المغرب من أكثر البلدان الإفريقية تضررا من الحرب الأوكرانية

المغرب من أكثر البلدان الإفريقية تضررا من الحرب الأوكرانية

عبد السلام البوسرغيني

كان من الطبيعي أن تشكل الحرب الأوكرانية إحدى أهم مشاغل الدوائر الاقتصادية الدولية، ومن ضمنها الدول العربية، وذلك لما تمثله من مخاطر على الاقتصاد العالمي، نظرا لمكانة روسيا بصفتها مصدرا هاما للطاقة، ولمكانة أوكرانيا بصفتها إحدى أكثر الدول إنتاجا للحبوب الغذائية. 

وسوف لا تقتصر مضاعفات وعواقب الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا بعلاقات الشراكة التي تربط هذين الدولتين بشركائهما، بل ستمتد إلى ما ستسفر عنه العقوبات المفروضة على روسيا من أضرارعلى التعامل مع الدولتين المتحاربتين.

 وإذا كانت ميكانيزمات الإنتاج في الاتحاد الروسي ستظل في مأمن من الآثار المباشرة للحرب، فإن أوكرانيا ستخرج منهوكة من جراء الغزو الروسي، حتى في حالة توقف موسكو عن الذهاب إلى أبعد حد في تحطيم أوكرانيا وتشريد شعبها، وقد يصعب على هذه البلاد، الاحتفاظ بمكانتها كإحدى الدول الأكثر إنتاجا للمواد الغذائية من القمح والحبوب الزيتية، رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز أربعة وأربعين مليون نسمة، أي تقريبا ما يعادل سكان الجزائر التي تستورد الأغلبية الساحقة من المواد الغذائية، إذ تشير الإحصائيات إلى أنها تستورد مثلا نسبة 88 في المأئة من حاجياتها من الحليب. 

لقد بدأ العالم يعاني منذ الأيام الإولى للحرب الأوكرانية من ارتفاع مهول في أسعار الطاقة والحبوب الغذائية، فسعر البترول تجاوز 120 دولارا للبرميل، بعد أن كان قد هبط إلى أربعين دولار، والقمح تضاعف سعره مرتين، وذلك بعد مرور أسبوعين فقط على الغزو الروسي الذي يستمر في اكتساح أوكرانيا وتحطيمها.

 ولقد انتظر المسؤولون المغاربة مرور هذه الفترة كي يعقدوا اجتماعا يوم الخميس عاشر مارس مع المسؤولين في المنظمات المهنية المعنية بالاقتصاد الوطني المغربي، لاستعراض ودراسة الوضع الاقتصادي والمالي للمغرب، على ضوء الحرب الأوكرانية، واستكناه الحلول التي يجب تبنيها لكي يعرف الفاعلون الإقتصاديون كيف يتعاملون مع الوضع الناتج عن تطور هذه الحرب.                               

والواقع أن المغرب لم يكن قد تغلب على مضاعفات وباء كوفيد 19، وبالقدر الذي أتاح له استرجاع جزء هام من عافيته، حتى باغثته الحرب الأوكرانية. 

فحسب الأوساط الرسمية، فإن المغرب كان قد تمكن خلال سنة 2021 من تعويض فجوة الإنتاج المسجلة هبوطا سنة 2020، وترى الأوساط الرسمية المغربية أن الاقتصاد الوطني مدعو لمواجهة تحديات جدية سنة 2022 المرتبطة بالطفرة الدولية في أسعار المواد الخام التي فاقمتها الحرب الأوكرانية.                                                

 وفي الاجتماع الذي عقده المسؤولون يوم عاشر مارس مع الفاعلين الاقتصاديين أعرب وزير الشؤون الخارجية ووزيرة الاقتصاد والمالية عن طمأنة أولئك الفاعلين بخصوص دعم الحكومة وحرصها على مواكبتهم لمواجهة الصعوبات التي قد تنشأ عن هذا الوضع، وتم كذلك إشعارهم بأنه سيتم اتخاذ مزيد من التدابير حسب تطور الأوضاع.        

بيد أنه لم يتم الإعلان عن التدابير التي يجب اتخاذها لمواجهة مضاعفات ارتفاع الأسعار التي أرهقت الفئات ذوي الدخل المتوسط، بله الضعفاء الذين يعانون من تدهور مستوى العيش في كثير من جهات المغرب، مما أدى إلى التظاهر في الشوارع بعدد كثير من المدن.

 وفي اجتماع المسؤولين الحكوميين مع الفاعلين الاقتصاديين لم يتم التطرق إلى تأثير الفئات الضعيفة من ارتفاع الإسعار، واكتفى البلاغ الرسمي الصادر عن الاجتماع بطمأنة هؤلاء الفاعلين. 

يقول البلاغ الصادر بعد الاجتماع: ” إنه بالنظر إلى النتائج الإيجابية التي تحققت في سياق تنفيذ آليات وباء كوفيد 19، تقرر رفع سقف ضمان التمويل الكلاسيكي بزيادة العرض المحتمل للقروض النقدية، وإعادة جدولة قروض الإنعاش لمدة تصل إلى ثلاث سنوات “. ووعدت السلطات المختصة بأنه سيتم اتخاذ مزيد من التدابير مع تطور الوضع، وسيتم الحفاظ على الإطار التشاوري الذي يستفيد من دعم وزارة الشؤون الخارجية.

ومن المعلوم أن المغرب ارتبط بعلاقات تجارية بكلا طرفي الحرب الأوكرانية، تضاعفت خلال الحقبة الأخيرة من السنين الماضية. وحسب إحدى المؤسسات الدراسية الأمريكية، فإن المغرب يستورد من الطرفين 90 في المائة من موارد الطاقة، ونصف حاجياته من الحبوب الغذائية، وسيكون أكثر الدول الإفريقية المتضررة من الحرب الأوكرانية. وقد يكلف المغرب خسارة تتراوح ما بين واحد واثنين من الدخل الوطني الخام هذه السنة، وقد يصل العجز التجاري نتيجة ارتفاع الأسعار إلى ما يعادل نسبة 6,5 من الناتج الوطني، وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي رفع عنها دعم الدولة، كالمحروقات والزيوت. وفي نفس الوقت سترتفع تحملات الدولة بالنسبة للمواد الغذائية المدعمة وكذلك غاز البوطان المرتفع تكاليف استيراده، في انتظار إتمام إجراءات واستغلال احتياطات آبار الغاز المكتشفة في منطقة “تندرارة” الواقعة في منطقة شرق المغرب، محاذية لحدود المغرب مع الجزائر.

 وكما سبق الإعلان عن ذلك، فإن هذه الآبار المكتشفة منذ بضع سنوات، ستنتج ما يقدر بثلاثمائة وخمسين مليون مكعب من الغاز سنويا، وهو ما يعادل تقريبا ما كان المغرب يتزود به  من الغاز الجزائري المنقول إلى إسبانيا عبر الأنبوب الذي يمر على المغرب. ومعلوم أن المسؤولين الجزائريين كانوا قد أعلنوا عن توقيف تصدير الغاز عبر هذا الأنبوب، اعتقادا منهم أن ذلك سيلحق الضرر بالمغرب، وظنوا أن المغرب أو جزء مهم منه على الأقل سيغرق في الظلام بعد توقف محطتين لإنتاج الكهرباءكانتا تتزودان بالغاز الجزائري تقعان شمال وشرق المغرب. والواقع أن الذين ظنوا ذلك أبانوعن جهلهم بما يتمتع به المغرب من حسن التدبيروالحكامة الجيدة لمختلف مرافق الحياة الوطنية.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام البوسرغيني

صحفي وكاتب مغربي