تحايلُ الجامعة العربية لإنتاج توليفة مغربية جزائرية ملغومة
عبد السلام بنعيسي
أقرَّ مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في الاجتماع الوزاري العربي الذي انعقد بالقاهرة الأربعاء الفائت، قرارا، يقضي بالتضامن مع المملكة المغربية في مواجهة ما أسماها “تدخلات النظام الإيراني وحليفه حزب الله في شؤونها الداخلية، خاصة ما يتعلق بتسليح وتدريب عناصر انفصالية تهدد وحدة المغرب الترابية وأمنه واستقراره”. وأكد المجلس أن “هذه الممارسات الخطيرة والمرفوضة تأتي استمرارا لنهج النظام الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار الإقليمي”.
هذا القرارُ المسخرةُ المتخذُ من طرف وزراء الخارجية العرب، يجوز اعتباره بأنه واحدٌ من أغرب القرارات التي اتخذتها الجامعة العربية، فإذا كانت إيران، بمعية حزب الله، تشرف على تسليح تدريب عناصر انفصالية تهدد وحدة المغرب الترابية، فإن قرار المجلس لم يفدنا من أين تمرُّ هذه العناصر القادمة من إيران ومن لبنان محملة بأسلحتها، وكيف تصل بذخيرتها الحربية إلى المغرب، وفي أي جهة منه، تتمكن من تقديم هذه الأسلحة للعناصر الانفصالية؟ وكيف، وأين تدربها على استعمالها، لتبُثَّ من خلالها الفوضى في المغرب، وتتمكن من زعزعة استقراره؟
نحن أمام قرار هلامي، يثير أسئلة عديدة غامضة ولا يقدم أي جوابٍ عنها. خريطة المغرب الجغرافية معروفة، فلدى المغرب حدود برية، مع إسبانيا من شماله، عبر مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، ومع الجزائر من شرقه، فمن أين تأتي العناصر الإيرانية المسلحة لتهديد وحدة المغرب الترابية؟
هل يتعلق الأمر بدولة واحدة من الدولتين المشار إليهما هي المتعاونة مع الإيرانيين ضد المغرب؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فإنه يتعين على الجامعة العربية أن تحدد للرأي العام العربي، بالضبط، من هي هذه الدولة التي تغضُّ الطرف عن الإيرانيين وعناصر من حزب الله للوصول من أراضيها بأسلحتهم إلى حدود المغرب، لتمريرها للانفصاليين الذين يسعون بواسطتها لتهديد أمنه واستقراره؟
هل الدولتان معا، الجزائر وإسبانيا، تُنسِّقان بينهما، وتعملان معا على تسهيل مرور الأسلحة إلى العناصر الانفصالية التي تهدد وحدة المغرب الترابية؟ إذا اعتُبِرَ الأمر كذلك، فلقد كان من الضروري على وزراء خارجية الدول العربية وضع النقاط على الحروف، وتسمية الدولتين اللتين تقومان بهذا العمل المرفوض، ضد دولة عضو في الجامعة العربية، باسميهما ووضعهما أمام مسؤوليتهما السياسية والأخلاقية؟
يصعب على الرأي العام المغربي أين يفهم لماذا لا يتردد المجلس الوزاري للجامعة العربية في ذكر إيران بالاسم، ويتهمها، بوضوح، بما يبدو له بثَّ الفوضى والفتنة في المغرب، ويدين تصرفها هذا، بلا تردد، وبكل صرامة، في حين لا يتجرأ المجلس المذكور على تسمية الجهة، أو الجهات، التي تتعاون مع الدولة الإيرانية في عملية إيصال أسلحتها إلى المناوئين للوحدة الترابية المغربية؟
عندما يتعلق الأمر بالبحرين، والإمارات العربية المتحدة، وبالمملكة العربية السعودية، فإن إشارة الجامعة العربية إلى التدخل الإيراني في شؤون هذه الدول الداخلية، يمكن أن تكون، من حيث الشكل، مفهومةً، فهذه دول توجد من بين ساكنتها طائفة شيعية، وهي دول مجاورة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقد تكون لدى إيران الوسائل لإيصال الأسلحة إلى الدول المذكورة، رغم شكنا الكبير في هذه الرواية.
