حزمة من التدابير لفائدة اليهود المغاربة… فهل من مزيد؟؟؟

حزمة من التدابير لفائدة اليهود المغاربة… فهل من مزيد؟؟؟

عبد السلام بنعيسي

في ختام أعمال المجلس الوزاري الأخير، قدَّم وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت عرضا أمام الملك، يتعلق بالتدابير التي تم إعدادها، بشأن تنظيم الطائفة اليهودية المغربية، وتشمل التدابير المزمع اتخاذها، إنشاء مجموعة من الهيئات، وهي المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية، وسيتولى السهر على تدبير شؤون الطائفة، والمحافظة على التراث والإشعاع الثقافي والشعائري للديانة اليهودية وقيمها المغربية.

وستنبثق عن المجلس المذكور لجان جهوية تقوم بتدبير القضايا والشؤون اليومية لأفراد الطائفة، ولجنة اليهود المغاربة بالخارج تعمل على تقوية أواصر ارتباط اليهود المغاربة المقيمين بالخارج ببلدهم الأصلي، وتعزيز إشعاعهم الديني والثقافي، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة، وكذلك مؤسسة الديانة اليهودية المغربية تسهر على النهوض والاعتناء بالتراث اللامادي اليهودي المغربي، والمحافظة على تقاليده وصيانة خصوصياته. ولقد تم إعداد هذه التدابير التي عرضت على الملك، عقب مشاورات موسعة مع ممثلي الطائفة اليهودية وشخصيات منتسبة لها، وفق ما جاء في تصريح المتحدث باسم القصر عبد الحق المريني.

قبل مناقشة دوافع ومآل هذه التدابير المتخذة من طرف المغرب، يتعين الإقرار بأن موضوع اليهود المغاربة وارتباطهم بالمغرب، بات موضوعا شائكا ومعقدا ويكتنفه الكثير من الغموض، فالمغرب لم يكن في أي لحظة من تاريخه يرفض أبناءً له لأن ديانتهم يهودية، فلقد استوطن اليهود في المغرب قرونا طويلة، وكانوا متعايشين ومتعاونين مع أشقائهم المسلمين، وكان منهم المكلفون بمهمات في مناصب عليا في الدولة المغربية، وكانوا يؤدون، على مرِّ التاريخ، العديد من الوظائف السامية، مثل الطب، والمحاسبة المالية، والاستشارة، في داخل قصور السلاطين.

لكن المشكل في حزمة التدابير المزمع اتخاذها، يكمن في الإعلان عنها، مباشرة عقب التطبيع الرسمي المغربي مع الدولة العبرية، كما أن الإغداق على اليهود المغاربة بهذه التدابير دفعة واحدة، وفي هذه الظرفية بالذات، وبهذا الشكل المثير، يترك الانطباع وكأنه إغداق جاء تتويجا للمسار التطبيعي المغربي مع الكيان الصهيوني، فإذا كان المقصود باليهود المغاربة أولئك الذين يعيشون في فرنسا، وهولندا، والولايات المتحدة الأمريكية، وفي البرازيل، وكان لديهم حنين للعودة إلى وطنهم، ورغبة في صلة الرحم مع ذويهم، فالأمر هنا لا يثير أي اعتراض…

 أما إذا كان المقصود باليهود المغاربة الصهاينة المستوطنين المغتصبين لفلسطين، فهنا يكون الأمر مختلفا، فنحن أمام يهود مجرمين في غاليتهم الساحقة، وأياديهم ملطخة بدماء أبناء الشعب الفلسطيني، ومنهم من لا يقدر على السفر إلى أوروبا خوفا من الاعتقال، لأنه موضوع متابعة من طرف القضاء الغربي، بسبب جرائم اقترفها ضد الفلسطينيين…

 فكيف تقبل الدولة المغربية من هؤلاء القيام بزيارات للمغرب؟ كيف ترحب بهم وتكرم وفادتهم، ومنهم المتهمون باقتراف جرائم ضد الإنسانية؟؟ حين تتصرف الدولة المغربية على هذا النحو، ألا تكون دولة لا تطبق القانون ضد خارقيه؟ ألا تصبح الديانة اليهودية بمثابة المظلة التي تحمي اليهود حتى إذا كانوا مجرمين وتحصنهم من المتابعة القضائية، في حين لا يتيح الإسلام لمعتنقيه في المغرب هذه الاحتمالية؟ ألا تعدو مرتبة اليهود المغاربة، بحكم الواقع، وكأنها أعلى بكثير من مرتبة المسلمين المغاربة؟؟

لا أحد من أفراد الشعب المغربي يعارض مساعدة اليهود المغاربة بلادهم على النفاذ الى مراكز القرار الدولي سواء في المجال الاقتصادي أو المجال السياسي إذا كان حقا لعصبتهم نفوذ داخل مراكز القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، ولقد سبق للعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني أن استقبل، مرارا، في منتصف السبعينات أفرادا من الجالية اليهودية المغربية، ودعاهم إلى دعم المغرب في معركته من أجل الحفاظ على وحدته الترابية، ولم يفدنا بتاتا الإعلام الرسمي بنتائج هذه الدعوة التي صدرت عن الملك الراحل…

 وإذا وقع تجديد نفس طلب المساعدة من العاهل الحالي محمد السادس، فإن المتعين هو أن تكون بواعث هذه المساعدة من جانب اليهود المغاربة لبلدهم المغرب، بواعثَ وطنية خالصة، وألا تبدو وكأنها مقرونة ومشروطة بالتطبيع المغربي مع دولة الاحتلال، فهذا سيسمى ابتزاز، وهو بعيد بعد السماء، عن الوطنية الصادقة الغراء.

قال ذات يوم القيادي اليساري البارز محمد الساسي: من يحب ملكه ينبغي عليه مصارحته بالحقيقة، والحقيقة المجردة هي أن ولاء اليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل هي لدولتهم إسرائيل، فجهودهم كلها منصبة في هذا الاتجاه، ولا يمكن التعويل عليهم كثيرا من جانب المغاربة في قضية الصحراء، إنهم مثلهم مثل اليهود الروس، حين اندلعت الحرب الروسية مع أمريكا وأوروبا في أوكرانيا، لم يتردد هؤلاء اليهود من أصول روسية، لحظة واحدة، في الاصطفاف وراء دولتهم إسرائيل، إلى جانب أمريكا والغرب، وطعنوا وطنهم الأصلي روسيا في الظهر، فلماذا لا يتصرف اليهود المغاربة على نفس المنوال، إذا اقتضت مصلحة دولتهم، بتر الصحراء عن المغرب؟ 

عندما قرر المغرب رئاسة لجنة القدس، فإنه اختار تلقائيا، وبمبادرة ذاتية منه، ترتيب التزامات سياسية وأخلاقية على نفسه، وعلى رأس هذه الالتزامات الدفاع عن مدينة القدس باعتبارها قبلةً للمسلمين، ويفرض القيام بهذه المهمة رفض المغرب القاطع استقبال الإسرائيليين الذين يهدمون أحياء مدينة القدس ومنازل المقدسيين، ويهجرونهم منها ليحلوا مكانهم في المدينة. استقبالهم، تحت تعلة، أنهم يهود مغاربة، أمر غير مقبولٍ سياسيا وأخلاقيا… قبول المغرب وجود هؤلاء الغلاة في تطرفهم بأرضه، وهم الذين يعتدون على الفلسطينيين في مسجدهم الأقصى، ويقومون بالحفر في أساسياته لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم مكانه، ألا يمكن أن يعني عدم رفض المغرب لما يقترفونه من آثام في القدس، وهو رئيس لجنتها؟

بعيدا عن القضية الفلسطينية، وبدوافع وطنية خالصة نقول: ليس من مصلحة المغرب أن تكون قضية أقاليمه الصحراوية مرتبطة بأي شكل من الأشكال مع ممارسات دولة الاحتلال المسماة إسرائيل، العالم كله يعلم أن إسرائيل دولة عنصرية وأبارتايد، وهي ترتكب في كل لحظة وحين، الجرائم المروعة في حق الفلسطينيين، ومع ذلك يوفر لها الغرب الحماية، ويحول دون تحملها تبعات أفعالها الإجرامية، في حين تنعم الساكنة المغربية في الأقاليم الصحراوية بكافة حقوقها ككل أشقائها في باقي جهات الدولة المغربية…

 فهل إذا ترسخ، عن طريق الخطأ أو الخلط، في ذهن الرأي العام الغربي وغير الغربي، أن الممارسات المغربية في الصحراء، تُشابِهُ الممارسات الصهيونية في فلسطين، وأنها تماثلها، فهل يملك المغرب ما يضمن له عدم التعرض للمساءلة وللمحاسبة وللعقاب، وبما قد يكون له أثر سلبي كبير على مساعيه في الحفاظ على صحرائه؟؟؟

وإذا تجاوزنا كل هذه المطبات والمنغصات، وقبلنا استقبال اليهود المغاربة رغم الجرائم المرتكبة من جانب العديد منهم، وجعلنا منهم مواطنين مثلنا، فهل سيتفضل هؤلاء اليهود المغاربة بالنضال مع كافة إخوانهم المغاربة المسلمين، من أجل تحديث المغرب، وإرساء أسس الديمقراطية الفعلية والمتينة فيه، وهل سيكونون إلى جانب الشعب في كفاحه من أجل رفع الظلم الطبقي المفروض عليه من طرف الأقلية المستولية على الثروة والسلطة، أم أن اليهود المغاربة سيصطفون إلى جانب الطبقة السائدة، لتكريس السلطوية، والاستفادة من ريعها، ولتزكية الفساد، والفوارق الطبقية التي تعدت في المغرب كل الحدود؟؟؟

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة