صورة إفريقيا خارج الإطار الكولونيالي
باريس- المعطي قبال
من العضلات المفتولة إلى الصدر العاري
في اطار تظاهرة «شهر الصورة» التي تحتضنها باريس الى غاية نهاية نوفمبر، ينظم مركز جورج بومبيدو معرضا فوتوغرافيا في عنوان: «خارج الاطار الاستعماري. السريالية، مناهضة الاستعمار والصورة الحديثة».
يستعرض المعرض من خلال مجموعة من الملصقات، الصور، ومن وثائق الصحف والمجلات التي خصصت في العشرينات من القرن الماضي للقارة الإفريقية وللإنسان الافريقي. يتضح من البروتريهات التي تم اختيارها لهذا الأخير أن ثمة رغبة في التشديد على فانتازم الرجل الإفريقي المتين العضلات الصالح للأشغال الشاقة من حمل للأثقال، العمل في الأوراش الصعبة،المشاركة في الحروب باختصار يحيلنا هذا الفانتازم على مخيل الرق والاستعباد حيث يصلح بموجبه الإنسان الإفريقي لكل الاستعمالات. أما النساء فغالبا ما تلتقط لهن صور بصدر عاري أو في وضعية عراء تام. وقد سبق للكاتب مالك علولة ان جمع في ألبوم، نفذ منذ مدة، صورا التقطها مصورون فرنسيون لنساء جزائريات وهن في حالتهن الادمية داخل مواخر أو دور للدعارة رفقة جنود فرنسيين. كما التقطت من طرف مصورين فرنسيين صور مماثلة لعاهرات مغربيات في بوسبير.
تم التنديد آنذاك أي في حقبة الثلاثينات لا بالقول، بل فعلا بهذا الوضع. ويقدم المعرض، وهذا هو الوجه المناقض للصور الاختزالية ذات الأيديولوجيا الكولونيالية، وثائق هي على شكل نصوص وبيانات لاولى الحركات المناهضة للاستعمار. بالموازاة مع الصور السالبة لشخصية الافارقة يمكن قراءة هذه النصوص والبيانات السياسية التي جاءت بتوقيع من شعراء، كتاب، فلاسفة، مثقفين سود لسنوات 1930. وكانت هذه النصوص تمهيدا لمناهضة الفكر الاستعماري. نذكر من بين هولاء المثقفين الافارقة الاخوات بوليت وجين ناردال، وهما أول من أطلق مفهوم الزنجية التي اصبحت متداولة في العالم. او الأمريكي كلود ماكاي، الذي كان من وراء انبثاق وعي زنجي شمولي. يضاف إلى هؤلاء كل من ليون-جونتران داماس، جورج سادول، ايمي وسوزان سيزير الذين اعترفوا بانتمائهم للسوريالية. اضافت هذه الاسماء مواقف مناقضة نقدية للاعمال المقدمة بالمعرض. ان كان بعض الافارقة في الثلاثينات ينتمون الى الحركة السوريالية فان اعلام هذه الاخيرة بدأوا بالهجوم أولا على الإتنوغرافيا بصفتها الدراع المسلح للاستعمار.
الإثنوغرافيا، الدراع المسلح للاستعمار
فالاثنوغرافيا، كاداة استعمارية، قامت على التصنيف البشري بين البيض، السود واصحاب اللون الاصفر (الآسيويين). وقد ساعدت الصورة الفوتوغرافية على رصد ملامح البشر والمجتمعات غير الأوروبية أو الغربية أولا بهدف التعرف عليها ثم ثانيا بهدف التحكم فيها. لذا نددت السريالية بالعمل الذي تقوم به الإتنوغرافيا بصفتها اداة تسخير من طرف القوى الاستعمارية. وقد عرفت الاتنوغرافيا بفضل الصورة تحديثا وتجددا غير مسبوق لمناهجها فيما بين الحربين الكونيتين.
