المحروقات التي تحرق جيوب المغاربة.. أخنوش ضد أخنوش
الأمين مشبال
أكد تقرير مجلس المنافسة الأخير وجود سرعة فائقة لدى الشركات المسيطرة على سوق توزيع المحروقات ببلادنا، في التفاعل مع ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية بينما يحصل تقاعس (حتى لا نقول انعدام التجاوب) حينما تنخفض . فالحصانة التي تتمتع بها تجعلها تحدد هامش الربح بكل جشع ووقاحة وباستخفاف تام بالمغاربة، كما تجلى الأمر بشكل واضح وفاضح حينما انخفضت أثمان البترول في الأسواق الدولية بارتباط مع جائحة كورونا سنة 2020 وإبان النصف الأول من سنة2021، مما جعل بعض الشركات مثل مجموعة إفريقيا التابعة لرجل الأعمال ورئيس الحكومة الحالية عزيز أخنوش، تحصد هامشا للربح يتجاوز أحيانا 50 بالمائة. ونتيجة لهذا الواقع فإن هامش الأرباح لتلك الشركات لم ينزل عن درهم في الليتر الواحد فقط، بل انتقل إلى درهم و25 سنتيم في الليتر كما هو الحال بالنسبة إلى مجموعة إفريقيا وطوطال، ليناهز درهمين حينما تتلكأ الشركات في تخفيض الأسعار ، بعد هبوطها في الأسواق الدولية، بدعوى التخلص من المخزون القديم علما أن ذلك الهامش قبل تحرير القطاع كان في حدود 0,56 لليتر .
بالمناسبة، تجدر الإشارة إلى كون مجلس المنافسة سبق له أن وضع أصبعه على أحد مكامن الداء حينما أشار في تقرير غير مسبوق له صدر في يوليوز 2020، يقضي بفرض غرامة مالية تبلغ 9 بالمائة من حجم المعاملات السنوية على كل من مجموعة إفريقيا التي فاق رقم معاملاتها سنة 2019 مبلغ 27 مليار درهم وشركة طوطال التي بلغت معاملاتها 14,7 مليار درهم وفيفو إينرجي التي بلغ رقم معاملاتها لنفس السنة 14,1 مليار درهم. بيد أن ذلك القرار التاريخي أقبر في المهد لما قام أعضاء من مجلس المنافسة بتوجيه رسالة للديوان الملكي مفادها بأن التحقيقات التي شملت الشركات المعنية اتسمت بـ”تجاوزات إجرائية وممارسات من طرف رئيس المجلس مست جودة ونزاهة القرار”، كما ورد في بلاغ للديوان الملكي، مما أدى إلى إعفاء الرئيس السابق إدريس الكراوي وتعيين أحمد رحو خلفا له في مطلع شهر أبريل2021 .
فهل يتجرأ أخنوش رئيس الحكومة على القيام بخطوات عملية تتعارض مع مصالح لوبي المحروقات الذي يمثل أخنوش أحد أقطابه؟
كيفما كان الأمر، يمثل هذا الواقع المرير إحدى نتائج قرار التحرير الكامل لأسعار الغزوال والبنزين الذي اتخذه عبد الإله بنكيران نهاية سنة 2015 دون أن يكون مصحوبا بمراجعة المنظومة القانونية المؤطرة للمجال. ومما زاد الطين بلة إغلاق محطة لاسامير لتكرير النفط، في نفس السنة، الأمر الذي جعل المغرب مضطرا لاستيراد حاجياته من المنتوجات المكررة بتكلفة مرتفعة يؤدي ثمنها المستهلك المغربي بالدرجة الأولى.
لم ينل التقرير الأخير الذي صدر عن مجلس المنافسة بتاريخ 26 شتمبر 2022 بالاهتمام الذي يستحقه لدى الرأي العام الوطني، ولعل مرجع ذلك يكمن في كون التقارير الاقتصادية التي تعج بالأرقام لا تستهوي عموم القراء والمتتبعين، علاوة على أننا تعودنا، في هذا البلد السعيد، بأن يكون مصير التقارير الصادرة عن مؤسسات رسمية سلة المهملات وفي أحسن الأحوال ترصع تدخلات بعض المسؤولين لمنح هالة من المصداقية عليها.
ما خفي كان أعظم
مما لاشك فيه أن الخروج من هذا النفق الاقتصادي المظلم يستدعي أن تتحمل حكومة عزيز أخنوش مسؤوليتها في إيجاد حلول عملية تروم حماية الطبقة المتوسطة والشعبية من الغلاء الفاحش في ثمن المحروقات التي تنعكس مباشرة على تكلفة النقل والمواصلات وأسعار مختلف المواد الاستهلاكية، الأمر الذي يتطلب الإسراع بتجديد الترسانة القانونية المنظمة بما يسمح بوضع آليات مراقبة فعالة على نشاط الشركات التي تشتغل في القطاع، وتطبيق قواعد المنافسة فيما بينها حتى لا تظل الأسعار شبه متطابقة فيما بينها كما هو عليه الوضع حاليا، ناهيك عن توسيع نطاق النظام الجبائي المطبق حاليا على القطاعات المحمية ليشمل أسواق توزيع المنتجات النفطية.
من جهة ثانية يستشف من التقرير المذكور غياب وجود منافسة ما بين إغلاق محطة لاسامير لتكرير النفط العاملة في مجال بيع وتوزيع المحروقات لكونها تستغل غياب مراقبة فعالة ووجود مقتضيات تنظيمية متقادمة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي لا تواكب المستجدات التي عرفها القطاع، وبما يسمح بفتح السوق وتسهيل ولوج فاعلين جدد وخلق منافسة حقيقية.