الغاز الروسي: خسائر صامتة
د. خالد العزي
في ظل الظروف الحالية، يطرح السؤال كيف ستؤثر القيود المفروضة على إمدادات الطاقة الروسية على المدى الطويل؟.
وفقا لتقرير “روسيا في سوبر ماركت الغاز في أوراسيا”، فإن كل محاولات إلغاء موارد الطاقة الروسية محكوم عليها بالفشل وستؤدي إلى عواقب سلبية واسعة النطاق على المبادرين للعقوبات. وسيظل الاتحاد الأوروبي جزءا مهما من سوق الغاز العالمية الناشئة، لكن دوره كمشتري لموارد الطاقة آخذ في التراجع.
مع الحصار الغربي على قطاع والغاز بهدف تحجيم قدرات روسيا، وإعلان الرئيس الامريكي جو بايدن بتاريخ 14 حزيران، أن “واشنطن مع حلفائها مصممون على محاصرة قطاع الطاقة الروسي، وإيجاد البديل للأوروبيين”. حاول المدير العام لشركة” انفو تيك الروسية”، رستم تانكاييف، وألكسندر فرولوف، نائب المدير العام لمعهد الطاقة الوطنية، إجراء تقييم موضوعي لدور روسيا في سوق الطاقة العالمي وتحليل عواقب الحد من إمدادات الطاقة المحلية على المدى الطويل.
يتحدث الخبراء الذين وضعوا التقرير عن الوضع الحالي لسوق الغاز العالمي وحجم استهلاكه وإنتاجه، مشيرين إلى أن “التوسع في إستهلاك الغاز مؤخرًا أدى إلى زيادة الإنتاج، التي تجاوزت النمو في الاستهلاك، وفي بعض الحالات أدت الزيادة المفرطة في الإنتاج إلى إنخفاض كبير في الأسعار”.
وأشاروا إلى الإنتاج المتزايد للغاز الطبيعي المسال، مؤكدين أن حوالي 60 % من التجارة العالمية للوقود الأزرق في العالم تمثل بالنقل عبر خطوط الأنابيب بالأتي:
1ـــ تأثير ثلاثي على سوق الطاقة:
يشير التقرير إلى أن الضغط على صادرات الطاقة من روسيا إلى أوروبا يسمح للولايات المتحدة بحل العديد من المشكلات في وقت واحد. مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أنه في عام 2021 من أصل 25.3 تريليون روبل. حصلت إيرادات الميزانية الفيدرالية في فئة “عائدات النفط والغاز” على 9 تريليونات روبل، الأمر الذي يوجه ضربة للقطاعات الأساسية للاقتصاد الروسي. كما أنه يساعد في تقويض أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي وضرب إمكاناته الصناعية واقتصاده. كما يذكر واضعو الدراسة، إن الاتحاد الأوروبي ليس حليفًا وشريكًا تجاريًا للولايات المتحدة فقط، ولكنه أيضا منافس قوي، وهو عامل متزايد الأهمية في سياق الأزمة العالمية.
وبرأيهم أنه “نتيجة للصراع الحالي بين روسيا والغرب، سيكون هناك إعادة توجيه متزايدة لإمدادات الطاقة من بلادنا إلى الشرق”.
ومع ذلك، يشيرون الى أن محاولات “إلغاء” موارد الطاقة الروسية على المديين القصير والمتوسط محكوم عليها بالفشل، مصحوبة بأضرار غير مقبولة للجانب الذي يفرض عقوبات في الوقت نفسه، وفي سياق أزمة الطاقة العالمية المستمرة، من الصعب إيجاد بديل لإمدادات الغاز من روسيا، ليس فقط بسبب الافتقار إلى البنية التحتية اللازمة، ولكن أيضًا بسبب وجود نقص واضح في الإمدادات في العالم. إذ لا يستطيع الاتحاد الأوروبي الاعتماد على نمو إمدادات خطوط الأنابيب البديلة، وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يمكنه نظريًا استبدال حوالي 70 مليار متر مكعب من الغاز الروسي بمساعدة الغاز الطبيعي المسال، لا توجد مثل هذه الأحجام في السوق. علاوة على ذلك ، تركز عمليات التسليم الجديدة بشكل أساسي على الأسواق المتنامية في آسيا، ولا سيما الصين.
“إن الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها للاتحاد الأوروبي الاعتماد على” الصيد الجائر “لشحنات الغاز الطبيعي المسال من الاتجاه الآسيوي هي حرب الأسعار، والتي بدأت في الواقع في عام 2022. ولكن، بالنظر إلى دور تسعير الصرف في دول آسيا والمحيط الهادئ والاتحاد الأوروبي، فإن أوروبا ستكون الخاسر، لأن متوسط سعر الغاز في هذه المنطقة سيكون أعلى باستمرار”، كما يعتقد المحللون، إنه مع التغلب على الصراع، يتعين على الاتحاد الأوروبي تقييم نقاط الضعف في إستراتيجية الطاقة الخاصة به وربما إعادة النظر في بعض المبادئ الأساسية، على سبيل المثال، الحد من دور تسعير الصرف. ولكن، كما يقول التقرير، “يبدو أن احتمال أن تستخلص سلطات الاتحاد الأوروبي الاستنتاجات الصحيحة من الأزمة الحالية ضئيل للغاية”.
2ــــ لا بدائل للغاز الروسي حتى الآن:
تمتلك الولايات المتحدة فقط قدرات إنتاج جديدة للغاز الطبيعي المسال. وهكذا، تم تشغيل خط الإنتاج السادس في مضيق سابين في فبراير من هذا العام، محطة سابين باس للغاز الطبيعي المسال بسعة 30 مليون طن سنويًا، ومن المقرر إطلاق مشروع كورال سول العائم للغاز الطبيعي المسال في النصف الثاني من العام على جرف موزمبيق بطاقة 3.4 مليون طن سنويًا بناء على رواسب حوض روفوما. وقد اكتمل بناء منصة كورال سول بإزاحة 220 ألف طن في 4 \3\2022. لكن احتياطيات الغاز في الولايات المتحدة تبلغ 6.3% من احتياطيات العالم، فهي مطورة بأكثر من 76% ومعدل سحب مبدئي.
يبلغ إجمالي الاحتياطيات القابلة للاسترداد 1.7% سنويا، وفقا لدراسة لشركة “اينفو تيك”، وهو معدل استرداد مرتفع جدا في المرحلة المتأخرة من التطوير. وفقًا لمعدي التقرير، إذ من غير المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة من زيادة إنتاج الغاز بشكل كبير، وقد تكون احتياطياتها كافية لمدة 14 عاما.
بلغ الاعتماد على واردات الوقود الأزرق في الاتحاد الأوروبي في عام 2021، وفقا ل Eurostat ، 83%، بينما استمر إنتاج الغاز الطبيعي المحلي في التراجع، متراجعا بنسبة 7.6% مقارنة بمستويات 2020.
لكن الآن يتم توفير غاز خط الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي من روسيا والنرويج وأذربيجان (عبر خط أنابيب الغاز عبر البحر الأدرياتيكي)، وكذلك من الجزائر وليبيا (عبر خط أنابيب الغاز بين المغرب العربي وأوروبا). لم تكن روسيا قادرة أبدًا على تشغيل نورد ستريم 2 بسبب معارضة الاتحاد الأوروبي، والنرويج هي المورد الثاني لغاز خط الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي بعد روسيا. في 1 \10\2021، من المقرر تشغيل خط أنابيب غاز البلطيق 10 مليار متر مكعب. م في السنة، والتي بموجبها سيتم توفير الوقود لبولندا. ومن المقرر أنه في حالة إطلاق حقل Taira الدنماركي، سيتم ملء جزء من أنبوب أنابيب البلطيق بالغاز الدنماركي، وحسبما قال المحلل يفغيني بوبوفا، لـ صحيفة “فيديموست الروسية”:” بانه بعد رفض الدنمارك للوقود الروسي، يمكن استخدام هذه الكميات لتغطية احتياجات البلاد الخاصة، وسيصبح إطلاق أنابيب البلطيق بدلا من ذلك “طريقا لوجستيا لإعادة توزيع الغاز داخل أوروبا”، وليس ممرا يوفر زيادة كبيرة في الإمدادات”. علاوة على ذلك، إذا كان هناك نقص في الكميات الإضافية من الوقود، فقد يؤدي إطلاق خط أنابيب الغاز إلى زيادة المنافسة في سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي.
المحللون الاقتصاديون الروس، واثقون من أن روسيا، بصفتها مورِّدا لموارد الطاقة، ليس لديها بديل للاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، لولا الصراع الحالي بشأن العقوبات، لكانت إمدادات الغاز من روسيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2022 قد انخفضت. لكن الطلب الأوروبي يتعرض لضغوط مفرطة من ارتفاع الأسعار. انخفض عدد كبار المستهلكين منذ النصف الثاني من عام 2021. لا توجد شروط مسبقة للتعافي في الطلب على الوقود الأزرق في الاتحاد الأوروبي قبل نهاية أزمة الطاقة العالمية، “يقول المقال.
