بسبب الأحداث في أوكرانيا: أزمة القمح تنذر بعودة انتفاضات “الربيع العربي”

بسبب الأحداث في أوكرانيا: أزمة القمح تنذر بعودة انتفاضات “الربيع العربي”

د. زياد منصور

يواجه العالم بالفعل نقصًا هائلاً في الحبوب. إن حظر تصدير القمح من روسيا واستحالة تصديره من أوكرانيا، لن يؤدي إلا إلى تسريع تضخم أسعار الغذاء. وتمثل روسيا وأوكرانيا ثلث صادرات الحبوب العالمية. وبلغت حصتهما الإجمالية في تصدير الشعير والقمح والذرة خلال السنوات الخمس الماضية 19% و14% و4% على التوالي.

كلا البلدين رائدين في توريد زيت بذور اللفت. على عباد الشمس يشغلون نصف السوق. بالتأكيد، سيكون للحرب تأثير سلبي للغاية على حالة الغذاء في جميع أنحاء العالم. كما يتفاقم الوضع بسبب الطقس الحار والجاف في أمريكا الجنوبية، الذي يقتل المحصول المحلي. لن يكون هناك ما يحل محل إمدادات القمح من روسيا وأوكرانيا، كما يقول الخبراء ويحذرون: هذا يهدد بالمجاعة وبالتالي بأعمال الشغب والثورات.

في شهر آذار- مارس، تم تحديث أرقام كلفة طن القمح وقدر بـ 315.1 دولار، وكان هذا الرقم هو الأعلى في تاريخ التداول. ومع ذلك، لا يستبعد أن الأسعار القادمة لن تكون أقل.

يشبه البعض مسألة ارتفاع الأسعار بأنها شبيهة التي جرت قبل عقد من الزمن، عندما أدى ارتفاع الأسعار إلى أعمال شغب وحالات غضب بسبب مشكلة في الغذاء في أكثر من 30 دولة.

عملياً دخل العالم دخل في أزمة غذائية. ولكن ما هي الإجراءات المضادة التي تقوم بها الدول؟ أعلنت المجر وصربيا وقف صادرات القمح. تباطأت بلغاريا فجأة في شحن الحبوب التي كان قد تم شراؤها من هذه الدولة. أعلن العراق عن شراء طارئ لثلاثة ملايين طن.

بشكل عام، فإن كبار المشترين والبائعين هم في حالة انتظار. أصحاب السفن أيضًا هم في نفس الحالة، إذ أنهم ليسوا مستعدين لدخول بحر آزوف. وعلى طول هذه الطريق البحرية، يتم نقل ما يصل إلى نصف الصادرات. في المجموع، تصدر روسيا حوالي 30 مليون طن من القمح سنويًا.

لماذا قيدت روسيا الصادرات؟

في الوقت نفسه، حظرت الحكومة الروسية مؤقتًا تصدير الحبوب والسكر، رسميًا من أجل منع ارتفاع الأسعار في السوق المحلية. تصدير هذه الأنواع من المواد الغذائية محظور الآن إلى دول التعاون الاقتصادي الأوراسي (EAEU) وبلدان العالم الثالث. ستظل القيود المفروضة على الحبوب سارية حتى 30 حزيران- يونيو، وعلى السكر -حتى 31 أب- أغسطس. ومع ذلك، يحتوي القرار على عدد من الاستثناءات؛ فهو لا ينطبق على بيلاروسيا و “جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية” وجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين، وأبخازيا، وأوسيتيا الجنوبية. في تعميم مجلس الوزراء الروسي ورد أيضًا: “سيكون توريد هذه المنتجات خارج روسيا ممكنًا، بما في ذلك تقديم المساعدة الإنسانية، وكذلك في إطار حركة الترانزيت الدولية”.

يؤكد هذا القرار الروسي دون شك على تأثير روسيا على الأمن الغذائي العالمي يتضح أنه يجري العمل على حل المهام المتعلقة باحتواء أسعار المواد الغذائية المحلية، لكن هذا يسبب مشاكل في المجالات المتعلقة باستدامة عمل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ذلك أن روسيا تقول إننا “نحن أنفسنا في حاجة إلى هذه المواد!”. هنا يعلق بعض الخبراء على أن الموقف الروسي هو بمثابة فرض عقوبات مضادة على العقوبات بحقها. إذ أن وقف الصادرات من روسيا سيؤثر بالتأكيد على الأسواق العالمية.

وبالتالي فإنه “نتيجة لحظر التصدير، قد ترتفع الأسعار العالمية للمنتجات الزراعية بنسبة 50-100%”. وهنا يعترف العديد من الخبراء أيضًا بأن الحبوب والسكر هم الآن مورد مهم، بمستوى العملة الأجنبية التي تحتاجها روسيا.  إنه الذهب الروسي الآخر بالإضافة إلى الغاز والنفط وغيرها وخصوصاً الآن.

