الانتخابات من واقع الحال ومصير لبنان على المحك
درويش حوحو
الانتخابات النيابية اللبنانية المقرر اجراؤها في الخامس عشر من أيار- ماي المقبل، تجري وسط صراعات ومنافسات بين كل الاطراف على ما يسمى الصوت التفضيلي الذي يناله المرشح الفرد، وهذا ما أدى إلى منافسات داخل كل لائحة وبين اعضائها فردا فردا، لسعي كل منهم الى تأمين أعلى نسبة أصوات تمكنه من الدخول الى الندوة البرلمانية.
وسط هذه الصراعات، انطلقت الحملات الاعلانية والاعلامية في محاولة لتجييش الأنصار والمؤيدين للاقتراع إلى هذا المرشح أو ذاك، فيما غابت هموم المواطنين وحياة الفقر والمرض والذل والمعاناة وحالة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمالي للمواطنين، حيث بات المواطن اللبناني يبحث عن لقمة الخبز في مستوعبات القمامة ويموت المريض على أبواب المستشفيات والمؤسسات الصحية، وانعدمت أبسط وسائل العيش أمامه، فلا كهرباء ولا ماء ولا أدوية ولا خبز ولا طحين، وغابت المواد الغذائية عن رفوف المحلات والسوبر ماركت، فيما أصبحت الأجبان والألبان من الكماليات.
كل ذلك والمرشحون إلى الندوة النيابية لا هم لهم إلا دعوة المواطن الى التصويت بكثافة ولا يتجرأ أي منهم على اقتراح برنامج أو خطة او موقف للخروج من حالة الانهيار شبه الشامل وحياة الجحيم التي وصلت اليها البلاد، فيما شعارات اللوائح تطلق الوعود والشعارات الفارغة البعيدة عن هموم المواطن اليومية وحال اليأس التي وصل إليها.
على جبهة ما يسمى الممانعة أطلق حزب الله حملته الانتخابية تحت شعار “باقون نحمي ونبني”، داعيا مؤيديه وبيئته الى الاقتراع من اجل حماية ما يسميه المقاومة، في حين ان هدفه الاساس الابقاء على سيطرته على القرارات الامنية والسياسية والامساك بمؤسسات الدولة وتكريس نفوذه في البلاد خدمة للمحور الايراني، ولا يهتم بمستوى معيشة اللبنانيين واذلالهم في يومياتهم ليل نهار، ويضغط على اللوائح المنافسة له يهدد أعضائها تحت شعار الاقتراع للمقاومة تكليف شرعي، ولا تجد في خطاباته ومهرجانات مرشحيه اي مقترح لحل ازمة البلاد ودخولها في مرحلة النهوض اذا امكن ذلك.
اما حليفه التيار الوطني الحر، فلم يختلف عنه الا لجهة اتهام الاخرين بالمسؤولية عن تردي الأوضاع وتحميل الاخرين من منافسيه وحتى حلفائه مسؤولية الخراب والدمار الذي وصلت اليه البلاد تحت شعار “ما خلونا”، ويستخدم في سبيل ذلك كل وسائل الشحن الطائفي والمذهبي لاستعادة بعض مما خسره جراء سياساته وفساده في الوزارات والادارات التي تولاها في العقدين الماضيين. ولم يتمكن حفل الافطار الذي جمعه إلى منافسه على رئاسة الجمهورية الوزير السابق سليمان الفرنجية على مائدة أمين عام حزب الله حسن نصرالله من التوصل الى ازالة الخلافات بينهما، واكتفى حضرة الامين العام بدعوتهما الى الحفاظ على العلاقة السياسية التي تجمع تحالف قوى الممانعة والتخفيف من التشنج الانتخابي بينهما.
ولا تختلف شعارات الأطراف الاخرى لقوى الممانعة عن شعارات حزب الله وترفض اي محاولة لطرح موضوع سلاح الحزب على بساط البحث او حتى تعبير السلاح غير الشرعي. اما على صعيد جبهة المعارضة لهؤلاء، فان حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع سيخوض معركتها تحت شعار “نحن فينا”، ردا على شعار “ما خلونا” في محاولة لكسب أوسع تأييد من اصوات المسيحيين، تمكنه من تكريس زعامته المسيحية دون منازع، عل وعسى يتمكن من الوصول الى رئاسة الجمهورية، وتغيب عن الازمة الاقتصادية ــــ الاجتماعية ومعاناة الناس وحال اليأس التي وصلوا اليه، وهو بذلك يلتقي مع “التيار الوطني الحر” في معركة البروباغندا.
وفي سعيه هذا تحالف مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في اكثر من دائرة وخصوصا في عاليه ـــ الشوف والمتن وبعبدا، فوليد جنبلاط رغم محاولات التمايز في المواقف والشعارات وانتقاده لسياسات حزب الله وتعنته، فان همه الوحيد الحفاظ على دار المختارة ملتقى للطائفة الدرزية، وبالتالي تأمين كتلة نيابية تكرس موقعه في المنظومة السياسية المتحكمة بالبلاد، فيرفع شعار “الصمود للحفاظ على البقاء”، وعلى الدور السياسي للطائفة الدرزية التي تؤمنها لها ممارسات المحاصصة في المؤسسات والمشاريع والادارات.
الطامة الكبرى في الشعارات التي تخاض على أساسها الانتخابات النيابية تظهر فيما سمي الانتفاضة او الثورة التي تشرذمت في لوائح عدة في كل دائرة، وراحت تتنافس فيما بينها، وكل منها يدعي انه يمثل الثورة وسيد الشارع وفقدت هذه المجموعات عبر اللوائح المشكلة ثقة المواطنين، اذ لم يختلف اعضاؤها عن احزاب السلطة في الشعارات ما عدا تعبير التغيير، بينما التنافس داخل اللوائح على اشده وكل مرشح بات يحسب نفسه نائبا في الندوة البرلمانية، فغابت بذلك الشعارات السياسية والبرامج وتحولت الى بروباغندا بائسة، وهذا لا ينفي وجود لوائح تعد على اصابع اليد الواحدة التي تخوض معركة سياسية واضحة، كما هي الحال في منطقة عكار وفي دائرة الجنوب الثالثة وفي دائرة صور.
هذه الصورة البانورامية لمعركة الانتخابات لا تبشر بان التغيير ات ولا يستبعد المرء عودة احزاب المنظومة للسيطرة على المجلس النيابي، وبالتالي استمرار حال التأزم والانهيار ما يهدد مصير البلاد والعباد وادخالها في آتون صراعات جديدة لا يمكن التنبوء بنتائجها، فمصير لبنان عند ذلك سيكون على المحك.