الحضور المغربي في التظاهرات الدولية بالجزائر: بين الرياضة والسياسة
محمد بنمبارك
منعت السلطات الجزائرية الوفد الإعلامي المغربي المرافق للبعثة الرياضية المشاركة في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران، من دخول ترابها عبر مطار وهران ليلة 22/06، بعد احتجاز الصحافيين التسعة لساعات قبل أن تقرر طردهم وإعادتهم من حيث أتوا، رغم تدخل أعضاء اللجنة الدولية لألعاب البحر المتوسط ومصالح القنصلية المغربية ومسؤولي اللجنة الوطنية الأولمبية.
هذا القرار الجزائري المتهور، الخارج عن نطاق الأعراف الرياضية والمواثيق المنظمة لمثل هذه التظاهرات العالمية، جرى بذريعة تبعث على السخرية.. ” التجسس”، عرف تنديد العديد من الأوساط الإعلامية الدولية ووسائل التواصل الاجتماعي حتى من داخل الجزائر.
في اعتقادي إن قرارا من هذا القبيل كان منتظرا ومتوقعا، فالجزائر وعلى مدى السنتين الأخيرتين افتعلت العديد من الأزمات وراكمت اتهامات خطيرة في حق المغرب، أظهرت خلالها كل أشكال الكره والعداء، وصدحت بذلك أصوات مسؤوليها السياسيين والعسكريين والإعلاميين، تجيشوا ورفعوا شعار “لا للمغرب”.
وماذا بعد.؟؟؟
كان الرد المغربي الصريح، مد يد للحوار لا غير، ثم لزوم الصمت وغض الطرف، في شكل من أشكال اللامبالاة لكل ترهات حكام الجزائر، مما يزيد في درجة الحنق لديهم، بدل التروي والهدوء والإنصات لعين العقل.
منذ الإعلان عن بدء الاستعدادات لاحتضان هذه التظاهرة الرياضية المتوسطية، المعني بها المغرب بحكم أنه دولة مطلة على الحوض المتوسطي، لاح سؤال عريض لدى الرأي العام الوطني، هل ستشارك بلادنا في هذا الحدث الرياضي بالجزائر..؟، وما هي مبررات قبول أو رفض الحضور لبلد يناصبنا العداء بعد أن قطع الأرحام والأرزاق وسد كل منافذ العبور إليه برا وجوا وبحرا وغازا….؟؟
سؤال لو استشير فيه الشارع المغربي، لجاء الرد بـ “لا” دون تردد، بالاستناد على ما يعيشه على أرض الواقع مع الجار الشرقي. لكن الحكومة المغربية كان لها رأي آخر. فبعد تفحيص وتمحيص ودراسة من كل الجوانب الرياضية والسياسية والأمنية وغيرها، اتخذت قرار المشاركة، وهو القرار الذي ربما لم تضعه السلطات الجزائرية في الحسبان، إذ كانت تعتقد أن المغرب لن يشارك لاعتبارات الحالة المزرية التي عليها العلاقات.
القرار المغربي بالمشاركة صدر دون تقديم مبررات للرأي العام الوطني، بل تعامل مع الحدث وكأنه يجري في بلد تربطنا به علاقات ودية. لكن لا بد من أن يكون لصاحب القرار المغربي دوافع من وراء قرار المشاركة، فالأمر يتعلق بـ”عدو المغرب رقم واحد في العالم”، والحرب السياسية والإعلامية في أوجها، والتربص العسكري حاضر، ومع ذلك غامر بالمشاركة ورفع سقف التحدي لعبور التراب الجزائري ورفع العلم المغربي هناك، رغم كل التحديات والإكراهات، كانت المغامرة محفوفة بالمخاطر والرياضيون المغاربة يقتحمون الديار الجزائرية وفق ترتيبات الدخول والمغادرة المشددة على المغاربة بمطاراتها.
لابد أن يكون القرار المغربي قد وضع في الحسبان كل التوقعات وردود الفعل الجزائرية، التي كان يفترض أن ترتقي إلى نخوة الترحيب وحسن الاستقبال وكرم الضيافة، وهم يتعاملون مع أبناء الشعب المغربي. فجاء رد الفعل كما كان متوقعا، طرد الوفد الإعلامي المغربي رغم الوساطات ومحاولات الإقناع، التي قابلها الإصرار على قرار الطرد والإمعان في إبلاغ رسالة إلى المغاربة قاطبة: “إن نظام جزائر اليوم يكرهكم، لا سلام ولا كلام حتى في الرياضة…”، قالتها الجزائر بكل وضوح تمشيا مع صراخ رئيسها تبون ومن أمره وجاوره.
