لعبة الاجتهاد الدستوري في انتخاب رئيس للجمهورية
حسين عطايا
بعيداً عن الدستور والاجتهادات الدستورية والتي ادخلتها منظومة الحكم، منذ العام ١٩٩٣، حيث جرى التعديل الاول، حين تم نقل عملية تفسير الدستور من المجلس الدستوري الى المجلس النيابي، وهنا تم تعطيل الدور الاساسي للمجلس الدستوري، الا وهو تفسير الدستور ومُطابقة القوانين والتشريعات مع الدستور وروحيته .
امتدت الاجتهادات في الدستور حتى غدا وجهة نظر، وتطور الامر في الست سنوات الاخيرة في عهد ميشال عون حيث اصبح الدستور يُفسر وفق الاهواء والرغبات، واحياناً عُلق الدستور ووضع جانباً .
اليوم يدور في مجلس النواب جدلاً ونقاشاً حاداً لدرجة حتى الحلفاء اصبحوا مختلفين ووفاقهم مهدد وربما ينقلب إلى خصومة وعداء .
ففي نِصاب جلسات انتخاب الرئيس يدور الجدل حول تفسير المادة ٤٩ من الدستور، بعضهم يفسرها نصها ان في كل الدورات لانتخاب رئيس الجمهورية يجب ان يتوفر نِصاب الثُلثين، بينما البعض الاخر يذهب ليقول فقط في الدورة الاولى، بينما في الدورات اللاحقة يجب ان يتوفر نِصاب النصف زائد واحد على الأقل ويجب أن يُنتخب الرئيس في الدورات الثانية بخمس وستون صوتاً على الاقل، وهنا يذهب البعض ومنهم الرئيس نبيه بري ليُعطي مثلاً عن انتخاب بشير الجميل في العام ١٩٨٢ ولكن يغيب عن ذهن الرئيس بري أن التعديل الدستوري الذي تم إدخاله على دستور البلاد بعد الطائف نسف الكثير مما كان ممسموحاً به من قبل، وهنا يذهب بنا الامر لنقول بأن الرئيس بري ذاكرته انتقائية وفقاً لاهوائه ورغبات حليفه حزب الله في الابقاء على تعطيل النصاب في الجلسات والدورات اللاحقة خوفاً من خرقٍ ما بأكثرية خمس وستين صوتاً وتنتخب المعارضة رئيساً على حين غفلة .
أما وجهة النظر الثانية، التي يطرحها النائب سامي الجميل فتؤسس لمرحلة جديدة للدخول في الجمهوربة الثالثة وفقاً للنظرة والروحية الدستورية والتي يكتنفها حُسن نية المشترع في تسهيل الامر، وإلا كانت تضمنت المادة ٤٩ من الدستور نصاً واضحاً بوجوب حضور الثُلثين في كافة الدورات .
هذا من جهة انتخاب رئيس الجمهورية، أما من ناحية التشريع في ظِل الشغور الرئاسي أيضاً، الأمر مطروح للنقاش فالرئيس نبيه بري ومن يُجاريه يقف عند بند تشريع الضرورة، وفي الجهة المقابلة يعترض كل من كتلة لكتائب والقوات اللبنانية وكتلة عون “التيار الوطني الحر” وبعض النواب المستقلين وغيرهم.
هنا ايضاً يغيب عن بال المتمسكين بضرورة التشريع في ظل الشغور الرئاسي، بأن القوانين بحاجة للنشر ولمراسيم تطبيقية وهذا في ظل الشغور الرئاسي غير متوفر خصوصاً أن أي قانون ليتم نشره يجب ان يحمل توقيع رئيس الجمهورية، بينما البلاد تعيش شغوراً رئاسياً وحكومة مستقيلة وتعمل وفق نظرية تصريف الاعمال بالنطاق الضيق للكلمة وايضاً هذه الحكومة لم تحُز على ثقة البرلمان الحالي كونها سقطت واستقالت نتيجة انتخابات ايار الماضي، مما حرمها من وراثة صلاحيات رئيس الجمهورية وبالتالي غير قادرة على نشر القوانين وإصدار المراسيم التطبيقية الضرورية لوضع القوانين موضع التنفيذ .
وفي هذا المجال يُعتبر التشريع في ظل الشغور الرئاسي لزوم ما لا يلزم مما يُحتم على المجلس النيابي ان يتفرغ لانتخاب رئيس للجمهورية من دون هدر للوقت والتلهي بتشريعٍ هنا ودراسة قوانين هناك والتي لا طائل منها ولن تجد سبيلها الى التطبيق والتنفيذ .
لهذا الشغور الرئاسي طويلٌ وطويلٌ جداً والقيمين على الحكم في لبنان يتلهون بقضايا جانبية بانتظار كلمة السر من خارج الحدود، وهذا ما يُفسر رتابة مسرحيات جلسات الانتخاب والتي لن توصل الى نتيجة في المدى المنظور، لأن المتغيرات الاقليمية والدولية غير ناضجة بعد ويحكُمها العديد من المشكلات والصراعات بدءاً من الحرب الروسية ـــ الاوكرانية الى النزاع والخلاف الامركي الايراني والسعودي الايراني وغيرها من حوادث على الساحتين الاقليمية والدولية، مما يُشيح النظر عن إيجاد الحلول الممكنة للبنان، ويقتصر الأمر على بعض المساعدات الانسانية والتي تمنع السقوط والارتطام الكبير، والحلول مؤجلة الى أجل غير قصير وتنتظر تفاهمات وحلول لم تنضج بعد.