الناشر المغربي- الألماني عبد الفتاح فتح الله باغول يدافع عن دمقرطة الفن

الناشر المغربي- الألماني عبد الفتاح فتح الله باغول يدافع عن دمقرطة الفن

باريس-المعطي قبال

ثمة من يعرف سبب رحيله عن البلد فيما يجهل البعض الأخر  أسباب ومبررات خوضه لغمار الهجرة عن ديار الأصل. إن كانت المبررات الاقتصادية مهيمنة في رغبة الهجرة (الخروج من ورطة البؤس وتحسين المعاش) فإن البحث عن التكوين، التطبيب، العيش في فضاء حر وديمقراطي هي أيضا من المبررات البارزة. اليوم تحلم الأغلبية اللحاق بالشط الشمالي للمتوسط بالرغم من المخاطر، واحتمالات الموت أو الوقوع بين أيدي مافيات تدفع بالمرشحين إلى هلاك اللجاج أو معسكرات اللاجئين. ما بين البارحة واليوم تغيرت ملامح المهاجر والهجرة، تغير الحلم، دخلنا في زمن الأقاصي والقسوة، لم يعد الشمال قطبا للضيافة أو للجوء السياسي والإنساني. شاعت العنصرية والشعبوية والنبذ وأصبح على المواطن الوافد من الجنوب أن يقاوم من أجل إثبات حضوره في المشهد العام.

لا يمكن الحديث عن الهجرة إلا بصيغة الجمع.. كما أن الهجرة قضية أفراد ومصائر شخصية. ولأسباب تاريخية وسياسية، بقيت الهجرة إلى فرنسا في المتخيل المغربي المرجع المهيمن وذلك على حساب أشكال وتجارب أخرى وفرتها بلدان مثل أمريكا، إنجلترا، ألمانيا، إسبانيا، إيطاليا الخ… فما يعرف عن الدياسبورا المغربية بفرنسا لا يعرف عنها بألمانيا. ومع ذلك يشكل ما يسمى بمغاربة العالم بألمانيا طاقة خلاقة  على المستوى الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي، الإبداعي والفني. يعتبر عبد الفتاح فتح الله باغول من بين العناصر المميزة المحسوبة على العمل الفني بمعناه العام. بقي متشبثا بثنائية انتمائه المغربي-الألماني ومفتخرا بها. وصل إلى بلاد غوته قبل 38 سنة للدراسة لكنه ما لبث أن حط بها الرحال عاشقا لطبيعتها، لشعبها، لثقافتها الثرية وفنونها المتعددة والمتباينة.  

في بلاد غوته

ويعود عبد الفتاح فتح الله إلى مساره ليقدم الخطوط العريضة لمشواره الشخصي والفني: أنا سليل عائلة متوسطة. توفي والدي عام 1976 إثر حادثة سير. تتكون عائلتي من 9 أفراد تكلفت والدتي بتربيتهم. كان الأب مقاولا. تابعت دراستي الابتدائية بمدرسة جسوس بالرباط وكانت مدرسة نموذجية لمزدوجي اللغة. بعدها درست بثانوية مولاي يوسف. بعد حصولي على شهادة الثانوي، فرضت علي الإدارة،  كلغة ثانية، اللغة الألمانية. تسجلت بالمركز الثقافي الألماني غوته. وحصلت على دبلوم المركز عام 1982، كما تابعت لسنتين محاضرات في قسم اللغة الفرنسية بجامعة محمد الخامس. لما وصلت إلى ألمانيا اضطررت إلى إعادة الدبلوم  بجامعة يوهانس جوتنبرج لأن شهادة الباكالوريا غير معترف بها في ألمانيا. بما أنني كنت مولعا بالفن، تركت دراسة الاقتصاد لأتفرغ للفن كناشر لكاتالوجات لوحات كبار الفنانين العالميين. تجسد هذا الولع أيضا في القراءات وفي الحضور والمشاركة في محترفات فنية تشكيلية بألمانيا وجنوب فرنسا وبكورسيكا. وكانت مينا لورن السيدة التي أحرزت أكبر جائزة في المناجمنت هي التي أشرفت على تكويني. اشتغلت لمدة أربع سنوات بمنشورات شوماخر والتي يرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 1830. بعدها قررت إطلاق دار نشر باسمي. ولم تكن العملية مريحة بسبب كوني مغربي، ومن أصول عربية-إسلامية-إفريقية. نجحت مع ذلك في التغلب على الكثير من العراقيل. اشتغلت مع فنانين إيطاليين، ألمان، أمريكيين، فرنسيين. أقمنا معارض بباريس، ميلانو، ميامي، برلين، زوريخ، فيينا. اشتغلنا مع مجموعة من الغاليريهات التي أصبحت ركيزتنا من خلال أشخاص يشتغلون معنا ويمثلون دار باغول للنشر التي أقفلت 22 عاما من عمرها. كما عرضنا في مجموع ألمانيا، سويسرا والنمسا وفي العديد من دول أوروبا وأمريكا. بألمانيا، الكل ينتظر صدور إنتاجنا الجديد. حيث يقدر عدد قاعات العرض ب 120 صالة تنشط في مجال الفن.

