أداء القوى المتفاعلة في حرب أوكرانيا وتداعياتها
حسين قاسم*
تحررت بريطانيا بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي من روتين مؤسساته وتسويات دوله، وذلك منحها حرية الحركة والتفاعل مع الحرب الروسية على أوكرانيا أكثر من غيرها، فقد حصلت حكومتها الراهنة على تأييد من مختلف الكتل البرلمانية والتجمعات السياسية الإنكليزية، ثم تمكنت من جمع حوالي مئة مليار دولار من الأثرياء الروس الذين نهبوا الشعب الروسي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وهي بدورها دعمت الحكومة الأوكرانية بمليار دولار فقط، يا لها من صفقة؟
بينما حررت حرب الرئيس فلاديمير بوتين ألمانيا من التزماتها ومن القيود التي كانت مفروضة عليها في أعقاب الحرب العالمية الثانية. هذه الحرب أيقظت الاتحاد الأوروبي من سباته العميق، لتأتي قمة فرساي ضمن السياق ذاته، لتفرض على قواه الفاعلة خطط وبرامج جديدة، وفي طليعتها إيجاد بدائل عن مواد الطاقة الروسية. ويبدو أن الأداء المدروس والدقيق هو أداء الإدارة الأميركية، فقد أعادت أميركا جمع حلف الناتو تحت قيادتها دون منازع، وتمكنت من تحقيق التفاف أوروبي حولها ومن ثم دولي قلَّ نظيره، وبالتالي هي ستستغل هذا الرصيد في تنافسها مع الصين. والأهم هو أن أميركا تقود هذه المعركة في ميزان ذهب، فهي تقدم دعما قويا وفاعلا لأوكرانيا من جهة، وتحذر بشكل شديد من حرب نووية مع روسيا، حتى أن براغماتيها وصلت حد زيارة وفد أميركي فنزويلا، فلا مانع عندها من فعل أي شيء لتأمين مصالحها ومصالح حلفائها. فأميركا الموفقة بمجموعة “مجانين” عبر التاريخ، تستغل جنون العظمة عند الرئيس الروسي، حيث تغاضت عن اجتياحه لشبه جزيرة القرم، ودخوله للحرب السورية القذرة، مرتكباً أبشع الموبقات بحق الشعب السوري، ومؤخراً قمعه للانتفاضة الشعبية في كازاخستان. مما سهل عليها توريطه في حرب في أكثر المواقع حساسية، في مكان يستفز فيه أوروبا ويُحرج الصين.
إن الصمود الأوكراني المفاجئ والذي فاق توقعات أقوى أجهزة الاستخبارات، لا سيما الأوروبية، ترك بصماته على مجريات الحرب التى تدور رُحاها حالياً فوق الاراضي الاوكرانية، مما سيطيل أمدها طويلاً، ويعمق مأزق النظام الروسي، ويعمق الحفرة التي أوقع نفسه فيها، ويبدأ التخبط وقد بدأ، باستقدام مرتزقة للقتال معه، لكن الأهم بالصمود الأوكراني هو التأسيس لمقاومة أوكرانية عسكرية ومدنية لاستنزاف الجيش الروسي، في حال تمكن من السيطرة على أوكرانيا، بيد أنه بدا واضحاً عمق العداء الذي يكنه الشعب الاوكراني لروسيا، مما يطرح السؤال كيف ستتمكن القوات الروسية من البقاء وسط هذا الجو المعادي، هذا العداء سيتفاقم مع استمرار المعارك والذي سيترافق حكماً مع مجازر ومآسي ستحل بالمدنيين وحياتهم وأرزاقهم، أما عن أداء المتقاتلين فسيأتي بمقال مستقل.