صحراويو حزب بوديموس
جمال الدين مشبال *
نشر الأمين العام السابق لحزب بديموس الإسباني، السيد بابلو اجليسياس، مقالاً بتاريخ 19 مارس (2022) تحت عنوان “سانشيز والصحراويون وبديموس”. يصيب القارئ بالذهول والاستغراب – ولا سِيَما العارف بقضية الصحراء الإسبانية سابقاً المغربية حالياً – الأمرُ الذي يستوجِب التوضيح والتعليق والرد..
أولا عندما يشير بابلو إغليسياس إلى “الصحراويين” في عنوان المقال فإنه يقصد في الحقيقة وفي الواقع – ودون أن يفصح عن ذلك – البوليساريو وليس إلى غالبية الصحراويين الذين يعيشون في ديارهم بالصحراء في حرية وكرامة وممارسة كاملة لحقوقهم الديمقراطية. إنه يشير إلى “الصحراويين” في تندوف، الذين يوجدون تحت وصاية وحكم العسكر الجزائري. إنهم “الصحراويون” الّذين لا أحد يعرف عددهم ولا إن كانوا جميعًا ينتمون للصحراء الإسبانية السابقة المغربية اليوم. فالأمم المتحدة منذ سنوات تريد إجراء احصاء للساكنة بمخيمات تندوف، لكن الجزائر ترفض بإصرار وتعنت. فعددهم اليوم لغز وانتسابهم القبلي سر، ولا يعرف هذا ولا ذاك إلا النظام العسكري بالجزائر..
ثانياً، فيما يتعلق بمحتوى المقال، يتهم الكاتب رئيسَ الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بكونه وَجَّهَ “طعنة قوية لِحَق الصحراويين في الحرية من خلال ممارسة حق تقرير المصير، وهو حق اعترفت به الأمم المتحدة في 29 أبريل / نيسان 1991 في القرار. 690”.
إن وصْفَ بابلو أيكليسياس لقرار بيدرو سانشيز بأنها “طعنة قوية في حق الصحراويين” المساكين والمغدورين الذين يعني بهم جبهة البوليساريو، التي هي بالنسبة إليه هي شعب الصحراء، تعتبر إهانة لنظام العسكر بالجزائر، الذي في الحقيقة و الواقع هو السيد و الوصي والحاضن الكبير والحارس المدافع عن “القضية الصحراوية” و “الصحراويين” في جبهة البوليساريو. لقد أنفق عسكر الجزائر أكثر من 500 مليار دولار على “القضية الصحراوية” ويخصص حاليا مليار دولار سنويا (نصفها يذهب للإنفاق العسكري المُدْرَج في ميزانية الجيش الجزائري). لذلك، ليسوا “مساكين” ولا “ضعفاء” أولئك الذين “طُعِنوا غدرا”ً بتلك السهولة. من ناحية أخرى، يشير بابلو إغليسياس إلى القرار الأممي 690 وهو قرار قديم عفا عنه الزمان صادِر عام 1991، ويعود إلى ما قبل تفكيك الاتحاد السوفيتي. تجاوزته الأحداث اللاحقة خلال الأحقاب الطويلة الماضية وأية إشارة إليه تكون من باب التضليل والمغالطة..
وبالفعل، فمنذ عقود خلت لم تَعُد قرارات الأمم المتحدة تشير إلى الاستفتاء لتقرير المصير الوارد في القرار 690 المشار إليه من طرف الكاتب العام السابق لبوديموس وعلى الخصوص منذ عام 2004. والسبب هو أنّ الأمم المتحدة لم تتمكَّن من تحديد مَن هو الصحراوي الذي له حق التصويت. وبما أن الاستفتاء ليس سوى وسيلة من وسائل شتّى لأجل ممارسة تقرير المصير وليس حصرياً الوحيد، فقد تخلى مجلس الأمن عنه، واكتفى في قراراته بدعوة الأطراف للتباحث من اجل الوصول – في إطار تقرير المصير – الى حل سياسي دائم وقابل للتطبيق.
ومن أجل التغلب على حالة الجمود والخروج من الطريق المسدود الذي وصل اليه الخلاف حول الصحراء، قدَّم المغرب عام 2007 اقتراحه لحلٍّ على أساس الحكم الذاتي الموسَّع. وكانت صياغة المشروع مستوحاة من المسودة الأولى للخطة بيكر المعروفة باتفاقية الإطار. ومنذ تقديم هذه المبادرة المغربية جميع قرارات مجلس الأمن، تشير إليه مشيدة به وتؤكد بأنه “وإذ يحيط علماً بالمقترح المغربي الذي قُدم الى الأمين العام للأمم المتحدة في 11 أبريل 2007 وبالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى السير قُدماً بالعملية صوب التسوية”.
وفي هذا الإطار فإن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، التي هي صاحبة صياغة القرارات حول النزاع، عند شرحه تصويت بلاده لصالح القرارات المعتمدة، كان ولا زال يشيد دائمًا بالاقتراح الذي قدَّمه المغرب مُعتبِراً إيّاه جدياُ وذا مصداقية ويضفي عليه الأولية كحلٍّ للنزاع المفتعل وهو أيضاً موقف كل من ممثل فرنسا وبريطانيا..
لهذا كان من باب الأمانة السياسية والأخلاقية على بابلو إغليسياس، عدم الإشارة إلى قرار منتهي الصلاحية يعود إلى القرن الماضي، والتركيز بذَل ذلك على القرارات الحديثة كالقرار الأخير لمجلس الأمن رقم 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2021. فمن خلال الإشارة لبعض فقرات هذا القرار يمكننا الوصول إلى الأسباب الكامنة وراء التشبث بمقررات أممية متجاوزَة ومُنتهية الصلاحية والتكتم على القرارات السارية المفعول. الهدف هو تغليط القارئ لخلق رأي اسباني منحاز..
ففي القرار الأخير، “يؤكد المجلس من جديد التزامه بمساعدة الأطراف على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول، على أساس حلٍّ وسط ينص على تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية”. ويضيف في فقرة أخرى ويركز على “الحاجة إلى التوصل إلى حل سياسي لمسألة الصحراء الغربية يكون واقعيًا وقابلاً للتنفيذ ودائمًا ومقبولًا من جميع الأطراف ويقوم على حل وسط …” في غياب تام لِذكْر كلمة استفتاء..
كما يحث على “التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول لجميع هذه الأطراف، والذي ينص على تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية في إطار الأحكام وفقًا لمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحد…”. في هذا القرار، كما في القرارات السابقة، يكرر مرة تِلْو الأخرى أنّ مجلس الأمن “يحيط علماً بالاقتراح المغربي المقدَّم إلى الأمين العام في 11 أبريل 2007 ويرحب بجهود المغرب الجادة وذات المصداقية لدفع العملية نحو حل. وكذلك الإحاطة علماً بالاقتراح المقدَّم إلى الأمين العام من جبهة البوليساريو في 10 أبريل 2007 “. هذه الفقرة المهمة تشير إلى الاقتراح الذي قدمه المغرب على أساس الحكم الذاتي الموسَّع والمتضمِّن لجميع المعايير المعتمَدة من قِبل مجلس الأمن والتي – بفضل مفاوضات تجري بحسن نية والمساهمات البناءة والتوافق بين الأطراف – من شأن المشروع أن يتحسن وأن يكتمل ليتجسد كحل سياسي مقبول ودائم للجميع. وبذلك يكون تقرير المصير قد تحقَّق وفقًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد عليها هذه المنظمة الدولية في كل قراراتها..
مجلس الأمن الذي يمثل المجتمع الدولي والذي تنبثق منه الشرعية الدولية، يؤيد بوضوح في قراره 2602 – كما هو الحال في كل قراراته الأخرى – الحلَّ القائم على الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب ويوليه الأولوية والأفضلية في المفاوضات للتوصل إلى حل وسط واقعي ودائم مبني على التوافق. إنه الحل الأمثل الذي بفضله يفوز فيه الجميع، دون رابح ولا خاسر. إنه البديل لمقترح الاستفتاء الغير القابل للتطبيق والمنتهي الصلاحية والمنصوص عليه في خطة التسوية (القرار 690/1991)، والذي يقوم على أساس خيارات متطرفة، بين المنتصرين والمنكسرين، بين الفائز والخاسر فتكون النهاية بداية لصراع آخر ومواجهات دون نهاية.
النص الأصلي محرر بالإسبانية ومنشور في صحيفة “أتليار” الإلكترونية.
* دبلوماسي مغربي سابق