ومع ذلك يبقى المهجر نعيما   

أؤمن بازدواجية الهوية اللامتجانسة التي تحدث عنها أمين معلوف. عشت بالمغرب 21 سنة فيما عشت بألمانيا 36 عاما. عشت بألمانيا أكثر مما عشته في المغرب، الشيء الذي مكنني من النهل من الثقافة والحضارة الألمانية: الدراسة بالمجان، الشغل بمؤسسات منحتنا فرصا لا تعوض… على أي ثمة جزء كبير من المهجر هو الذي ساهم في تكويني. بألمانيا لا أشعر بأية غربة بل أحس أنني في بلدي الذي منحني فرصا ثمينة. من الصعب الحكم على المهجر بأنه نوستالجي، عنيف وعنصري. لا يندرج المهجر في أية قطيعة، بل يضع المهاجر في وضعية المابين. ما بين الهنا والهناك.  اهتمامي بالفن الألماني لم يحل بيني وبين اهتمامي بالفن المغربي. وفي أحد الأيام وعن طريق الصدفة شاهدت مقابلات مع الفنان ماحي بينبين على موقع يوتيوب وراقت لي تصريحاته وأفكاره. بعثت له بإيميل وحصل بيننا لقاء بمراكش ترتب عنه عمل مشترك.

من أجل دمقرطة الفن

عن سؤالك فيما يتعلق بفتح قاعة للعروض الفنية بأحد المدن المغربية، أجيبك أنني غير متخصص في مجال الغاليريهات بل أنا ناشر أختار واهيء العمل الفني للرسام قبل نسخه بتقنيات حديثة ثم طبعه وتسليمه لصاحب الغاليريه. طموحي هو دمقرطة الفن، وضعه في متناول الأغلبية، تسويق نتاج الفنانين داخل المغرب وخارجه. ولنا في مثال عرض الفنان ماحي بينبين بمدينة كاسل، أحسن مثال. ونعد لإصدار كاتلوج يجمع بين أشعار محمد بنيس ورسومات محمد المرابطي. كما أن هناك مشروع حول النتاج الفني لفؤاد بلامين.

من خلال رؤيتي للفن بالمغرب لاحظت أن هذا الفن سجين طبقة جد محدودة تتوفر على إمكانيات مادية هائلة. كما أن هذا الفن يفتقر إلى تقنيات طباعة الشاشة «السيريغرافيا» وثقافة الليتوغرافيا (الطباعة الحجرية)، حاولت إقناع الفنانين الذين اشتغلوا معي بإنجاز نسخ من لوحاتهم بناء على هذه التقنيات وبيعها بخصم عشرة في المائة من قيمتها. وهذا في حد ذاته مساهمة في دمقرطة الفن. أي أن الأشخاص الذين لا يملكون الإمكانيات المادية يمكنهم اقتناء لوحات قد يتمتع بها أطفالهم. هكذا يمكنهم تذوق والتمتع بالفن الذي ينحصر في نطاق فئة معينة. وفي هذه العملية مساعدة للغاليريهات أيضا وذلك بوضع  نتاج فنانين مميزين تحت تصرفها. إنها الفلسفة المنشودة. هكذا يمكن تعميم الفن من دون تمييعه. بمعنى أنه عبر منشورات باغول، يمكن لهؤلاء الفنانين التعبير عن فلسفتهم الفنية.

القطيعة مع المضاربات

يلاحظ على مستوى اخر أن ثمة فوضى في السوق، وأيضا انعدام الاحترافية،  لا على مستوى النشر ولا على مستوى نوعية وقيمة استيتيقا المنتوج الفني. المطلوب إذا هو توفير تقنية وجمالية راقية حتى نخرج من التعامل السوقي والمضارباتي مع المنتوج الفني. لذا علينا تغيير مقاييس التعامل في اقتناء اللوحة. يجب إحداث القطيعة مع «البزنسة» لإدخال عامل المتعة.  بالمغرب ثمة ظاهرة منتشرة على نطاق واسع ألا وهي ظاهرة المضاربين في مجال الفن. طموحنا أن يتكاثر الناشرون في المغرب وأن يجدد ويحسن المتواجدون في الساحة من فنية عملهم. كما أن عليهم إعطاء فرص للشباب والخروج من السوق المألوفة والمكرورة التي تحتكرها كمشة من المضاربين، لخلق سوق جديدة عمادها وقوامها الفنانون الشباب.

Visited 41 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".