برحيل الصحفي الكبير حسن عمر العلوي الصحافة المغربية في حداد

برحيل الصحفي الكبير حسن عمر العلوي الصحافة المغربية في حداد

عبد الرحيم التوراني 

رحل فجر اليوم الأربعاء 16 نوفمبير 2022 بالدار البيضاء، الصحفي المغربي البارز حسن العلوي، الشهير بين الأصدقاء المقربين بلقب “فريموس”، وذلك عن سن يناعز 84 سنة.

منذ بداية الستينيات من القرن الماضي عمل حسن العلوي في صحافة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، إلى جانب محمد الفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد عابد الجابري وعمر بنجلون ومحمد الباهي ومحمد بنعلال الصديقي ومولاي عبد السلام البوسرغيني ومصطفى القرشاوي.

كما نشر مقالاته بجريدة “العلم” وصحف ومجلات مغربية وعربية.

أعيد هنا نشر  مقتطفات من رسالة أرسلتها من بيروت إلى الفقيد في شهر مارس 2020، في فترة الحجر الصحي إثر انتشار جائحة كورونا. 

***

رسالة خاصة إلى فريموس

(وليس لنا في الحنين يد.. وفي البعد كان لنا ألف يد.. سلام عليك، افتقدتك جدًا.. وعليّ السلام فيما أفتقد…/محمود درويش).

صباح الخير بّا حسن

كيف تقضي أيامك في الحجر الصحي

أعرف أنك دخلت “الحجر الطوعي” قبل قدوم الجائحة بزمن طويل، فقد خذلتك صحتك بعد أن استهلكتها استهلاكا، فألزمتك على التراجع والمكوث في حدود “مربع 2 مارس”. هكذا قمت بوضع علامة “نقطة إلى السطر” لجولاتك وصولاتك التي سارت بذكرها الركبان.

 لا بأس، ما دام العزاء الجميل هو ملء رئتيك بقليل من أوكسجين غابة “ليرميطاج” التي تطل عليها من شرفتك.

الله يجعل شي بركة”.. و”لتعترف أنك عشت” كما أوصانا بذلك بابلو نيرودا رضي الله عنه فخلد بين الناس الطيبين اسمه وشعره.

***

حسن العلوي في لحظة مرح وسط أصدقائه المخلصين، 
من اليمين: حاتم البطيوي، عبد الرحيم التوراني، محمد برادة وكثير الزياني.
 (الدار البيضاء، 17 نوفمبر 2018)
حسن العلوي في لحظة مرح وسط أصدقائه المخلصين، من اليمين: حاتم البطيوي، عبد الرحيم التوراني، محمد برادة وكثير الزياني. (الدار البيضاء، 17 نوفمبر 2018)

عمي حسن”، هكذا يحرص صديقنا الأديب الجميل أحمد بوزفور على تسميتك دائما وهو يكلمك أو يحدث عنك.

آخرون ينادونك بـ “الشريف”، أو “مولاي الحسن”. أما نحن أصدقاؤك المقربون فناديناك دائما باسمك الحركي: “فريموس”، وبايعناك في رحاب “القصر البراق” زعيما لـ “مملكة الفرامسة”. وإذا بهذا الاسم يلتصق بك، وها هو الحارس الواقف ليلا أمام حانة “شي زيل” في مدخل زنقة عمر الريفي، يحييك ويرحب بك مستقبلا: “مرحبا بالسي الحاج فريموس”، يعتقد الرجل أنه اسمك الحقيقي، فتكتم أنت ضحكتك وتتخطاه مستعجلا قاصدا مقصدك.

فريموس“..

أتذكر كيف التصق بك هذا اللقب الطفولي الذي يطلق في الفرنسية على الأطفال الصغار من ذوي الخدود الحمراء المكتنزة، وكيف انتقل من بيت صديقنا العزيز الفنان التشكيلي فؤاد بلامين إليك، هو من خلع اللقب عليك في إحدى سهراتنا الرائعة التي كان يجمعنا فيها بشقته الصغيرة بزنقة القاهرة في العاصمة، تماما تحت مكتب وكالة الصحافة الفرنسية، حيث كنت أطل على الرفيق عبد الفتاح الفاكهاني الذي التحق بالوكالة للعمل مع الصحفي والكاتب الفرنسي الملتزم إينياس دال. (كان المرحوم الفاكهاني قياديا في منظمة “إلى الأمام” الماركسية اللينينية، وقضى 12 سنة في السجن بعدما كان محكوما بالمؤبد).

أتذكر الآن جلساتنا عند العزيز فؤاد بلامين، رفقة الصديق عبد الله الستوكي، أستحضر إسرافنا في “القصف” والسهر والضحك والنميمة، ألم يقل ذات مرة صاحبنا الراحل محمد زفزاف أن النميمة تطيل العمر!؟ فاقتنصها بّادريس (الخوري) ووجدها فرصة للتنظير والأدلجة، فقال لنا إن “كل كتابة هي نميمة.

