في معنى حضور “البوليزاريو” أشغال القمة الأوربية الإفريقية
عبد السلام بنعيسي
أثارت مشاركة زعيم البوليساريو إبراهيم غالي، في القمة الإفريقية الأوروبية، التي انعقدت مؤخرا ببروكسل، حفيظةَ المغرب، فقرر خفض مستوى وفده المشارك بها، ولم يحضر رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش أشغال القمة، واكتفى المغرب بحضور وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة أعمال القمة المذكورة.
ولاشك أن هذا يوضّح أن المغرب لم يقتنع بالتبرير الذي قُدِّم له من طرف الأوروبيين، حين قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بيتر ستانو: إن الجانب الأوروبي لم يوجه أي دعوة الى جبهة البوليزاريو، موضحا أن الاتحاد الأفريقي هو الذي تولى مسؤولية توجيه الدعوة.
ما يُطلق عليها اسم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، ليست دولة معترف بها من طرف هيئة الأمم المتحدة، وليس معترف بها من طرف الاتحاد المغاربي، ومن طرف الجامعة العربية، ومن طرف منظمة التعاون الإسلامي، ولا تعترف بها أي دولة من الدول الأوروبية التي تحضر أشغال القمة الأوروبية الإفريقية، فهذه “جمهورية” يوجد مقرها في مدينة جزائرية اسمها تندوف، نائية جدا عن المركز، وتوجد في أقصى الجنوب الغربي الجزائري، وتقع على تخوم الحدود المغربية.
فإذن، نحن مع “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، أمام جمهورية في قلب الجمهورية الجزائرية، إنها فوق أرضها وتحت سمائها، وتتعيش من المساعدات التي تحصل عليها من الجزائر، ولولا التبني الجزائري المادي والمعنوي لهذه المسماة جمهورية، لما كان العالم يعرفها أو يسمع بها، إنها صنيعة جزائرية مائة في المائة، ولا تمت بأي صلة للدول كما هي متعارف عليها عالميا، فكيف تقبل الدول الأوروبية، حضور هذه الدولة الفريدة من نوعها، أشغال قمة تجمعها مع الدول الإفريقية؟
أليس هذا هو العبث بعينه؟؟
عوّدتنا أوروبا على القول إنها مركز الكون، ومنها نبعت، وفيها تربت وأينعت العقلانية، وأن دولها تؤمن بالمعطيات المادية والحسية، وتتعاطى في العلاقات الدولية، مع المادي الملموس الذي يقع تحت طائلة القانون الدولي، فكيف تتجرد أوروبا من قيمها التي تعتنقها لتقبل دولُها الجلوسَ على طاولة واحدة مع “دولة” لا تحمل من الدولة إلا الاسم، ومع جمهورية موجودة على الورق، وليس في الواقع، في خرق سافر للمنطق وللقانون؟
حضور الدولة المغربية في القمة الأوروبية الإفريقية يمثل النفي المطلق لما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية، فالمغرب هو الذي، منذ عهد المرابطين إلى فترة الاستعمار حيث تعرض للتقسيم، كانت سلطته ممتدة ومبسوطة تاريخيا على الأقاليم الصحراوية، فلم يسبق لأي دولة، أن وُجدت في تلك المنطقة، وكانت خارج السيادة المغربية.
والمغرب هو الذي عاشت ساكنة الصحراء تقدم البيعة للسلاطين الذين تعاقبوا على حكمه عبر مرِّ العصور.
والمغرب هو الذي تعيش في كنف دولته الحالية الغالبية المطلقة من الساكنة الصحراوية، متمتعة بحقوقها وعلى رأسها المشاركة في الانتخابات البلدية والجماعية والبرلمانية، ترشيحا وتصويتا، وبكامل الحق في التنقل، والإقامة، والعمل، والاستثمار في جميع أنحاء المملكة.. ويحظى أبناء الصحراء المغربية بعناية خاصة من طرف الدولة المغربية التي تضخ في أقاليمهم الجنوبية استثمارات مالية هائلة لتنميتها، وجعلها في مستوى باقي جهات المغرب، وتترك لساكنتها مهمة تسيير شؤونهم العامة بكامل حريتهم وسيادتهم في أراضيهم.
