حكومة لبنان: الاستشارات الملزمة وحكايا التكليف والتأليف
حسين عطايا
تبدأ صبيحة اليوم الخميس في الثالث والعشرين من هذا الشهر حزيران – يونيو مسرحية ممجوجة في عهدٍ لا يُقيم وزناً لمواد الدستور، أو لمشروعية القوانين المرعية الإجراء، في وطنٍ اصبح يحتاج دولة ورجال دولة.
حين وضع المشرعون اللبنانيون المواد الدستورية لم يرق الشك إلى ذهنهم، بأنه سيدور الزمان ليأتي على قيادة لبنان رجالات لا يشبهون رجال الدولة، ولا يتشبهون برجالات الوطن، لأنه من المتعارف عليه إن المشرعين يُحسنون النوايا حين يشرعون المواد الدستورية، وبالتالي يُحسنون النوايا عادة برجالات الدولة الذين يضعون نصب أعينهم مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
ولم يتخيل أحد من المشرعين أن عهداً قيل عنه قوياً ورئيسه أقسم اليمين على الدستور، بأنه سيكون أكثر رئيس مارس الخرق الدستوري وعلى مدى سنوات عهده الست، والتي دنت من أشهرها الثلاثة الاخيرة.
اليوم ستبدأ الاستشارت النيابية الملزمة، والتي تنص عليها المادة 53 من الدستور، وهي: “يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها”.
واستناداً إلى هذا النص الدستوري لم يعد لرئيس الجمهورية مطلق الحرية بتسمية وتكليف من يشاء، بل من خلال استشارات نيابية ملزمة. وبذلك أصبح مقيداً بتكليف من رست عليه آراء أكثرية النواب، لتسميته رئيساً مُكلفاً بتشكيل الحكومة العتيدة، من هنا أصدرت دوائر القصر الجمهوري بناء على توجيهات رئيس الجمهورية جدولاً لمواعيد استقبال النواب، لأخذ رأيهم في من يرغبون لتسميته رئيساً مكلفاً بتشكيل الحكومة، والتي على أساسها سيتم إصدار مرسوم التكليف فور انتهاء الاستشارات.
هنا تكمن معضلة خروقات الدستور، التي يتقن فن ممارستها الرئيس ميشال عون منذ أن تسلم زمام رئاسة الجمهورية، حيث يضرب بعرض الحائط بمواد الدستور ويعمل على خلق أعراف جديدة، من هنا أتت عملية التأخير ما يُقارب الشهر بعد الانتخابات الأخيرة، وبالتالي أراد أن يقفز فوق نص المادة ٥٣، ويقوم بمشاورات تسبق الاستشارات الملزمة، للتوافق على اسم الرئيس المكلف، وحتى على توزيع الحصص الوزارية. وهذا ما لم يحدث من قبل مع أي من العهود السابقة.
لقد تعودنا خلال عهد ميشيل عون على أن عمليات تشكيل الحكومات يدخل بازار المحاصصة والمطالب والمطالب المضادة، كما يتم تصنيف الوزارات وفقاً لأهميتها، فُيطلق على بعضها سيادية، وعلى البعض الآخر خدماتية، وهذه تختص بالطوائف الكُبرى، وتُترك بقية الوزارات الثانوية للطوائف التي تُشكل أقلية من حيث عديد أبنائها، والأمثلة هنا كثيرة، لا بل متعددة امتاز بها عهد ميشال عون. وليس بعيداً ماحدث من مماحكات أثناء تكليف الرئيس سعد الحريري، والتي تخطت الثلاثة عشر شهراً لم يستطع الرئيس الحريري خلالها تشكيل حكومته، فأعتذر، ومن ثم خرج من الحياة السياسية ولم يُشارك في الانتخابات النيابية الأخيرة، وحذر كل آعضاء تيار المستقبل من المشاركة ترشيحاً واقتراعاً.
لذلك يطرح السؤال المحوري اليوم:
– هل من ستتم تسميته رئيساً مكلفاً بإمكانه خلال الثلاثة أشهر المتبقية من عمر العهد تشكيل الحكومة العتيدة؟!
هنا تكمن الأهمية بمكان لاستكشاف نوايا العهد وفريقه في مقاربة وضع حلول لأزمات الوطن في هزيعه الاخير.
فيما خص مشاورات الكتل النيابية حول من ستختار اسماً لمهمة التكليف، لم تتمظهر بعد على مستوى كل الكتل ، مما يخلق حالة ضبابية مما ستشهده الساعات القادمة على أي بر سترسو سفينة التسميات، ومن سيكون رئيساً مكلفاً في آخر حكومات العهد العوني الذي وصف ب”العهد القوي”.
وقد بات معلوماً بأن المنافسة قد أصبحت محصورة، بين القاضي والسفير نواف سلام من جهة، والذي لغاية صباح اليوم أظهرت كل من كتلتي اللقاء الديمقراطي، وكتلة نواب الكتائب، ونائبي “حزب تقدم” لمارك ضو ود. نجاة صليبا عون. ومن جهة الثانية رئيس الحكومة الحالية المستقيلة نجيب ميقاتي، والذي وفق المعلومات المتداولة هو الأوفر حظاً، حيث يسعى الثنائي الشيعي (حزب الله – حركة أمل) على تأمين أكثرية نيابية، تُسمي ميقاتي لإبقاء الأمور على حالها، مع العلم أن رئيس التيار العوني جبران باسيل يميل إلى استغلال الفرصة لفرض شروطه في الحكومة الجديدة، من خلال ابتزاز حزب الله في الحصول على مبتغاه في إبقاء وزارتي الطاقة والخارجية مع تياره، كما محاولة حصوله على الثلث المُعطِل، لكي يستمر في الإمساك بقرار الحكومة، خصوصاً فيما يتصل بانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية في حال حدوث شغورٍ رئاسي إثر انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون بعد الواحد والثلاثين من شهر تشرين الأول – أكتوبر من هذا العام