لكن بخصوص المغرب، فالوضع مختلف كليا، فإيران تبعد آلاف الكلومترات عن المغرب، وأن تصل أسلحة منها إلى الأراضي المغربية، في تجاوزٍ لكل الحدود والحواجز الموجودة في الطريق، ومع الرقابة التي تشتغل على طول الحدود، أمرٌ في غاية الصعوبة، وإذا أُنجز هذا الاختراق لكافة الحدود، ووصلت الأسلحة إلى العناصر الانفصالية، فإن ذلك لن يحصل إلا إذا جرى بالتنسيق مع الدولتين الجارتين للمغرب: إسبانيا والجزائر، أو على الأقل مع واحدة منهما.
إنما الملاحظ هو أن الجامعة العربية تتهم إيران بلغة، لا لبس ولا التواء فيها، ولكن عندما يتعلق الأمر بالطرف الآخر الذي يساعد إيران على إيصال أسلحتها إلى حدود المغرب لتهديد وحدته الترابية، فإن لسان الجامعة يتلعثم، إن لم نقل إنه يصاب بالخرس، وهذا موقف لا يخدم لا المغرب، ولا الجامعة العربية نفسها، لأنها تبدو وكأنها تقول، عما تعتبره تهديدا خارجيا للمغرب، نصف الحقيقة فحسب، وتطوي، تحت السجادة، النصف الآخر.
وغني عن التذكير أن قضيةً جديةَ مثل تهديد الوحدة الترابية لبلد عضو في الجامعة العربية لا تحتمل مسك العصا من الوسط، ولا تحتمل التحدث بغمغمة، وبالإشارات والألغاز، إنها قضية تستدعي الوضوح والمصارحة، لمعالجتها العلاج الناجع والشافي، والانتهاء منها، قصد التفرغ للقضايا الأخرى العالقة على جدول أعمال الجامعة، وما أكثرها…
ثم ما هو المقصود بالوحدة الترابية المغربية من طرف الجامعة العربية؟ باستثناء الأقاليم الصحراوية التي لا تزال محل نزاع بين المغرب والجزائر، فإن باقي أقاليم المملكة الشريفة معترف بها دوليا، فكيف تدين الجامعة العربية إيران باتهامات تهديد الوحدة الترابية المغربية، اتهامات تنفيها طهران جملة وتفصيلا، بينما تسكت الجامعة عما تعتبره الدولة الجزائرية ثابتا من ثوابت سياستها الخارجية، والمتمثل في سعيها فصل الصحراء الغربية عن المغرب، وضرب وحدته الترابية؟
ليس المراد بقولنا السالف إثارة السجال والتراشق بين المغاربة والجزائريين حول هذه القضية، فلكل دولة سياستها المعروفة في هذا الملف، ولكن الهدف هو تبيانُ التناقض الذي تتخبط فيه جامعة الدول العربية في تناولها للموضوع. فإزاء إيران تستنكر الجامعة وتدين ما تصفه بالمساس بالوحدة الترابية المغربية، ومع الجزائر لا تصدر عن الجامعة، ولا كلمة واحدة حول ذات الموضوع، وبمثل هذه المواقف المتناقضة، تضرب الجامعة العربية مصداقيتها بنفسها، وترخي ظلالا من الشك حول القرارات التي تصدر عنها…
الجامعة العربية لا تريد أن تغيظ الجزائر بالإعلان عن عدم موافقتها على عقد قمة عربية في عاصمتها، لا يشارك فيها المغرب، كما أنها أرادت طمأنة المغرب للحضور في مؤتمر القمة المقبل، ولتحقيق هذه الغاية، خرج دهاقنةُ الجامعة بهذه التوليفة الملغومة، التي تدين ما تسميه تسليح إيران لعناصر تعمل من أجل تهديد الوحدة الترابية المغربية.
بطبيعة الحال، الجزائر لا يمكنها الاعتراض على إدانة إيران، لأنها إن فعلت، قد يتسبب ذلك في إلغاء القمة التي تريد عقدها في عاصمتها، والمغرب سيطمئن إلى أن القمة العربية التي تنعقد في الجزائر تؤكد، في غمرة الإعداد لها، على تأييد وحدته الترابية، وهكذا حاولت الجامعة أن تجبر، خاطر المغرب وخاطر الجزائر، بإدانة الدولة الإيرانية، لعقد القمة العربية المقبلة. والله وحده يعلم عما ستُسفِرُ عنه من قراراتٍ، قمةٌ عربيةٌ، تنعقد بهذه الخلفيات، والمناورات الظاهرة والمستترة…