هكذا ألفنا أن “نقطع” جلساتنا الدافئة بالزيتون وبالنميمة، لا تحلى  جلسة من غيرها، وكانت نميمة حلوة محببة خالية من حموضة السوء والشرور.

***

حسن العلوي، أو حسن عمر العلوي، الشريف الدفالي، ابن الحي البيضاوي العريق “الأحباس”، حي كان يتجاور فيه القاضي والموظف مع العامل والصانع التقليدي. وهو طفل كان يتحلق حوله الأقران ليحكي لهم قصة الفيلم الذي شاهده في السينما، ويروي لي سميه صديقنا الكولونيل والشاعر العمودي حسن العلوي كنزي البلغيثي، أن “حسن كان بارعا كحكواتي ماهر، يعرف كيف يشد أسماع وانتباه الآخرين، فنحس مع كلماته أننا داخل صالة السينما“. 

***

حسن عمر العلوي مع محمد الفقيه البصري وعبد الرحيم التوراني (يونيو 1995)
حسن عمر العلوي مع محمد الفقيه البصري وعبد الرحيم التوراني (يونيو 1995)

مع بداية الاستقلال كان حسن موظفا في وزارة العدل، وكان المعطي بوعبيد، (من سيصبح رئيس حزب ووزيرا أول) قد قضى في مكتب حسن العلوي بالوزارة فترة تدريب قبل أن يتحول إلى مهنة المحاماة.

لم تطل فترة عمل فريموس بوزارة العدل كاتبا للضبط،، إذ سيشمله قرار الطرد الذي لحق غالبية موظفي الدولة الذين استجابوا للإضراب الوطني سنة 1961. ومن بين هؤلاء المطرودين صديقنا السلاوي المرحوم مصطفى أعمار الموظف بوزارة الخارجية، وسيعينه عمر بنجلون لاحقا على رأس مطبعة دار النشر المغربية.

كان حسن يحب الكتابة، ميالا إلى الأدب والفن والصحافة، وقد راسل وهو تلميذ جريدة “السعادة” التي كانت تشرف عليها سلطة الإقامة العامة، وأذكر هنا أنه طلب مني يوما التنقيب في الأرشيف بالمكتبة الوطنية بالرباط لاستعادة ذكرى بعض ما نشرته تلك الجريدة من ردود عن مراسلاته.

لكن مع تفتق ذهنه واتقاد وعيه، بسبب إقامته وسط حي الوطنية، حيث كل يوم يشهد مسيرات ومظاهرات ضد الاستعمار، وقد مشى حسن وراءها، وجالس أهله وجيرانهم من الكبار وهم يتحدثون عن الكفاح والحرية والاستقلال، كان طبيعيا أن ينحاز إلى الوطن وإلى الوطنيين. هكذا وجد با حسن نفسه صحفيا بصحيفة اليسار التي أسسها وأدارها المقاوم الوطني محمد الفقيه البصري، في حين كان المقاوم عبد الرحمان اليوسفي رئيسا لتحريرها، وضمت الجريدة أسماء كبيرة ضمن طاقمها، نذكر من بينها محمد عابد الجابري ومحمد الباهي وأحمد صبري ومحمد علال الصديقي ومحمد الفاتحي وعبد السلام البوسرغيني ومحمد الطنجاوي ومحمد علي الهواري وعبد اللطيف جبرو وعبد الله رشد… وهناك أسماء أخرى تجهلها الأجيال الجديدة من المشتغلين بالصحافة اليوم، وكان على معاهد الصحافة أن تخلد ذكر هؤلاء الرواد، وتلك حكاية أخرى.

استطاع حسن العلوي أن يبرز بقلمه السيال وأسلوبه الرشيق وترجماته المعربة، كما أكد التزامه النضالي كعضو فاعل ضمن قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بإقليم الدار البيضاء، وسيظهر في الحملة الانتخابية البرلمانية التي اجريت في 17 ماي 1963 على المنصة يقف إلى جنب الزعيم المهدي بنبركة ليقدمه للجماهير في المهرجان الانتخابي الكبير الذي احتضنته جنبات ملعب سيدي معروف.

سيظل حسن العلوي حاضرا في كل المحطات النضالية للحزب، وفي كل التجارب الصحفية التي كان وراءها الاتحاد بعد منع صحيفته “التحرير”، ومن هذه التجارب أسبوعية “الأهداف” التي صدرت تحت إدارة الأخ أحمد الخراص، وكان من بين محرريها المرحوم مصطفى القرشاوي وأحمد احمايمو

وجريدة “فلسطين” بإدارة المناضل والشاعر محمد الوديع الأسفي، تحت إشراف الشهيد عمر بنجلون.

