عندما سخر الشاعر قاسم حداد من وفاة محمود درويش؟!

عندما سخر الشاعر قاسم حداد من وفاة محمود درويش؟!

إسماعيل طاهري

في نصوص نشرها الشاعر البحريني الكبير قاسم حداد في الموقع الإلكتروني لمجلة “الفيصل” السعودية تحت عنوان: كتاب المنسيات* أدرج نصا/ قصيدة تحت عنوان “الشاعر” يسخر فيها من موت شاعر اسمه محمود. وتضمنت القصيدة عدة قرائن توحي بأن المقصود هو محمود درويش. فالشعر نادرا ما ينجو من “المعادل الموضوعي.

يقول في مقطع:

“محمود ماتَ

وتسعون محمودًا ماتوا

غير أن القصيدة باقية”

والواقع أن عددا قليلا من الشعراء بلغوا مرتبة محمود درويش في ديوان العرب منذ عصر الجاهلية وفي كل حال لن يبلغوا التسعين.

كيف يجرؤ الشاعر قاسم حداد على ختم قصيدته بالقول:

من ينقذ الموت منا

أليس في هذا الفول استصغار لحدث رحيل شاعر كبير حول شهر آب/غشت الى مأتم للشعراء كما جاء في القصيدة، لأنه الشهر الذي مات فيه الشاعر محمود (درويش).

كيف تذهب القصيدة الى القول أن الشاعر محمود يرتاح في موته. فهل هناك شاعر يحب الموت ليرتاح بين أحضانها وإلا لماذا كان أسرع من وقته؟ أليس الشعر والإبداع أرقى مقاومة ضد الموت؟

محمود أسرع من وقته

محمود يرتاح في موته

لا يأمنُ العسكرَ

ولا يستجيب لقنفذة المقعد الوطنيّ

فهل من يدخل القصيدة بخطوات عسكرية يحب الموت المجاني وهو يخدم عقيدته بانضباط عسكري؟

يدخل قصيدته بالخطوة العسكرية

أعتقد أن سلوك الشاعر في القصيدة ودخوله غمار القتال كان بهدف تنزيل أحلامه على أرض الواقع مهما كانت أهوال وشدة القتال.

لكن الشاعر قاسم حداد يحمل الشاعر مسؤولية موت رفاقه المقاتلين في ساحة الشرف والسبب”خطواته العسكرية” وعدم “إتقانه فن الفر.

يقول حداد:

غير أن المقاتل لا يُحسن الفَرَّ

قتلى كثيرون أدّوا التحية

ثم ماتوا

إثر خطوته العسكرية.

ويبدو  أن الشاعر المذكور في قصيدة قاسم حداد، وعنوانها”الشاعر”، انطبقت عليه بعض علامات الشاعر محمود درويش. الذي توفي في شهر غشت (آب)، بعد سنوات من انسحابه من المعترك السياسي الفلسطيني، وترك حصانه وحيدا. وفضل انسحابه على “قنفدة الكرسي الوطني“.

يقول نص حداد:

يُرخي لجامَ الحصان

ويتركه

يَجُوسُ السهولَ بحرّية الريح

يكتب سطرًا

ويستأنس الشعر حقلًا من «الخَبب» المستريح.

وهذه من القصاىد النادرة التي سخرت من موت هذا الشاعر الكبير الذي تحل ذكرى رحيلة يوم 9 غشت من كل سنة.

ولو لم يكن محمود شاعرا كبيرا لما تحول إلى موضوع شعر شاعر عربي كبير من عيار قاسم حداد.

فهل دخل “الشاعر” محمود درويش فعلا “كتاب المنسيات” كما ذهب إلى ذلك قاسم حداد بعد 14 سنة من رحيله؟

 ______________

1* قاسم حداد: من كتاب المنسيات. الشاعر.( بتاريخ1 يوليوز 2022)

2- رابط كتاب المنسيات على موقع مجلة الفيصل.

3- ملحق

الشاعر

يدخل قصيدته بالخطوة العسكرية

يُؤدي التحية

يُرخي لجامَ الحصان

ويتركه

يَجُوسُ السهولَ بحرّية الريح

يكتب سطرًا

ويستأنس الشعر حقلًا من «الخَبب» المستريح

مثل خيلٍ سيترك حربًا

ويجري إلى معركةٍ في القتال الجريح.

في الخطوة العسكرية

ستأتي البقية في النص

يأتي الحصانُ الترِيكُ

لجنَّة إسطبله

حيث يسوس الخيولَ

كمانٌ كسيرُ الجناح

وتَخضلُّ قلنسوةُ البيرق الفضّ

لفرط القتال

غير أن المقاتل لا يُحسن الفَرَّ

قتلى كثيرون أدّوا التحية

ثم ماتوا

إثر خطوته العسكرية

محمود أسرع من وقته

محمود يرتاح في موته

لا يأمنُ العسكرَ

ولا يستجيب لقنفذة المقعد الوطنيّ

لا يشغله القتلُ عن الشكل

بين يديه وأقلامُه المالحة

لغةٌ صالحة

لتحويل «آب» إلى مأتم الشعراء

لئلا يباهون بالنَّعي

محمود ماتَ

وتسعون محمودًا ماتوا

غير أن القصيدة باقية

والعصافير باقية

والخيول ستبقى

لتأتي الهوينا

«خبب» على مهلها

ليستْ على عجلٍ

ستأتي

مثل «المهلهل»

تغزل الشعر في جعلكات القميص

ويهذي حتى تصير القصيدة

مقعده في جهنم.

محمود نارٌ له

ونارٌ عليه

جمرته الوطنية

عصيّة.

تذكرته يومَ (افتكره الله)

حين باغتني الصديق المغربي المهاجر:

(محمود مات)

فمن ينقذ الموت منا؟

قاسم حداد

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

اسماعيل طاهري

كاتب وباحث من المغرب