أيام سوداء باِنتظار الأسواق الروسية: الغاز ووهم الروبل القوي

أيام سوداء باِنتظار الأسواق الروسية: الغاز ووهم الروبل القوي

د. خالد العزي

توقع المراقبون لانتاجات الطاقة والاسواق العالمية بأن الانخفاض في إنتاج المعادن الحديدية سيتجاوز الــ 25 % في النصف الثاني من هذا العام، وإستئناف النمو الاقتصادي في روسيا إذا بدأت القنوات البديلة لاستيراد المواد الخام والمكونات في العمل، مشيرين إلى ضرورة دعم الحكومة طلب المستهلكين، لكون هبوطه الإنتاج سيكون عاملا رئيسياً في تراجع الناتج المحلي الإجمالي، كما أن إستعادة الواردات ستحل على الفور مشكلة الروبل القوي للغاية الذي تعتبره الحكومة الروسية تحديا خطيرا لاقتصادها .

 يرى وزير الموارد الطبيعية الروسي، الكسندر كوزلوف، إنه “من الممكن تحقيق نمو اقتصادي سريع في عدد من المناطق بسبب تطوير رواسب محلية جديدة من المعادن أو الهيدروكربونات”، لكن المشكلة بان روسيا لا ترى بأن ما يدور من حولها سببه الاساسي غزوتها غير المبررة لأوكرانيا، فهي تتجاهل الأمر وتحاول الهروب الى الامام .

وأدى التباطؤ الاقتصادي الحالي عن انخفاض قيمة الروبل، وقفزة في التضخم، وانخفض الدخل الحقيقي للسكان وطلب المستهلكين، فضلا عن زيادة أسعار الفائدة نتيجة رد فعل البنك المركزي، ووفقا لـمسح جديد أجراه معهد التنبؤ الاقتصادي  التابع لأكاديمية العلوم الروسية. بتاريخ 16 حزيران،عاد السعر الرئيسي للبنك المركزي بالفعل إلى مستوى ما قبل الأزمة، وتم استبدال انخفاض قيمة الروبل بتعزيزه.

ومع ذلك، يستمر الانكماش الاقتصادي، بسبب تعليق واردات المنتجات الوسيطة وإغلاق العديد من مصانع التجميع لفترة غير محددة، خاصة في صناعة السيارات. كما سجل انخفاض ملحوظ في إمدادات التصدير وإنتاج الطاقة.

لكن خبراء المعهد الوطني للإحصاء غير قادرين بعد على تقييم حجم الانخفاض في الاستثمارات “بسبب عدم اليقين الكبير، وعدم توافر المعدات المستوردة، وارتفاع أسعار الفائدة”. وهذا يعني بحد ذاته بأن الاقتصاد الروسي بدأ يدخل في غيبوبة  فعلية، صحيح أن الإحصاءات الرسمية الأخيرة (للشهر الرابع) تشير إلى بعض التفاؤل بسبب  التعويم الاصطناعي للروبل، كما يقول الاقتصاديون.

 ويذكر الخبراء الروس بأن التباطؤ الاقتصادي في الشهر الرابع  2022 كان أقل مرتين تقريبا مما كان عليه في الشهر الرابع من العام  2020، أثناء الإغلاق الشديد.

هناك العديد من العوامل التي أسهمت في الانكماش الاقتصادي الحالي المؤقت في روسيا، وسجل عودة سعر الصرف إلى مستويات ما قبل الأزمة وحل التضخم بدل الانكماش. وهذان العاملان سمحا لبنك روسيا بتيسير سياسته النقدية وإعادة الإقراض المصرفي، أي تعويم الروبل المنهار دون التغطية الفعلية للقيمة الشرائية.  ويعتبر الاقتصاديون في المعهد الوطني للإحصاء أن استقرار نظام الميزانية والحفاظ على العمالة مع معدل بطالة رسمي منخفض قياسي، يتطلب إيجاد قنوات بديلة لتوريد المواد الخام والمكونات المستوردة أو استبدالها من قبل النظراء المحليين، من اجل استئناف النمو الاقتصادي في روسيا. لكن السؤال من أين يمكن الإتيان بالقنوات البديلة للاستيراد في ظل العقوبات الخانقة على روسيا وكياناتها  الاقتصادية؟.

صحيح إنه من الأهمية دعم طلب المستهلكين كي لا تقوم قيامة الشارع الروسي المتضرر من الحرب المفتعلة في أوكرانيا، ويعتبر الانخفاض حاليا عاملا رئيسيا في خفض الناتج المحلي الإجمالي .وقد يكون التباطؤ في الاقتصاد الروسي والتضخم أقل من التوقعات الحالية، لكن بحسب وزير التنمية الاقتصادية مكسيم ريشيتنيكوف أن السلطات تستعد لمراجعة توقعاتها في الشهر السابع من هذا  العام لأن حزمات العقوبات والضغط  الغربي  بتزايد، وخاصة  وأن الاتحاد الروسي يمر بأزمة وهو ليس أفضل مما كان متوقعا في أوائل الشهر الثالث.