***

في سنة 1974 فرضت قضية الصحراء على الملك الحسن الثاني خلق حالة انفراج بالبلاد، فأطلق سراح عدد من المعتقلين السياسيين الاتحاديين، ومن بينهم الشهيد عمر بنجلون ومحمد اليازغي، ورفع المنع عن نشاط الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بزعامة عبد الرحيم بوعبيد.

 لم يمنح عمر بنجلون فرصة لالتقاط أنفاسه، وهو آت من وصلات التعذيب وظلمة الزنازن، بل اتجه إلى زنقة الجندي روش، حيث مطبعة الحزب: دار النشر المغربية، لاسئناف إصدار جريدة “المحرر”، كان رأي عبد الرحيم بوعبيد أن يكون الإصدار أسبوعيا، لكن عمر أصر على أن يكون يوميا، رغم نقص وغياب الإمكانيات المادية والبشرية. وكان حسن العلوي على رأس أجندة عمر بنجلون للالتحاق ب”المحرر”، فالشهيد كان يقدر القيمة المهنية والتقنية العالية للصحفي حسن العلوي. لكن عددا من المناضلين عارضوا التحاق حسن، وأشهد أني حضرت اجتماعا في مقر الكتابة الإقليمية للحزب بطريق مديونة، تمت فيه إثارة الموضوع، لكن عمر بنجلون استطاع أن يقنع الحاضرين بسلامة قراره، وبكون المؤاخذات على الصحفي حسن العلوي كونه “خان وانحاز إلى صف الأخ عبد الله ابراهيم ساعة الانشقاق، هي مؤاخذات بئيسة”، ومما قاله الشهيد عمر بنجلون ما مختصره: “إن حسن العلوي لم يغادر الاتحاد، بل ظل مقيما بأركان البيت الاتحادي، ولم يفعل سوى أنه انتقل من غرفة إلى أخرى من نفس البيت.

في يومية “المحرر” أبرز  فريموس كل مهاراته التي اكتسبها خلال مشواره الصحفي، تحريرا وترجمة وتصميما، وأعترف أني لما التحقت بـ”المحرر” أحببت وتعلمت التصميم الصحفي على يديه. ولأن الزمن كان زمن سنوات الرصاص، لم يكن حسن يوقع كتاباته، وكذلك كان يعمل أغلب محرري الجريدة.

لا أعرف كيف تحول فريموس في لحظة عابثة إلى كائن بوهيمي، مسرف في السهر، صار يتحلق حوله الندامى من الأصدقاء للاستمتاع بحكاياته وقفشاته، ولم يكن ينافسه في هذا سوى إدريس الخوري. وكانت “بوهيميته صوفية *

كتب حسن القصة القصيرة أيضا، ولا زلت أذكر قصة له نشرت -“الأسبوع الصحفي” تحت عنوان: “الباروكة والكرسي”، وهي قصة ممتعة من الواقع اليومي الذي كان يعيشه. كما حاول تجريب كتابة الرواية، لكنه فكر في تصميم الغلاف أولا قبل كتابة النص، وطلب من صديقنا التشكيلي عبد الرحمان رحول تصميم الغلاف، ربما كان عنوان روايته، إن لم تخن الذاكرة، هو: “الرجال والجبال”. لكن الرواية بقيت حبيسة رأس حسن، كما ظلت كثير من الحقائق والذكريات والأسرار التي عاشها وخبرها مكتومة في صدره.

***

“بّاحسن” شخصية آسرة، كل من يلتقيه ويتعرف عليه ينجذب إليه ويقع في أسره. كثيرون هم الأشخاص والشخصيات المختلفة المغربية وغير المغربية، التي أحبت الجلوس إليه والاستمتاع بأحاديثه وتعليقاته. وسأكتفي في الختام بالطرفة التالية:

في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي كتب صحفي وكاتب فلسطيني عن زيارة قام بها إلى المغرب، ولما قدم ورقته إلى رئيس تحرير المجلة العربية التي كان يكتب بها زاويته تحت عنوان: “مربط الجمل”، سأله رئيس التحرير:

 – هل التقيت وصادفت واحدا اسمه حسن العلوي؟!

 رد عوني بشير، وهذا اسمه رحمه الله، باستغراب:

– لا.

فما كان من عثمان العمير رئيس تحرير “الشرق الأوسط” و”المجلة” اللندية إلا أن أجاب الواقف أمامه:

 – إذن.. لم تر المغرب!

***

السلام الأبدي لروح فقيد الصحافة المغربية حسن عمر العلوي، والعزاء لرفيقة عمره الأستاذة الخنساء الإدريسي ووحيدهما عمر، وإلى كل الأصدقاء.

<

p style=”text-align: justify;”>* “بوهيمية صوفية”..  كم أحب حسن هذا الوصف لما قرأه، واتصل بي شاكرا، قائلا: “أحسنت.. هذه هي الصفة التي تليق بي وأليق بها”.

Visited 56 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد الرحيم التوراني

صحفي وكاتب مغربي، رئيس تحرير موقع السؤال الآن