هل ينفجر الشارع اللبناني من جديد؟!

هل ينفجر الشارع اللبناني من جديد؟!

درويش حوحو

تتكدس الملفات السياسية والاجتماعية في لبنان وتتزايد تعقيدا، وسط تخلي السلطات في تحالف المافيات السياسية مع الميليشيات الارهابية المسلحة عن القيام باي مبادرة لوقف الانهيار الكبير الذي تعانيه البلاد، ويهدد كيان الدولة والشعب، والتي حولت لبنان الى دولة فاشلة وعاجزة، فإستسلمت للأمر الواقع دون أن تعير إهتماما لتحذيرات المجتمع الدولي ومؤسساته المالية والاجتماعية. لا بل ضربت عرض الحائط كل المحاولات الدولية بضرورة إجراء إصلاحات بنيوية ومالية وإدارية تساعد البلاد على الخروج من الأزمة شيئا فشيئا.

وقد أصرت منظومة الفساد والهدر على الإنغماس بالمحاصصة وتقاسم السلطات والمواقع، وسقطت كل شعارات السيادة والمعارضة لسيطرة السلاح التي وضعها البعض خلال الحملة الانتخابية، فإذا بــ “القوات اللبنانية” و”اللقاء الديموقراطي” وبعض النواب المحسوبين على “تيار المستقبل”، يؤكدون المؤكد أي التحالف والتضامن مع “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وهو الأمر الذي تجلى واضحا فيما جرى مؤخرا في انتخاب رئيس المجلس النيابي ولجانه ورؤسائها.

فكما كان متوقعا جدد المجلس النيابي للرئيس نبيه بري لولاية جديدة، كونه المرشح الوحيد من الطائفة الشيعية لهذا المنصب، وليس بين نواب المعارضة أي نائب ينتمي الى الطائفة الشيعية، إذ تمكن تحالف “حزب الله” و”حركة امل”، من حصد المقاعد الشيعية كاملة، عبر إستخدام وسائل الإرهاب والضغط والتهديد بالقتل وإجبار المرشحين الشيعة في الدوائر المختلفة على الانسحاب وفي المحصلة فاز نبيه بري بأكثرية 65 صوتا من أصل 128، مع معارضة63 وهو رقم ضئيل مقارنة بالدورات السابقة، اذ لم تنخفض نسبة التأييد له عن الثمانين صوتا، ونال تأييد الكتلة  الجنبلاطية “اللقاء الديموقرطي” ونواب محسوبين على “تيار المستقبل”، كما فاز مرشح “التيار الوطني الحر” الياس ابو صعب لمنصب نائب الرئيس ب65 صوتا.

لكن ما جرى في إنتخابات اللجان النيابية ورؤساىها قدم صورة فاقعة عن عودة  التحالف المتين بين قوى المنظومة، حيث تحالفت قواها ضد قوى التغيير ومنعت وصول أي منهم إلى رئاسة أي لجنة وهذا الأمر جاء ليعكس إصرار تلك القوى على المضي في سياسة المحاصصة وعدم الاعتراف بتغير المزاج الشعبي وطموحه الى تغيير وإصلاح يضع البلاد على سكة الخلاص.

واللافت في هذا الأمر إنتخاب النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر اللذين صدرت بحقهما مذكرات توقيف قضائية في ملف تفجير مرفأ بيروت، إذ تم انتخابهما عضوين في لجنة الادارة والعدل بتسعين صوتا وستة وتمانين صوت على التوالي ليتمكنا من الحفاظ على حصانتهما النيابية ورفض المثول امام المحقق العدلي.

لقد اقتنصت قوى منظومة الفساد رئاسة كل اللجان وتقاسمتها فيما بينها، ما يؤشر الى الاستمرار في السياسات الفاشلة التي أوصلت البلاد الى الانهيار. وتخلت “القوات اللبنانية” و”اللقاء الديمقراطي” عن شعارات محاربة الفساد وتكريس سياسة سيادة الدولة ومؤسساتها ورفض سيطرة السلاح على القرار السياسي والامني والعسكري ولم تكتف بذلك، بل إنبرت إلى مهاجمة نواب كتلة التغيير الثلاثة عشر لرفضهم الدخول في المساومة والانخراط بما سماه الاخرون بالواقعية السياسية وضرورة المشاركة في اللجان مهما كان الأمر.

