جانب قرارات أخرى، كمقدمة لاستقرار لبنان والحفاظ على سيادته، وتسربت معلومات صحفية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعترض لنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي على تصرفات طهران والمجموعات التابعة لها في سوريا خلال زيارة الأخير إلى موسكو.
من هنا، تعتبر المعلومات إن روسيا أرادت أن توصل رسالة من خلال مجلس الأمن، بموافقتها إلى جانب الأميركيين والفرنسيين على القرارات الخاصة بنزع سلاح حزب الله. كما أرادت أن تضع الحكومة اللبنانية أمام مسؤولياتها في معالجة هذا الموضوع.
من المؤكد أن حلبة الصراع بين الأميركيين والروس والإيرانيين هي حالياً في فيينا، فهل المقصود من تبني موسكو بياناً جامعاً ضد حزب الله في لبنان، محاولة للتوصل إلى اتفاق يكون الحزب الخاسر الأكبر فيه، بالتالي تخفيف النفوذ الإيراني في المنطقة، لا سيما في سوريا، بخاصة أن موسكو تعتبر أن لبنان هو الحديقة الخلفية لسوريا والاستقرار فيه ضروري للإبقاء على الاستقرار في سوريا . والتسريبات تعتبر أن الموقف الروسي غير مفاجئ، لا سيما بعد التباين الحاصل بينها وإيران حول الملف السوري. وتكشف أن موسكو اشتكت من ملف تهريب السلاح والصواريخ من سوريا إلى لبنان والحدود السائبة بين البلدين مراراً، وهي ملفات تزعج إسرائيل، بالتالي روسيا. كما تعتبر موسكو أن كل ما يحصل في سوريا وما يفعله حزب الله يتم بدعم مباشر من إيران وبطلب منها.ختاماً السؤال الاساس اليوم هو هل قدر لبنان واللبنانيين ان يبقى هذا البلد صندوقة بريد في الصراعات الاقليمية وللحديث صلة.
* صحفي وكاتب لبناني