احتفال بالأيام والأسابيع.. تعريف واعتراف بالخروقات والاختلالات؟
مصطفى الساحلي
كم من يوم عالمي نحتفل به تخصص له القنوات والاذاعات والصحف حيزا، ويصرح بكلمات من سياسين ومن أهل الاختصاص، وتضاف إليها أيام أخرى لها علاقة بالدين والمناسبات الوطنية.. وهكذا نجد أمامنا محطات عديدة على مدار أشهر السنة، الغاية منها وفق ما يقال ويفهم إذكاء الوعي بموضوعاتها، تذكيرنا بتاريخ ومبادئ ومواثيق وعهود التزمت بها الحكومات حتى تتماشى مع قرارات الأمم “المتحدة ” بغايات معلنة توصي وتحث على العمل لتطبيق توصيات ومواد وبنود، حسب موضوع اليوم أو الأيام أو الأسابيع..
وبموازاة مع تلك الاحتفالات تمارس الشعوب تفاصيل الحياة البسيطة حد الكفاف، في ظروف معقدة وصعبة مرهقة للناس، الذين يتصارعون في اليقظة والمنام مع حقائق لايرون فيها ما يسمع ويروج له ويوعد ويبشر به في الواقع، مما تمتلئ بها خطب وقرارات وسياسات المنظمات الدولية والحكومات ؟؟ حيث يصير أغلبها سرابا وأوهاما وأحلاما تواكبها مظاهر احتفالية لاتسمن ولاتغني من جوع ونتائجها لا تذكر.
إن من المفارقات الحاضرة أن دول العالم الكبرى التي تسمى رائدة ومتقدمة مازالت تخرق كل تلك المواثيق اليومية والأسبوعية والدورية، وهي تتدخل في شؤون دول أخرى وتبتز مواقفهم وتستغل ثرواتهم وتقف وراء بؤرات التوثر في مختلف بقاع العالم، فمنهم من قاد الحركات الاستعمارية، ومن قمع وتعسف على الشعوب واجتث لغاتهم وثقافاته وهوياتهم، وهجر ورحل رجالهم ونساءهم، كشغيلة استغلت للمساهمة في بناء اقتصادياتهم، ومنهم من مارس ويمارس منطق الإبادة والإقصاء والتهميش والتحكم بالتدخلات السياسية والعسكرية والاقتصادية…، ومنهم من لا يزال مستعمرا بشكل مباشر لأجزاء من أوطان أو لايزال متحكما في سياساتهم.. ومنهم من تسبب في بلقنة افريقيا والشرق الاوسط وآسيا و…، ومنهم من يشعل يغذي الفتن والصراعات والكراهية بين دول وشعوب، إنهم عشاق الكيل بمكيالين يستنزفون ثروات دول وشعوب وأفراد لتنمية دولهم واقتصادهم ومالية شركاتهم ومقاولاتهم وأثريائهم، ويتحكمون في الأسواق وفي سرعة التنمية مما يضمن استمرار هيمنتهم، وفرض شروطهم المجحفة على الدول والشعوب.. وتلك هي أيامهم الحقيقية التي تختفي وراء الأيام الأممية الاستهلاكية..
لنا أن نتساءل وأن نناضل من أجل أن تكون المواثيق التي نتوافق عليها ونقرها جميعا بالأمم المتحدة والمنظمات التي تعنى بشؤون البشرية والأرض حقيقة ميدانية تتجلى آثارها ونتائجها بالمثل في كل دول العالم..
فلا معنى لتنظيم أيام تهم الفقر، المرأة، الضمير، العيش في سلام، العدالة الاجتماعية، حقوق الانسان، اليوم الدولي للمساواة في الأجر… إلخ…
وثروات الدول الضعيفة والمتخلفة، وحتى السائرة في طريق النمو، تبتز من دول متحكمة في أزمنة السلم والحرب والأوبئة والرخاء!!، وطرق نموها تحاصر وتمارس عليها الوصاية والتضييق و…
إن العالم يعيش ازدواجية وفصاما في الشخصية السياسية الدولية بشكل حاد حيث تتعطل كل شعارات ومبادئ وفلسفات تلك الأيام المخصصة للاحتفاء في مناطق تحكمهم الاقتصادي والسياسي بمختلف القارات. فمرة ينظرون ويحتفلون بحماسة منقطعة النظير للدفاع والترويج لمبادئ يوم من الأيام، ومرات هم من يخرق ويناقض كل الأهداف المنصوص عليها في المواثيق الدولية..
أما إذا أضفنا كدول إسلامية وعربية فهمنا ولمساتنا وتأويلاتنا الخاصة لكل تلك الأيام استنادا للسياسات المنزلة في الواقع، وتعدد مرجعيات كل تلك المبادى، واستحضرنا الأيام التي يحتفل بها عندنا وغير مدرجة في فهرسة أيام الأمم المتحدة، وبحثنا عن الحصيلة والنتائج، لوجدنا واقعنا لايرتفع رغم التغيرات الشكلية التي تحصل، ورغم بعض المجودات والبرامج التي تبقى جزئية واستثنائية، تصبح متجاوزة وغير ذات جدوى في زمن قياسي..
إننا لم تنفع معنا لا المواعظ ولا خطب الجمعات، ولا كل الأيام ذات الدلالات الكبيرة التي عرفتها البشرية ووثقها الكتب السماوية، ومنها القرآن، وأوضحت الأحاديث الصحيحة فلسفتها وغاياتها والحكمة منها، وكذلك الشأن مع أيام الامم المتحدة وغير المتحدة..
جميل ومهم جدا أن نحتفل والأجمل أن يكون الاحتفال حقيقيا عند الشعوب والدول والأمم..
ورغم كل هذا نقول إيمانا واقتناعا أن المرأة لها كل أيام السنة ومعها زوجها وأبناؤها وبناتها، أي كل شعوب العالم ليستفيدوا ويعيشوا جميعا في أوطان وبالأرض معززين مكرمين متعاونين، لافرق بين رجل وامراة، ولا أمة وأخرى، ولا دولة وأخرى..
وليكونوا أمما متحدة حقيقة وصدقا، وعملا وتعاونا، وتكاملا يقوي بعضهم بعضا..
تارودانت : 10 مارس 2022.