ويلفت  الوزير بأنه  “من السابق لأوانه الحديث عن أي أرقام محددة، لأننا اتفقنا على أنه في نهاية الشهر السادس من هذا العام، على إجراء التقييم المناسب، مع الأخذ في الإعتبار جميع الإجراءات المتخذة الآن وتقييم عملهم، وسنقوم بإعادة التقييم هذا العام والعام الذي يليه. لكن بشكل عام، يجب أن أقول إن التضخم سيكون أقل بكثير من المعايير التي قدمناها. ومن المحتمل أن يكون عمق الركود أقل قليلا مما توقعنا”.

وتفترض التوقعات الرسمية الحالية لوزارة التنمية الاقتصادية حدوث تضخم بنهاية عام 2022 عند مستوى 17.5%، مع إنخفاض في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.8%. وإن التعزيز الحالي للروبل هو أحد التحديات الجديدة للاقتصاد الروسي، مما يخلق مشكلة لكل من المصدرين والمستوردين. ووفقا له، فإن مصدر تعزيز الروبل اليوم هو ضعف الطلب في الاقتصاد الروسي.

وقال شدد الوزير: “بالطبع، نرحب بخطوات التخفيض، لكننا نعتقد أن هناك أسبابًا للتحرك بشكل مكثف، لأنه بدون الحصول على القروض لن يكون هناك استئناف للدورة الاقتصادية”.

في البداية، خفض البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي من 11% إلى 9.5% سنويا. ويقوم البنك المركزي بتقييم جدوى إجراء تخفيض إضافي في الاجتماعات القادمة. ومع ذلك، وبغض النظر عن ألعاب البنك المركزي ذات السعر الأساسي، فقد تم بالفعل تحديد العديد من عوامل الانكماش الاقتصادي من خلال ضغوط العقوبات على روسيا. وتم بالفعل قياس الانخفاض في تصدير الهيدروكربونات أو المعادن بحلول نهاية عام 2020 بعشرات في المائة.

وابتداء من أول يناير من العام حتى  إلى 15 حزيران  الحالي،  انخفضت صادرات غازبروم إلى البلدان غير الأعضاء في رابطة الدول المستقلة بنسبة 28.9% مقارنة بـ مع نفس الفترة من عام 2021.

هناك قلق بشأن إنتاج الغاز من شركات غازبروم في الفترة من أول يناير من العام الحالي، حتى  إلى 15 حزيران، وهو انخفض بنسبة 6.4% مقارنة بالعام الماضي. 

لقد قدرت مجموعة NLMK Metallurgical Group إنخفاضا في إنتاج المعادن الحديدية في الاتحاد الروسي بنهاية العام بنسبة 15%.  حيث يتوقع علماء المعادن الروس أن “الحد الأقصى للإنخفاض متوقع في النصف الثاني من عام 2022 – أكثر من 9 ملايين طن (-26%) مقارنة بالنصف الثاني من عام 2021”.  ويتوقع معهد INP RAS أن يكون الانخفاض الإجمالي في إنتاج النفط بحلول نهاية عام 2022 حوالي 10% ، وإنتاج الغاز -6%.

لا شك أن العقوبات بدأت تظهر على الانكماش الاقتصادي بالرغم من محاولة الدولة ومسؤوليها السياسيين والبنك المركزي أظهر صلابة الروبل الروسي امام العملات الاجنبية، لكن في المضمون فإن عملية تثبيت الروبل هي اصطناعية ومكلفة جدا للاقتصاد الروسي الذي يمكن ان تظهر اثاره لاحقا على كل النواحي الاقتصادية، خاصة لجهة  تقليل  بيع الغاز والنفط  وهذا يعني بأن روسيا مقبلة على أزمة اقتصادية كبيرة في حل لم تنته الحرب سريعا وإعادة الحياة الاقتصادية الى طبيعتها .

بالرغم من محاولة روسيا فرض أمر واقع على الدول الغربية الدفع بالروبل ثمن الغاز المصدر للغرب، لكنها فشلت من تثبيت هذه المعادلة  من اجل تعويم العملة الروسية على حساب صرف العملات الاجنبية في الأسواق السوداء او عن طريق وكلاء ودفعها بالروبل وبالرغم من أن الاتحاد الاوروبي سمح لبعض الدول بالدفع بالدولار لكن ذلك لن يحل إشكالات التضخم  بالخضوع  لمطالب روسيا الشعبوية ، فإذا لم تنته الحرب قريبا،  فان كل التطمينات الروسية الرسمية والاقتصادية لم تعد تنفع وستعمل على استنزاف الاقتصاد وهبوط قيمة الروبل الذي يعاني اصلا من أزمة فعلية وهناك غياب واضح لشراء العملات الأجنبية من البنوك، بل باتت الأسواق السوداء سيدة المشهد .

إذن القنوات البديلة لشراء المعادن لمعالجة التضخم لن تكون إيجادها قريبا  وبالتالي فإن الأيام المقبلة ستكون سوداء على الأسواق الروسية، وربما ترتبط هذه الفترة بالمراحل السابقة التي عاشتها روسيا السوفياتية أي مراحل أيام تفكك الاتحاد السوفياتي وما عاشته الأسواق من إنهيارات، فالدولة لم تستطع محاربة الحصار المقنع  آنذاك، بل رضخت له وحصل وقتها ما حصل .

 

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني