مهرجان طنجة الدولي للشعر.. ملتقى ثقافي متجدد

مهرجان طنجة الدولي للشعر.. ملتقى ثقافي متجدد

  الصادق بنعلال

تشكل التظاهرات الثقافية والشعرية على وجه التحديد محطات مفصلية في مسار استجلاء أبجديات الكون والإنسان والحياة، انطلاقا من كون الشعر صوغ لغوي جمالي مخصوص، وموقف راجح من العالم، وانتصار للمشترك البشري وانحياز للقيم بالغة الرفعة والجلال!

   وفي هذا السياق، وبعد مرور عشر سنوات على مهرجان طنجة الدولي للشعر، يمكن القول بأنه أضحى مكونا من مكونات الإنجاز الثقافي المغربي، بفضل مشاركة عديد الشعراء والنقاد الوازنين والمنتمين إلى دول عربية وأجنبية في مختلف دوراته السابقة، فضلا عن الأنشطة الثقافية الموازية له وبالخصوص جائزة الشعراء الشباب. وبالعودة المتأملة الفاحصة للمحتوى العام للدورات المشار إليها سابقا نستنتج بعض الملاحظات الإيجابية، المتمثلة في استنبات تجربة إبداعية في قلب مدينة طنجة التي اشتهرت بالحركية الاقتصادية والتجارية والسياحية أكثر من الممارسة الثقافية بالمعنى العميق، وفي الأثناء نلاحظ أيضا أن أمام هذا المهرجان الثقافي الواعد مشوار طويل من أجل اجتراح مواضيع وقضايا فنية وجمالية ذات الصلة بالأسئلة الصعبة التي يطرحها واقع الصوغ الشعري عالميا، والمناداة على المبدعين الكبار وطنيا وعربيا ودوليا بغض النظر عن اختلاف ذائقتهم الجمالية والرؤيوية .

   بمجرد انعقاد دورات هذا الملتقى الشعري الكبير بشكل منتظم ومتواصل هو في حد ذاته إضافة ملموسة للمعطى الثقافي، فنحن في أمس الحاجة إلى هكذا لقاءات فنية رفيعة، تنزع نحو نشر الوعي الجمالي والإبداع الرفيع في زحمة الانشغال اللامحدود بالاهتمامات الضيقة والجري وراء المصالح المادية والأيديولوجية الضيقة. لكن الموضوعية تتطلب منا أن المهرجان المعني بالأمر مازال بعيدا عن نسبيا عن تحقيق الطموحات والغايات الأسمى منه. فعلى مستوى مدينة طنجة لم تعط الكلمة إلى حد الآن لكل شعراء المدينة بغض النظر خصائص منتجهم الفنية والوضوعية، تماما كما هو الشأن بالنسبة للساحة الثقافية الوطنية.

   كما كنا في حاجة ماسة إلى الشعر في القرون والأجيال السابقة، فما أحوجنا الآن إلى هذا المكون الثقافي السامي، فالشعر كان وسيظل تعبيرا لغويا جماليا عن التجارب الإنسانية الرحبة، والذود عن القيم النبيلة من قبيل الحرية والعدل والسلام.. في مناخ عالمي قائم على الصراع غير المجدي على الإثارة والربح وثقافة الاستهلاك بلا حدود، بحيث أن الشعر، إلى جانب تمظهرات ثقافية أخرى، قادر على أن يعيدنا إلى المنابع الأصيلة لمعانقة رسائل النقاء والنبل والعمل الإنساني البناء.

   من أجل أن يصبح مهرجان طنجة الدولي للشعر رافعة ثقافية مفصلية محليا ووطنيا لا بد من اتخاذ مجموعة من الخطوات المنهجية والمبدئية، مثل التنويع أو بالأحرى الجمع بين مختلف الحساسيات الفنية دون قيد أو شرط، اللهم شرط الصوغ الشعري السليم، فنحن في انتظار استدعاء شعراء متميزين مسكونين بطرح الأسئلة الوجودية والإنسانية من داخل الوطن وخارجه بغض النظر عن الشكل الشعر والقناة اللغوية الموظفة (عربية – أمازيغية – إسبانية – إنجليزية – ألمانية..)، فالشعر بوح بالألم البشري والحلم الإنساني بغد أفضل.

Visited 21 times, 2 visit(s) today
شارك الموضوع

الصّادق بنعلّال

إطار تربوي – باحث في قضايا الفكر والسياسة