تشير دراسة لشركة “أنفو تيك ” بأنه “من المستحيل تزويد أوروبا بالغاز بمستوى الطلب المسجل في عام 2021 بدون روسيا والساسة الأوروبيون الذين يقولون إن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يزود نفسه بالغاز من مصادر أخرى، ببساطة ليس لديهم معلومات حول إحتياطيات وإنتاج وإمدادات الغاز في العالم. ففي السيناريو الأكثر تطرفا، سيؤدي التخلي عن النفط والغاز والفحم الروسي إلى انخفاض الاتحاد الأوروبي في استهلاك الفرد من الطاقة من 200 جيجا جول / سنة إلى 100 جيجا جول / سنة. وسيضطر الأوروبيون إلى التخلي عن الصناعة الحديثة والأجهزة المنزلية والسيارات الخاصة والعودة إلى القرن التاسع عشر. وتتطابق مستوى المعيشة في الاتحاد الأوروبي مع مستوى دول وسط إفريقيا”.
3 ــــ تهتم الصين بتنويع الإمدادات:
يشير المحللون إلى أن روسيا مهمة للغاية بالنسبة للصين كمورد للموارد. حيث تحتل الصين المرتبة الثالثة في العالم من حيث استهلاك الغاز بعد الولايات المتحدة وروسيا، وتدل هذه الدولة على نمو مطرد في الطلب على الوقود الأزرق بشكل سنوي. وعلى وجه الخصوص، في عام 2021، زاد استهلاك الصين من الغا ، وفقا لوكالة الطاقة الدولية ، بنسبة 12% إلى حوالي 370 مليار متر مكعب).
اذن تعد الصين أيضا مستهلكا رئيسيا للغاز، ولكن في عام 2007، ولأول مرة، حيث تجاوز الطلب على الغاز في الصين مستوى إنتاجها بمقدار مليار متر مكعب. م، وفي عام 2021 بلغ الفرق بين هذه المؤشرات 164.7 مليار متر مكعب. م وبالتالي ، فإن استهلاك الغاز في الصين ينمو بوتيرة أسرع ومن المرجح أن يصل هذا العام إلى 400 مليار متر مكعب. م، وتضاعف تقريبا على مدى السنوات الست الماضية. لذا تكمن أهمية روسيا في أنها تقع على حدود المناطق الأقل نموا في جمهورية الصين الشعبية، والتي تشهد الآن نموا اقتصاديا متسارعا، مما يؤدي ليس فقط إلى زيادة إمكاناتها الصناعية، ولكن أيضا إلى زيادة استهلاك الطاقة. وهذا يعني أن إمدادات الغاز من مصادر أخرى إلى هذه المناطق أقل تفضيلاً من الناحية الاقتصادية. أيضًا، يمكن لروسيا (وربما إيران في المستقبل) مساعدة الصين على تقليل مخاطر حصار الطاقة البحرية. على وجه الخصوص، تزيد عمليات تسليم خطوط الأنابيب من أمن الطاقة في الصين مع نمو محتمل في الطلب على الوقود الأزرق بمقدار 150-200 مليار متر مكعب. م حتى عام 2035. بالإضافة إلى ذلك ، يمكن تلبية جزء من الطلب المحتمل من خلال مشاريع الغاز الطبيعي المسال الروسية الجديدة التي يتم تنفيذها في الشرق الأقصى.
بالنهاية ترى روسيا بانها قوة عظمى في مجال الطاقة الطبيعية لكن العقوبات التي فرضت بكل تاكيد تراجعت كمية الصادرات الى الدول وخاصة التي لاتزال تعتمد على روسيا، لكن بظل غياب البديل السريع لاستخدم الطاقة فهذا يعني تراجع روسيا عن هذه الأسواق والانكفاء الى الخلف .
مما يعني بان روسيا ستكون خسارتها كبيرة جدا في اسواق الطاقة التي باتت تضيق بها وتقل امكانيتها المالية التي تحاول فتح أسواق الشرق أمامه ولكن باسعار اقل بدراجات فإذا أخذنا مثلا فان روسيا تبيع المتر المكعب من الغاز للغرب الأوروبي بألف دولار فإنها ستبيعها الصين حاليا بمئة وسبعين لان الصين ستكون المستفيد الاكبر من تخزين الغاز لجهة اعادة استخدامه أو بيعه عن طريق الصين .
فإن هذه الدراسة الروسية المعدة بتفاؤل كبير قد تكون صحيحة لكن الجانب الروسي لا يقدم معلومات وتحليلات حقيقة عن الأسواق وتراجع الدور الروسي في بيع النفط بسبب العقوبات التي لاتزال الأخبار الروسية في هذا المجال عامة وليست تفصيلية نتيجة محاولة روسيا تكبد الخسائر صامتة بانتهاء الحرب الذي سيفتح الطريق أمامها للعالم.