الأزمة اللبنانية تتصاعد…

الأزمة اللبنانية تتصاعد…

أحمد مطر
يبدو أن مسلسل الأزمات الذي يتخبط به البلد، منذ 17 تشرين، ما زال يزداد تفاقماً بالتماهي مع ما هو آت في القريب من الأيام، من تحديات أكثر صعوبة وأشد تعقيداً، ومن مواجهات صاخبة ومتصاعدة بالنظر الى الواقع الدولي والاقليمي، وانعكاساتها على الواقع الداخلي حيث الجميع داخل في خضم فوضى سياسية ومالية وامنية، ليس من السهل التكهن بحجم شراستها ونتائجها السلبية على كل صعيد. 
وهنا لا بد من التأكيد على أن إتفاق الطائف كان نقطة تحول إستراتيجية واساسية في مجرى الاحداث والتاريخ الحديث، لا بل انه شكل  الحدث الأهم الذي شهده لبنان في اواخر ثمانينيات القرن الماضي، وإذا كانت تلك المرحلة حافلة بالأحداث لكن حدثان كبيران بقيا مطبوعان في ذاكرة اللبنانيين الجماعية اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 واتفاق إنهاء الحرب في العام 1989.
إن أهمية اتفاق الطائف لا تكمن فقط في انه أوقف الحرب المؤلمة والمدمرة التي حصدت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين، وانما تكمن ايضاً في انه اطلق الجمهورية الثانية وادخل تعديلات أساسية على النظام اللبناني الذي بقي نظاماً طائفياً لا بل زاد طائفية ومذهبية ولكن وفق توزيعات جديدة للأدوار والحصص والأحجام.
من الممكن أن تختلف الآراء حيال اتفاق الطائف، ولكن يكفي ان اتفاق الطائف وضع حداً للحرب ولم يكن متوافراً في حينه الا مثل هذه التسوية الواقعية سواء كانت تعكس الواقع، واقع نتائج الحرب وتوازنات ما بعدها، او كانت بمثابة امر واقع.
ان اتفاق الطائف شكل تسوية أفضل الممكن ولم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وتحديداً للمسيحيين الذين خسروا عملياً الحرب بسبب خلافاتهم وحروبهم الدموية والاخوية المدمرة وانقساماتهم الداخلية والتي اوصلتهم الى ما هم عليه، وبالرغم من كل ذلك فإن الطائف حافظ لهم على صدارة المشهد اللبناني وعلى مواقع أساسية في الدولة وخصوصاً رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، مقابل خسارتهم لبعض صلاحيات الرئاسة التي انتقلت الى مجلس الوزراء مجتمعاً، فإنهم ربحوا ضمانة أساسية تتمثل في المناصفة التي كرسها الدستور والعرف بين المسيحيين والمسلمين بغض النظر عن العدد والحجم، وهذا في حد ذاته عامل طمأنينة وثقة ويعني ان المسلمين يريدون الشراكة الفعلية مع المسيحيين شركائهم في الوطن وعلى قاعدة التوازن وحفظ خصوصيات وحقوق الجميع.
المشكلة ليست في مضمون الطائف ونصوصه وانما هي موجودة في مكان آخر وناتجة في رأينا عن أمرين أساسيين .
الأول يتعلق بما أصاب المسار التطبيقي للطائف وعملية تنفيذه، من تحوير وحرف عن المسار الأساسي وروحيته الفعلية، وحصل ذلك نتيجة تطورات وأحداث هامة . بدءاً من اغتيال الرئيس الشهيد رينيه معوض وصولاً الى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ، وبعدما كان الطائف نتاج تفاهمات إقليمية ودولية انتهى به المطاف ليصبح واقعاً تحت تأثير ونفوذ دمشق التي تحكمت بمفاصل الدولة وسلطة القرار.
الثاني يتعلق بعدم تطبيق أجزاء واسعة وبنود مهمة في اتفاق الطائف، والتي لو طبقت لأحدثت فرقاً ملحوظاً ونقلة نوعية وخصوصاً في مجال الإصلاح السياسي والإداري وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنماء . 
إن اتفاق الطائف اليوم بحاجة الى تطبيق وليس الى أي شئ آخر، فليطبق أولاً كاملاً قبل الدعوة الى أي صيغ أخرى ، وإذا كان من حاجة ومبرر لإدخال تعديلات بهدف تطويره فان ذلك ممكناً لانه بالنهاية ليس نصاً قدسياً لا يمكن المساس به ، لكن المشكلة بالاساس ليست في نصوص وبنود الطائف وإنما في ممارسات الحكم وطريقة إدارة الدولة واتخاذ القرارات والعلاقة بين السلطات.
أن لبنان يواجه أزمة في ذهنية الطبقة السياسية ، غير القادرة على استيلاد حلول ومعالجات لسائر مشكلاته الماثلة في مختلف المرافق والقطاعات، نجد أن المسؤولين منشغلون بتسجيل النقاط، والتباري في الهجاء، وكأن الحنين شدهم إلى الجاهلية الأولى، وإلا كيف نفسر هذا الكم من التراشق.
أزمة تشكيل الحكومة تفصيل صغير في أزمة طبقة سياسية كرست  معادلات شوهاء في الممارسة السياسية وما سوق عكاظ القائم إلا بعض تجليات تجاوز دور الدولة ، بلد تتحكم فيه “ديموقراطيات” الطوائف هو أعجز من أن يشكل حكومة أو ينتخب رئيساً ، دون وصي خارجي، بلد تتعدد ولاءات أبنائه بين دول تعيش أزماتها من خاصرة الصراع الإقليمي والدولي، سيظل مترنحا وآيلا في كل لحظة إلى السقوط في أزمات المنطقة.
وفي غمرة الفولكلور اللبناني وممارسة السياسة بعقلية الاستئثار وبث الفرقة وتسعير المواقف وتحديد الأحجام والحصص، وكأن البلاد سائبة بين من يتناتشون المواقع والمناصب، أو هي كذلك بالأعراف الجديدة، وقد تكرست مع ما جاد به أرباب الدولة منذ اتفاق الطائف إلى الآن.
أخيراً يمكننا القول إن ثورة 17 تشرين وضعت الصيغة اللبنانية على مشرحة البحث. وعليه، سارعت جهات محلية وخارجية إلى إعداد دراسات وتصورات حول مستقبل الكيان اللبناني ونظامه. وتجتمع كل هذه الجهات على خلاصة واحدة، مفادها أن أي تغيير حقيقي في الصيغة، أو إجراء تعديل جذري في اتفاق الطائف، يحتاج إلى عاملين. إما حرب أهلية، تغير موازين القوى وتفرض موازين جديدة تثبت بالنصوص. وإما توافق وطني ودولي جامع على فكرة التغيير. النقطتان غير مطروحتين حالياً، بالنظر إلى الوقائع المستمدة من مواقف داخلية وخارجية ، لذلك لا بديل عن اتفاق الطائف اليوم بعدما أصبح اساساً للاستقرار الوطني.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني