نحو مشروع ناتو عربي – شرق أوسطي
حسين عطايا
من الواضح إن مصادر القرار في عدد من الأقطار العربية، تتجه اليوم نحو اعتماد نهج عربي جديد منذ فترة، بدأت بعض تلوح ملامحه.
ففي الجولة الأخيرة لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، التي شملت مصر والأردن وتركيا، مطلع الأسبوع الحالي، جرى تناول العديد من القضايا العربية في المنطقة، التي تعيش أزمات عدة تزيدها حدة المتغيرات الجارية في الإقليم والساحة الدولية على وقع الحرب الروسية ــ الاوكرانية.
تم البحث مع مصر والأردن في القضايا المشتركة وتفعيل العلاقات في سبيل تسهيل عمليات المواجهة للتهديات التي تتعرض لها هذه الدول، وتشكيل مساحة مشتركة تسهم في نجاح عمليات المواجهة بجدية، كما أن زيارة تركيا أتت على وقع تصفير المشكلة مع تركيا، بعد قيام رئيسها رجب طيب أردوغان في شهر نيسان – أبريل الماضي بزيارة مصالحة، إثر الخلاف الذي وقع بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة العربية السعودية باسطنبول، وما نتج عنه في حينه من أزمة سياسية ودبلوماسية مع أنقرة، خصوصا أن هذه الزيارة جاءت في وقت حساس يعيشه العالم، والشعوب العربية في رأس قائمة البلدان التي تنعكس عليها تلك الأزمات، كما أنها تعد تحضيرا للقمة الخليجية، التي ستشارك فيها كل من مصر والأردن والعراق، وسيحضرها للمرة الاولى الرئيس الأميريكي جوزف بايدن، أثناء زيارته لبعض دول المنطقة، ومنها المملكة العربية السعودية.
في بداية عهد الرئيس الأميركي بايدن، شابت العلاقات الامريكية ــ السعودية بعضا من التوتر، الذي كان موجودا سابقا نتيجة مقتل خاشقجي، لكن حدته ارتفعت وزادت عليها تصرفات بعض من هم في الإدارة الأميركية الجديدة، فجاء قرار العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، الذي اعتبرته السعودية بعيدا عن مراعاة مصالحها ومصالح دول الخليج. كما أتى قرار رفع الحوثيين عن لائحة الإرهاب، مما زاد نسبة التوتر أكثر فأكثر. ومن ثم أتت الحرب الروسية ــ الأوكرانية, والتي على إثرها طلب الرئيس الأميركي من كل من الإمارات والسعودية، بحكم موقعهما في منظمة الدول المصدرة للنفط “الاوبيك”، زياة إنتاجهما النفطي، للمساهمة في خفض سعر برميل البترول الذي شهد أسعارا قياسية، بلغت إلى ما يزيد عن مئة وأربعين دولارا للبرميل الواحد.
على إثر تلك الحرب، شهدنا توترا متصاعدا للعلاقات السعودية ـ الاماراتية ـ الأميركية، وظهر ذلك إثر محاولة اتصال الرئيس بايدن بكل من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، ولم يجب الرجلان على تلك الاتصالات. أضيف إليها امتناع كل من السعودية والإمارات عن التصويت ضد روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة وعدم مشاركتهما في العقوبات المفروضة على روسيا. كل هذه الأمور مجتمعة خلقت حاجة أميركية لتسوية الوضع مع السعودية، والتي تعتبر البلد الأكبر في الخليج العربي، فأتى الحديث عن الزيارة الأميركية، والتي تأجلت قبلا، ليتم تحديد موعد جديد لها في منتصف شهر تموز – يوليو” المقبل.
من هنا يرى البعض أهمية لقاءات بن سلمان للتنسيق فيما بين مصر والأردن والعراق، ويعتبر هذا التحرك مع ما سبقه من حراك وما تلاه، خصوصا بعد زيارة امير قطر الشيخ تميم بن حمد إلى جمهورية مصر العربية يوم السبت الخامس والعشرين من هذا الشهر، وبذلك يبدو أن المصالحة المصرية ـ القطرية تمت وطويت صفحت المشكلات العربية، لينصرف القادة العرب لمعالجة عدد من الأزمات التي تواجه الأمة العربية، لا سيما الخطر الإيراني المتأتي من أذرع إيران المغروسة في عدد من الأقطار العربية، منها اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وهذه المواضيع لم تغب عن صلب المحادثات التي حصلت أثناء زيارات بن سلمان.
كل هذه المؤشرات، مع ما أدلى به الملك الأردني عبدالله الثاني، حول فكرة إنشاء “ناتو عربي أو شرق أوسطي”، تكون الأقطار العربية قد خطت للبحث نحو توحيد جهودها في سبيل توفير مظلة حماية عربية في مواجهة الأخطار التي بها وعلى مستويات عدة.
من هنا يظهر النهج الجديد الذي تتبعه بعض الدول العربية، والذي أتى بتنسيق مسبق سعودي ــ مصري ــ إماراتي ــ أردني وعراقي، كان بينيا بالمرحلة الأولى ويرتقب أن يصبح جماعيا في الفترة المقبلة، لصياغة مشروع عربي جديد، يحمل بين طياته مشروع إنشاء قوة عربية مشتركة، قد تكون بداية صياغة مشروع عربي جديد في أوقات حساسة على مستوى العالم والاقليم .
في انتظار تطورات الأسابيع القادمة، حيث سيكون الموعد في الخامس عشر من يوليو – تموز، تاريخ عقد القمة الخليجية ــ العربية بحضور الرئيس الأميركي بايدن، وما سيتمخض عنها من توجهات ومقررات تتم صياغتها، ستتضح الصورة أكثر فأكثر عما تحمله للمنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وما يحيط بها من مشاكل وأزمات، قد يصل بعضها إلى كونها أزمات وجودية تتصل بالثروات العربية وبالإنسان العربي على مساحة المنطقة من الخليج إلى المحيط، مرورا بالشرق الأوسط، مع الأمل في أن يكون ما تحمله الأيام والأسابيع يشمل رؤية مختلفة عن ذي قبل.