فرنسا والسياسة العبثية واللاإنسانية للهجرة
باريس- المعطي قبال
كان من المفروض أن يطرح وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان في شهر أكتوبر مشروع قانون حول الهجرة عرض الوزير خطوطه العريضة، المتشددة، في مقابلة مع صحيفة لوفيغارو. لكن الوزارة الأولى تدخلت لتقترح إرجاء هذا المشروع إلى أجل أخر حتى تتم استشارة النقابات والجمعيات المدنية والحقوقية في المقترحات التي يتضمنها. من جهته رغب إيمانويل ماكرون بدوره في تأطير هذا المشكل العويص والمعقد الذي لم يجد له الرؤساء السابقون حلا. لذلك استدعى يوم الخميس الماضي إلى قصر الإليزيه رؤساء الشرطة ليعرض أمامهم الخطوط العريضة لسياسته حول الهجرة وحق اللجوء. وقد توجه بالكلمة لهؤلاء الموظفين الساميين، ليفصل أمامهم الحديث في التوجه العام لهذين الورشين الذين ينوي فتحهما في ظل الظرفية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تجتازها فرنسا. ويأمل ماكرون أن ينجح فيما أخفق فيه سابقوه.
بخصوص حق اللجوء أشار الرئيس الفرنسي أن «ثمة قانون يتعلق باللجوء،سيتم طرحه في مستهل العام القادم. سياستنا اليوم سياسة عبثية يقول الرئيس ماكرون، غير ناجعة ولا إنسانية. تقوم هذه السياسة على وضع النساء والرجال الوافدين الذين يوجدون في بؤس مدقع في الأحياء الأكثر فقرا. علينا إصلاح الإجراءات القانونية للإسراع بحل مشاكل الطلبات وهذا شيء ضروري. كما يجب الحفاظ على الحقوق الأساسية لكل شخص، لكن يجب الإسراع حتى يمكن محاربة جميع الممارسات المماطلة».
وشدد ماكرون على إدماج الوافدين الجدد بواسطة الشغل وتعلم اللغة الفرنسية. كما دافع عن التوزيع المتكافئ للأجانب على التراب الوطني وبخاصة في المجالات القروية التي تعرف نقصا في السكان . كما وعد بتحسين سياسة مرافقة الأجانب الذين يوجدون في وضع غير قانوني إلى الحدود. وأكد رغبته إرسال رسالة واضحة إلى بعض الدول بأن فرنسا شرعت في تعزيز سياساتها بوضع شروط منح التأشيرات مقابل استعادة الدول لرعاياها الذين يوجدون في وضع غير قانوني، بدءا من أولئك الذين يخلون بالقانون العام»، والحديث موجه إلى البلدان التي ترفض منح التصاريح الضرورية لعودة رعاياها المطرودين من طرف فرنسا. على أي يستدعي هذا الخطاب عدة ملاحظات:
– من هم الأجانب أو طالبي اللجوء الذين يتحدث عنهم ماكرون. هل هم الوافدون من دول مثل أفغانستان، أكراد العراق وتركيا وبعض الأفارقة الذين تعتبر بلدانهم مسرحا نشطا لبوكو حرام أو القاعدة أو التي تعرف معدلات مرتفعة للجريمة والاغتيالات. هل هم السوريون، الإيرانيون؟ ويشار إلى أن قسما من المغاربيين يستثنون من قائمة حق اللجوء بحكم أن التوترات واقعة بين الدول وليس داخلها- لذا ستتشدد فرنسا أكثر في «استقبال» «الحراكة»، الذين تعتبرهم مهاجرين لا شرعيين وبالتالي يجب طردهم بدعوة بلدانهم منحهم تصاريح للعودة. المعروف أن الحراكة المطرودين من الباب يعودون من النافذة. على أي فهذه السياسة من شأنها تشجيع وتعزيز الهجرة السرية.
– حق اللجوء: هل هناك حاجة إلى قانون جديد في الوقت الذي يتطلب الأمر تطبيق قانون 2018 وذلك بتحسين ظروف الاستقبال عوض الدفع باللاجئين إلى الخلاء أو إلى معسكرات أوغابات تتعاقب عليها بقسوة بالغة الفصول الأربع؟ الرهان إذا هو ضمان استقبال يليق بكرامة اللاجئين مع المعالجة السريعة لملفاتهم قصد إيجاد حلول للمشاكل التي تطرح على المستوى الإداري وعلى قلة الإمكانيات. إن سياسة الأرقام القاضية بطرد أكبر عدد ممكن من اللاجئين أو المهاجرين الذين هم قيد طلب اللجوء، أبانت عن فشلها وستبقى سياسة بلا مستقبل.
– توزيع الأجانب على مجموع مناطق فرنسا: تتطلب هذه الخطوة استشارة الجماعات الجهوية والمحلية مع فتح حوار معها لاستقبال حصة من الراغبين في الإقامة بهذه الجهة أو تلك. هذا يتطلب إمكانيات وميزانية تجند للتعليم ولتشغيل هؤلاء الأجانب. لكن العائق الرئيسي الذي سيطرح أمام الرغبة في تطبيق هذا المقترح يتمثل في رفض الجهات والولايات التي يسيرها اليمين واليمين المتطرف. سيواجه بالكاد التجمع الوطني التابع لمارين لوبان هذا المقترح بالرفض المطلق واستغلاله لمهاجمة ماكرون بحجة أنه «يشجع المهاجرين على أكل خبز الفرنسيين»!
– لم يغير ماكرون بالرغم من تذمر المغاربة من سياسة الرقابة والمراقبة، من موقفه غراما واحدا. بقي هذا الخطاب على نفس الخط الذي سطره من قبل بمعية وزير الداخلية: منح التأشيرات مقابل استرجاع المغرب لمهاجريه الغير شرعيين. وهو ما رفضه المغرب إلى الآن لأسباب هي موضع تجاذب بين الطرفين.