بعض الأرقام

في الوقت نفسه، لن يؤثر إغلاق الصادرات على ديناميكيات المناطق المزروعة في روسيا بأي شكل من الأشكال. “على العكس من ذلك، في السنوات الأخيرة، كانت المساحات المزروعة بمحاصيل معينة في حالة نمو. وفقًا لوزارة الزراعة، في عام 2022، ستُزرع المحاصيل الزراعية في روسيا على مساحة 81.2 مليون هكتار، بزيادة 1.3 مليون هكتار عن عام 2021. في العام الماضي، بلغت المساحة المزروعة 79.9 مليون هكتار، بزيادة 0.3% قياساً بالعام 2019. في عام 2022، ستتوسع محاصيل الحبوب الربيعية، والشمندر السكري، والحنطة السوداء، وفول الصويا، والبطاطس وهذا يعني أن لا شيء يهدد الأمن الغذائي لروسيا.

أوضحت وزارة التنمية الاقتصادية أن المعروض من الحبوب في الاتحاد الروسي يتجاوز بالفعل 150%. وقال وزير الزراعة دميتري باتروشيف في تصريح له بتاريخ 10 آذار- مارس في اجتماع للرئيس مع أعضاء الحكومة إن محصول الحبوب في الاتحاد الروسي هذا العام قد يصل إلى حوالي 123 مليون طن، لأن المحاصيل تجاوزت وخطت ظروف الشتاء بنجاح.

بالمناسبة، تتوقع وزارة الزراعة زيادة محصول الشمندر السكري هذا العام أيضًا – ليصل إلى 41.5 مليون طن مقابل 38.7 مليون طن في عام 2021.

ماذا عن الصادرات الأوكرانية؟

من المسلم به أن روسيا قد لا تنتج مجموعة واسعة جدًا من السلع للاقتصاد العالمي اليوم، لكنها لا تزال موردًا رئيسيًا لسلعتين حيويتين: موارد الطاقة، والتي تشمل النفط والغاز والتقنيات في مجال الطاقة المائية والنووية، والغذاء-وخاصة الحبوب. وهي تحتل المرتبة الثالثة في العالم في إنتاج القمح، والثانية بعد الدول التي تضم أكبر عدد من السكان في العالم -الصين والهند. ومع ذلك، فإن عدد سكان روسيا أقل بكثير من هذين البلدين، لذلك يتم بيع الكثير من الحبوب المنتجة. ووفقًا لهذا المؤشر، فقد احتلت الصدارة على مستوى العالم منذ عام 2016. للعام السادس على التوالي.

أوكرانيا هي أيضا مصدر جدي. اشترت مصر وإندونيسيا والصين وتركيا وباكستان وبنغلاديش والمغرب وتونس واليمن القمح والزيوت من هذا البلد. في العام الماضي، وفقًا للجنة الدولة للإحصاء في أوكرانيا، بلغت الصادرات أكثر من 20 مليون طن، مما زاد من دخل البلاد بقيمة تبلغ 5 مليارات دولار.

ومع ذلك، فقد حظرت أوكرانيا الآن تصدير منتجات مثل اللحوم والسكر والحنطة السوداء والدخن، ومن أجل تصدير القمح والذرة وزيت عباد الشمس لا بد من الحصول على تصريح رسمي. لذلك، سيواجه المشترون التقليديون للأغذية الأوكرانية في المستقبل القريب نقصًا في الحبوب. المشكلة هي أن هذه المنتجات تشكل أساس النظام الغذائي للطبقة المتوسطة وذات الدخل المنخفض من السكان. يقول الخبراء إنه مع نقص الحبوب، يمكن أن تصبح أمراً مألوفا في العالم اندلاع ” ثورات الخبز” وبعض الحراك الثوري مثل الربيع العربي وغيرها.

ليس من الممكن حتى الآن تقييم مدى الخسائر التي تعرضت لها الحقول المزروعة في أوكرانيا. وكذلك تقييم إمكانية حصاد المحاصيل الشتوية وزرع محاصيل الربيع. من المعروف فقط أن العديد من المزارعين الأوكرانيين في الخريف الماضي زرعوا بالفعل محاصيل شتوية بدون أسمدة. على الأرجح، بعد انتهاء العملية العسكرية الخاصة، سيكون تصدير الحبوب مستحيلًا، فقط للأسباب التي تجعل الأوكرانيين أنفسهم بحاجة إلى شيء يأكلونه.

أخيراً هناك من يحذر، من أنه لن يكون من الممكن الحفاظ بشكل كامل على إنتاج المحاصيل في الاتحاد الروسي، لأن السوق المحلية لديها قدرة محدودة، كما أن روسيا تشتري حصة كبيرة من مادة البذور في الخارج.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. زياد منصور

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الروسي