الوزير المغربي بين عهدين

الوزير المغربي بين عهدين

عز الدين العلام

ينتظر المغاربة غداة انتهاء كلّ انتخابات تشريعية، وخاصة مع الدستور الجديد، وزرائهم الجدد في الحكومة المقبلة. وكلّهم يترقّبون مدى التغيّر الذي سيطرأ على سلوك الوزير المغربي داخل حكومة يعتبرها الكثير، عن حقّ، وغالبا عن أمل، حكومة منبثقة عن انتخابات يُفترض أنّها تمثّل إرادة الأمة المغربية.   

لقد اعتدنا تحديد مقاييس الدولة الحديثة انطلاقا من درجة المواطنة، أو وضعية حقوق الإنسان، أو عقلنة المشهد الحزبي، أو أولوية الشأن العام… نعم كلّها مقاييس حقيقية تلامس هذا الجانب أو ذاك من مقوّمات الدولة الحديثة. 

غير أنّنا يمكن أن نضيف، والمغرب يعيش ما أسماه الجميع ب”العهد الجديد”، مقياسا آخر لا يقلّ أهمية عن المقاييس المذكورة، ويتعلّق الأمر ب”الوزير المغربي”.  

 يُفترض في هذا “الوزير” أوّلا، أنّ تنصيبه نابع عن إرادة “عامّة” للمواطنين المغاربة الذين اختاروا من يمثّلهم في هيئتهم التشريعية التي عنها تنبثق تشكيلة من سيحكمهم بصفتهم وزراء. وبمثل هذا التنصيب، يُفترض أنّ المغرب قد قطع الصلة مع ماضي ممتدّ لقرون كان فيه الوزير المغربي يُسمّى ويُعفى من طرف السلطان الذي يعود إليه وحده أمر الحُكم ابتداء وانتهاء. والفرق هنا بين الوزير “الحديث” والوزير “السلطاني”، أنّ الأوّل تجسيد لمستوى الحركية الاجتماعية والسياسية، وأنّ الثاني يمثّل رغبة السلطان، إن لم يكن نزوة من نزواته.  ويُفترض في وزير مغرب اليوم ثانيا، أنّه يحمل معه حقيبة تحوي برنامجا عمليا لمعالجة قضايا القطاع الموكول إليه، بل يُفترض فيه رهْن وجوده الوزاري بمدى نجاحه في تحقيق برنامجه. 

ولو صحّ هذا الافتراض، يكون المغرب، مرّة ثانية قد قطع الصلة مع عهد سلطاني كان فيه الوزير يأتمر بأوامر سيّده، ومجرّد امتداد ليد السلطان.   

ويُفترض في الوزير الحالي ثالثا، جرأته على قول “لا” حينما يرى أنّ قول “نعم” يتناقض مع إرادة من كانوا وراء وصوله إلى كرسي الوزارة. كما يُفترض فيه الاستقلالية التي تجعله يرفض رفضا باتا منطق التعليمات، مهما سما مصدرها، ومهما تنوّعت أوجه التدخّل في تدبيره لقطاعه. ولو صحّ هذا الافتراض، يكون المغرب قد قطع الصلة مرّة أخرى بوزير السلطان الذي ينصحه الماوردي في كتابه “قوانين الوزارة”، ناهيك عن كافة أدباء السلاطين المغاربة، بالتزام مبدأ “مسايرة” الحاكم السلطاني في سلوكه ورغباته حتّى لا يقع له ما لا تُحمد عقباه، كما تؤكّد ذلك محن “صحبة السلاطين”، ويفترض في الوزير الحديث رابعا، امتلاك جسده. والمقصود هنا بالامتلاك، تحكّم الوزير فيما يعتمل داخل جسده من حركات وإفرازات فسيولوجية. 

ولو صحّ ذلك، يكون المغرب قد قطع الصلة مرّة أخرى مع الوزير السلطاني ذي الجسد المتوقّف En pause أمام سلطانه. والفارق هنا بين جسد الوزير الحديث وجسد الوزير السلطاني، أنّ الأول يتمتّع بتناغم عملية التفكير مع الحركة الفسيولوجية، محقّقا بذلك استقلالية الجسد، بينما يرهن الوزير السلطاني جسده لمشيئة السلطان، إذ يجاهد في تعطيل كلّ العمليات الهضمية والإفرازية، من نحنحة مفاجئة، أو سهو حادث، أو ما شابه، معلنا موت جسده في الحضرة السلطانية.   

ويُفترض في وزير اليوم خامسا، أنّ وضعيته بين أمرين: من جهة، هناك قانون ومؤسسات يُحتكم إليها، ومن جهة ثانية، هناك رأي عام يُحسب له ألف حساب. ولو صحّت هذه الوضعية، يكون المغرب، مرّة أخرى، قد قطع الصلة مع عهد الوزير السلطاني ذي الوضعية المزدوجة، الجامعة بين سطوته على الرعية وانقياده للراعي. وهي الوضعية التي تجعله في رمش عين يتحوّل من أرنب وديع أمام السلطان إلى أسد مغوار أمام الرعية. والفرق هنا بين الوزيرين، أنّ الأول يهاب إرادة المواطنين وما تنص عليه القوانين، بينما يهاب الثاني وليّ أمره، ولا يرى في الرعية المحكومة غير موضوع لجبروت السلطان.  

 لنقف عند هذا الحدّ، ونختم بالتساؤل التالي: 

هل يكون من حقّ المغاربة أن يأملوا في حكومة مغربية يكون تنصيبها نابعا عن إرادة المواطنين، ويكون وزرائها محمّلين ببرامج تعود لهم لا لغيرهم. وزراء قادرون على قول “لا” حينما يلزم القول كذلك. وزراء أحرار في فكرهم و جسدهم. وزراء لا يحتكمون لغير الإرادة العامة وسلطة القانون

  الجواب رهين الحكومات المقبلة…

Visited 8 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عز الدين العلام

باحث وأكاديمي مغربي