في هذا الاطار يسعى متحف الاتنوغرافيا بالتروكاديرو بباريس الى تحديث ممارساته والانفتاح على الجمهور. وقد برمج سلسلة عروض مخصصة للصورة الحديثة.
جمهور متعطش لما هو إيكزوتيكي
يقدم لنا المعرض كوكبة من المصورين الفرنسيين لسنوات 1930. جابوا أرجاء إفريقيا لقنص المشاهد النادرة أو الوضعيات «الغريبة» أو «الساحرة» من السينغال الى المغرب مرورا بموريتانيا، ساحل العاج، الجزائر … كما تقديم صور لبولينيزيا. تعرض إفريقيا وجوهها البدائية الخام كما لو كانت قارة بلا حضارة ولا ثقافة. نقف عند هذه الحقيقة في الصور التي التقطها بيار ايشان وفي الكليشيهات عن المغرب لمن توقيع اندريه ستينير، بولينيزيا من طرف بيار فيرجي. وقد نشر هولاء المصورون صورهم بالمجلات الاحترافية المخصصة للصورة. وهي موجهة للقاريء العاشق للمغامرة والايكزوتيكا. ما بين الحربين العالمتين، داع على نطاق واسع الروبورتاج الايكزوتيكي. من المواضيع التي ركز عليها هولاء المصورون هناك العري ، المشاهد الفلكلورية، او مشاهد الفقر والبؤس او بعض العادات التقليدية التي تقدم على انها بربرية وتوحي بان هذه الاقوام هي من دعاة أكلة لحوم البشر. إلا أن بعض الأسفار لافريقيا غيرت من نظرة المصور لحال وواقع هذه القارة. وهذا ما حدث للمصورات هنري كارتييه بريسون ومارك اليغري اللذان ايقضتهما. حالة افريقيا من سباتهما الايكزوتيكي.
الحركة السريالية بالمرصاد
ويتوافق هذا التغيير والتحول مع حملة المقاطعة التي دعت لها الحركة السريالية والقاضية بمقاطعة المعرض الكولونيالي الذي نظم بفانسان في 6 مايو 1931 والذي ناهضته الحركة السريالية بمنشور وزع بيوم من قبل في عنوان «لا تزوروا المعرض الاستعماري». وقد وقعت المنشور أسماء وازنة مثل بول ايلوار، اندريه بروتون، بينجامان بيري، جورج سادول، بيار اونيك، رونيه كروفيل، رونيه شار، لويس أراغون، ماكسيم الكسندر الخ
ومناهضة الاستعمار كانت من العناصر المشكلة للحركة السريالية. عام 1931، وزعت المجموعة منشورات تندد فيها بالقمع الذي طال المواطنين المستعمرين. وقد اوضحت عدة اعداد من المنشور أن السريالية في خدمة الثورة وأن الحركة تناهض بشكل راديكالي الكولونيالية في شقيها الاقتصادي والثقافي. وقد نظم السيراليون بمساعدة الحزب الشيوعي معرضا مضادا للمعرض السابق “يهدف الى تفكيك ميكانيزمات البروباجندا الاستعمارية وهي في اوج تالقها ما بين الحربين العالميتين“.
عدسة اندريه ستينير على المغرب
<
p style=”text-align: justify;”>أندريه ستينير (1901-1978)، من أصل هنغاري. اختار التصوير الفوتوغرافي مباشرة بعد وصوله الى باريس. عام 1930 كلفته «وزارة المستعمرات» بانجاز تحقيق مصور عن المغرب. وبما انه كانت له موهبة في الروبوتارج المصور أنجز سلسلة من الصور في اكثر من مدينة تتراوح بين البورتريه والمشاهد الحية للمدن التي زارها وبالأخص طنجة، الجديدة، مراكش الخ… كما أن صوره عبارة عن تحقيقات في المعاش العاري. من خلال عينة هذه الصور لمغاربة الثلاثينيات، نلمس نقدا مبطنا للنظام الكولونيالي.