فأن يكون المغرب حاضرا كدولة في القمة الإفريقية والأوروبية، وممثلا لكافة المغاربة، وعلى رأسهم سكان الأقاليم الصحراوية، أمرٌ مفهوم وله ما يبرره، ويسنده في الواقع، وأن تكون الجزائر، أو مصر، أو الغابون، أو جنوب إفريقيا، حاضرةً، فهذا منطقي.. لكن أن تكون ما تسمى بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” حاضرة أيضا، فهذا جنون، فعلى أي أساس توجد هذه الجمهورية المزعومة وكيف تمتلك صفة الدولة، وهي لا تتوفر على أي ميزة من ميزات الدول؟
هل تمثل البوليزاريو ساكنة الأقاليم الصحراوية؟
هل جرى استفتاء للسكان الصحراويين وأقروا فيه أنهم اختاروا البوليزاريو ممثلا لهم؟
هل حصلت البوليزاريو على وكالة حصرية لتمثيل الصحراويين في غياب الصحراويين؟
حسب علمنا لم يقع إجراء أي استفتاء في هذا الشأن. فعلى أي أساس قانوني تتكلم البوليزاريو باسم الصحراويين؟
المغرب قام باسترجاع الصحراء المغربية في إطار القانون الدولي، وبفضل المسيرة الخضراء والمفاوضات المضنية مع المستعمر الإسباني، وعن طريق اتفاقية مدريد التي أخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة علما بها في قرارها الصادر في دجنبر 1975. وبذلك فإن المغرب في أرضه ويمثل ساكنتها، فماذا تمثل البوليزاريو وهي التي يعيش أغلب قادتها في الجزائر، ويأكلون، ويشربون، ويلبسون، ويتعالجون، ويتنقلون، في الداخل وفي الخارج، بالمال الجزائري؟
إنهم أدوات تمثل الرغبة الجزائرية في الهيمنة على المنطقة، لكي تكون الجزائر قوة جهوية ضاربة، كما قال رئيسها عبد المجيد تبون في تصريح له لوسائل إعلامه المحلية، ولا يهم إن تمَّ ذلك على حساب الجيرة والقانون الدولي..
لكن، باستعمال القليل من التفكير والتأمل، يمكن القول إن قبول أوروبا حضور البوليزاريو أشغال القمة الإفريقية الأوروبية، مدروسٌ وله أهدافه المتوخاة منه أوروبيا، فبعد توجيه تهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من طرف القضاء السويسري للجنرال خالد نزار حين كان وزيرا للدفاع في الجزائر أثناء الحرب الأهلية، الاتهام الذي قد يطال، خلال محاكمته، قيادات عسكرية، وأمنية رفيعة جزائرية، وبعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، يبدو أن أوروبا لا تريد للمغرب أن يبدو وكأنه حقق نصرا ميدانيا حاسما على الجزائر في الصراع على الأقاليم الصحراوية. فحضور البوليزاريو يستهدف المغرب، لتحقيق نوع من التوازن في التعامل مع الدولتين، فلكي لا تبدو دولة وكأنها هزمت الأخرى، وتَحسِمَ الصراع لصالحها، ينبغي أن يظل الصراع سائدا بينهما، وتظل معه أموال الدولتين تُستنزف في شراء الأسلحة الباهظة التكاليف، وفي تقديم الرشاوى، بطرق متنوعة، لصانعي القرار في الغرب، وفي استرضاء بعض الدول الإفريقية بالهدايا والاستثمارات فيها، حتى لو كانت استثمارات دون مردودية اقتصادية. ونتيجة لذلك، بات الصراع بين المغرب والجزائر دجاجة تبيض ذهبا، ووسيلة فعالة للتحكم في المنطقة، لأنه إذا تم حلُّه، وتفرغت الدولتان للتنمية، ولتوحيد صفوفهما، فإنهما ستفاوضان الغرب باستقلالية، وبندية، وستتخلصان من سطوته عليهما، وستتصرفان في أموالهما بحرية، وستصبح لديهما، في إطار التعاون المغاربي، إمكانية تحقيق إقلاعهما الاقتصادي، وهذا أمرٌ مرفوض غربيا. وقد يكون في حضور البوليزاريو أشغال القمة الأوروبية الإفريقية رسالةً إلى الولايات المتحدة الأمريكية مفادها، أننا نريد نصيبنا من الثروة الموجودة في الأقاليم الصحراوية، ولا نقبل استفرادا أمريكيا خالصا بها.
حكام أوروبا وأمريكا، وعموم دول العالم المتقدمة، في كل خطوة يُقدِمون عليها، يبحثون على المصالح المادية لشعوبهم، ولا تهمهم القوانين، ولا الأعراف الدولية. القرارات الصادرة عنهم، وعن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن توظف لخدمة مصالحهم الأنانية لا غير. ولذلك لا داعي لتفاخر دولة على دولة، فلا الجزائر حققت انتصارا على المغرب بحضور البوليزاريو أشغال قمة الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، ولا المغرب تفوق على الجزائر باعتراف أمريكا بسيادته على أقاليمه الصحراوية، وبالتطبيع مع إسرائيل. المنطقة باتت ملعبا وساحة للصراع الشرس على ثرواتها بين القوى العظمى في هذا العالم، والنخبة الحاكمة في الدولتين معا، منشغلة، ببعضها البعض، في صراعاتها الدونكيشوتية. بدل اللقاء والتحاور والتفاهم بين قادتها، لفضِّ عوامل الاشتباك والصراع، وإرساء أسس التعاون الثنائي والإقليمي البناء، كما تفعل كل الدول المتجاورة، بدل ذلك، رفعت الدولة الجزائرية شعار القطيعة بيننا، وتبنى رئيسها عبد المجيد تبون المثال الشعبي القائل: “الباب اللي يجيك منو الريح سدو واستريح”.
كان الله في عون الشعبين المغربي والجزائري لكي يقدرا على تحمل ثقل ووزر أفعال وتصرفات هذه النخبة الخائبة التي تتحكم في مصيرهما.