قد يفهم البعض بعد هذا الحادث، أنه قلة احترام للمغرب تجاه إصراره على مد اليد وترك الباب مواربا، حتى لا يزيد في تغذية الخلاف، في انتظار لحظة تنظيف الأجواء والعودة إلى التعايش الحتمي، بحكم الجوار الجغرافي، لنظام لا يفهم مثل هذه اللغة، بمعنى كفى تقديم هدايا، فـ: ” لا حياة لمن تنادي”.
لكن الرسالة المغربية توخت البلوغ إلى ما هو أبعد من ذلك، هدفت إلى إجراء اختبار/ تمرين للنظام الجزائري حول طبيعة وأسلوب تعاطيه مع وفود المملكة المغربية في التظاهرات الدولية، القارية، الجهوية، الإقليمية أو القومية، المقامة على أرضه، والتي يعتبر الحضور المغربي فيها ضروريا بحكم الانتماء خارج الحسابات الجزائرية. كمحاولات الجزائر استبعاد أي دور إقليمي أو دولي للمغرب في الأزمة الليبية، لكن الحضور المغربي الوازن حلق فوق كل هذه المناورات، من خلال مؤتمرات الصخيرات وبوزنيقة التي حظيت بإشادة وتقدير ليبي ودولي.
كانت نتيجة التمرين المغربي للجزائر جيدة، فالمغرب لم يراهن كثيرا على ما سيحصده رياضيوه من ميداليات، بتظاهرة متوسطية خفت ضوءها، بل الرهان كان ولازال قائما على ظروف الاستقبال والإقامة والمغادرة للبعثة المغربية بأرض الجزائر، والإظهار للعالم كيفية تعامل السلطات الجزائرية مع وفود المملكة المغربية.
هذه الواقعة تستدرجنا إلى سؤال عريض، يجب التفكير فيه والتحضير له بكل جدية، ويتعلق الأمر بعقد مؤتمر القمة العربي شهر نوفمبر القادم بالجزائر، وهو حدث عربي على مستوى عالٍ ذو طبيعة سياسية محضة، فكيف ستتعامل السلطات الجزائرية مع وفد المملكة المغربية؟ وهل ستجري عملية التنقية والاختيار لمن يحق له العبور ومن سيطالب بالعودة؟ هل ستكون للوفد المغربي نفس الضمانات بالمشاركة أسوة بباقي الوفود العربية ؟ أم أن الأمر سيخضع لهوس حكام الجزائر، لتصبح القمة لديهم مواجهة مع المغرب حتى قبل جلسة الافتتاح؟؟؟ هل الجزائر أرادت بهذه الواقعة إبلاغ رسالة ما إلى من يهمهم الأمر بالرباط، حول المشاركة في القمة العربية؟…
أسئلة كثيرة اليوم وغدا مطروحة على الطاولة السياسية، بعد حادث طرد وفد مغربي من تظاهرة إقليمية خارج سياق الأعراف الدولية، على الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أولا استخلاص الدروس والعبر منه والالتفات إلى مثل هذه التصرفات اللامسؤولة لحكام الجزائر التي تبعثر الأوراق وتسمم أجواء القمة. على المغرب أيضا أن يتنبه للنزق السياسي الجزائري، إذ لا يمكنه المغامرة بوفد يخضع لاختيارات جزائرية. ومن دون شك ستكون الجزائر أمام تحدي عربي وامتحان مغربي جديد يزيد من حالة ارتباكها وهذيانها.
هذه الحادثة يجب أن لا ندعها تمر مرور الكرام هكذا دون تقييم، فجزائر اليوم الفاقدة لصوابها، علينا كمغاربة الانتظار منها كل سوء ولؤم، مما يقتضي توخي الحيطة والحذر حتى لا نقع في المحظور فلا هدايا بعد لمن لا يستحقها.
القمة العربية على الأبواب، إن كتب لها أن تعقد في ظروف سياسية عربية غير مشجعة، لاسيما أنها تنعقد على أرض صناعة وتغذية الخلافات. ويدرك العرب قبل غيرهم أن النظام الجزائري يريدها قمة على أجندة محلية تحجب مشاكله الداخلية. وعلى الأمانة العامة للجامعة العربية أن تهيئ الظروف المواتية لانعقاد القمة بمطالبة البلد المحتضن احترام أدبيات الاستضافة، عبر التوجيه والانضباط لأجندة عربية، كما سبق لها أن فعلت عندما أرغمت الجزائر على تأجيل القمة العربية في مارس الماضي لافتقارها لشروط التحضير الجيد.
في الختام، كل التمنيات للوفد الرياضي المغربي المشارك حاليا في الألعاب المتوسطية إلى غاية الخامس من يوليوز، بالعودة سالما إلى أرض الوطن، فسنظل في حالة ترقب، مخافة اختلاق حكام الجزائر أزمة جديدة لا قدر الله.