هذه التطورات مكنت “حزب الله” وحلفاؤه من السيطرة على المجلس النيابي ولجانه وعلى كل الحياة التشريعية على الرغم من عدم حصوله على الأغلبية النيابية في الانتخابات.

الملف الثاني والأكثر خطورة هو ملف ترسيم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي. حيث ظهر من مواقف قوى السلطة ومن ورائها التخلي عن حقوق لبنان في ثروته النفطية والغازية والتنازل لإسرائيل عن حقل كاريش، بالرغم من الرفض الشعبي والسياسي لهذا الأمر والدعوات الى التمسك بالخط 29 الذي يحفظ للبنان حقه في الاستفادة من ثرواته كاملة.

ويبدو ان رئيس الجمهورية ميشيل عون يتجه نحو الخضوع للضغوط الأمريكية ـــ الاسرائيلية في هذا الشأن. والعمل على مقايضة التنازل مقابل رفع العقوبات الأمريكية عن صهره جبران باسيل وتبرئة ذمته من تهمة الفساد وتغطية الإرهاب. واذا كان الرئيس عون و”التيار الوطني الحر” الذي يدير مفاوضات في الناقورة يتلطى بصلاحيات رئيس الجمهورية وحقه في التفاوض وإبرام المعاهدات حسب الدستور، فإن حزب الله يقود حربا إعلامية عشوائية بدعوته إلى الاسراع في استخراج النفط والغاز بغض النظر عن المفاوضات ونتائجها ويطلق التهديدات الكلامية لإسرائيل اذا باشرت في استخراجه من حقل كاريش، الا انه يغطي بمواقفه وسكوته الفعلي تنازل الرئيس عون وتياره عن حقوق لبنان في ثرواته بالقول إنه يدعم موقف الحكومة اللبنانية في القرار الذي تتخذه. وهكذا وسط التجاذب والتردد والضياع فإن حقوق لبنان وشعبه للإستفادة من ثرواته الطبيعية مهددة، وهذا يمكن أن يندرج في خانة الخيانة الوطنية التي نص عليها الدستور عن كل من يتنازل عن حق الوطن وسيادته.

ملف اخر أمام لبنان وهو تشكيل الحكومة الجديدة، إذ يرهن رئيس الجمهورية الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة، لتسمية رئيس الحكومة بالتوافق مسبقا على إسم الرئيس، والتشكيلة الحكومية وتوزيع الحقائب قبل الدعوة إلى الاستشارات متماهيا مع صهره جبران باسيل الذي يتمسك بحكومة من السياسيين، أي من أطراف المنظومة نفسها ويصر على تولي وزارة الخارجية والتمسك بوزارة الطاقة للتحكم بالحكومة، تحسبا لوقوع الفراغ الرئاسي في البلاد، ومعروف أن وزارة الطاقة هي مصدر الصفقات والفساد والهدر والهدف واضح، فهو يريد تعويم نفسه ودوره السياسي وحلمه برئاسة الجمهورية إرتباطا بقرب موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية في اكتوبر المقبل. وعدم التوافق على الرئيس العتيد ما يوقع البلاد في الفراغ الرئاسي. وبالتالي إنتشار الفوضى وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية حيث بات هم المواطن اللبناني الحصول على رغيف خبز اذا توفر، وحيث تمتد الطوابير أمام الافران نتيجة جشع أصحاب الأفران والمطاعم ومستوردي القمح الذين يستغلون الأزمات لمضاعفة ارباحهم وتحميل المواطنين أعباء اضافية، ولم يعد بإمكانهم تحمل المزيد، ما قد يؤشر إلى عودة الاضطرابات والتظاهرات الشعبية المترافقة مع تردي الوضع الأمني وازدياد أعمال النهب والقتل أمام عجز القوى الأمنية التي تحتاج الى قرار سياسي للقيام بواجباتها.

 

Visited 13 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

درويش حوحو

كاتب وناشط سياسي