مسرحية انتخاب الرئيس وآلام اللبنانيين

مسرحية انتخاب الرئيس وآلام اللبنانيين

د. وفيق ريحان

بعد إقرار موازنة العام 2022 المثقلة بالعيوب الدستورية والمخالفات القانونية والضاغطة على معيشة المواطن وقدرته على إيفاء الرسوم والضرائب المستجدة، ب65 صوتاً من قبل صنف سياسي محوري معين، عقدت نهار الخميس الواقع في 29 أيلول جلسة الإنتخاب الأولى لرئاسة الجمهورية وفقاً للمادة 49 من الدستور اللبناني في جو من الهرج والمرج، وعدم الجدية في التعاطي مع هذا الإستحقاق الأساسي الذي ينتظره اللبنانييون بكل جوارحهم، متأملين أن يشكل إنتخاب رئيس جديد للبلاد بارقة أمل جديدة لتجاوز الأزمات المحدقة والمستعصية وتشكيل حكومة جديدة بعد إنجاز إستحقاق الرئاسة، تكون قادرة على تخطي الأزمات بالتعاون مع الرئيس الجديد ومع سائر المؤسسات الدستورية للدولة، إلا أن مسرحية اليوم الإنتخابي الأول كانت مخيبة للأحلام والتطلعات المستقبلية، حيث إنتصرت الورقة البيضاء الفارغة من أي مضمون سياسي أو قانوني أو إجتماعي، على جميع الكتل والمكونات السياسية الأخرى داخل المجلس وخارجه، ولو لا ترشح النائب ميشال معوض الذي حاز على 36 صوتاً في هذه الجلسة الأولية، ومرشحين آخرين غير جديين كما يبدو، وإكتمال النصاب القانوني أثناء إنعقاد الجلسة ب86 عضواً لما تمت عملية الإنتخاب، وبدا واضحاً أنها عملية إختبارية لمسار الإنتخابات المقبلة المتممة لها، في ظل غموض المواقف وضبابيتها عند الغالبية داخل المجلس، ولن تكون جلسات الإنعقاد اللاحقة بحاجة لغالبية ثلثي الأصوات للفوز بالرئاسة، بل الى الغالبية المطلقة المحددة ب(65 صوتاً)، والى تأمين الحد الأدنى من النصاب القانوني المحدد بثلثي المجلس على الأقل من أجل شرعية جلسة الإنتخاب.

لقد أتقن نواب التغيير تحديد مواصفات الرئيس الموعود في بيانهم الإنتخابي الأخير، إلا أنهم كما يبدو لم يتقنوا حتى الآن لعبة تحديد الأهداف المرجوة من هذه الإنتخابات، فالمطلوب بالدرجة الأولى تغليب التوجه نحو إنتخاب رئيس توافقي بعيداً عن سياسة المحاور الداخلية والخارجية، ويتمتع بالمواصفات التي تؤهله لخوض عملية إنقاذ الوطن من الأزمات المتعددة، ويحظى بثقة جامعة محلياً ودولياً وعلى مسافة متوازية من الجميع. كما أن الهدف الأساسي من هذه العملية هو منع شغور سدة الرئاسة وتلافي أي فراغ على هذا الصعيد نظراً لدقة المرحلة الراهنة، كما يفترض ذلك أيضاً إعتماد المزيد من المرونة والإنفتاح على الكتل والمكونات السياسية الأخرى تأميناً للنصاب القانوني المطلوب، وتحقيقاً لأكبر عدد ممكن من أصوات النواب المقترعين، وذلك دون أي تشدد أو عصبوية فئوية لا جدوى منها، بل هي إن حصلت فسوف تصب حتماً وبصورة مباشرة أو غير مباشرة في خدمة الأهداف المغايرة، أما الهدف الأخير، فيتمثل بعدم شرذمة الأصوات، وتركيزها بالنهاية على مرشح إجماع تتفق عليه غالبية الكتل والمكونات السياسية داخل المجلس،من أجل ضمان فوزه بصورة دقيقة وحاسمة، وحيث يستدعي ذلك إجراء المزيد من الحوار المفتوح معهم والتشاور حول إسم المرشح الأوفر حظاً، والذي يفضل أن يحظى بأكبر عدد ممكن من أصوات المجلس النيابي، وأن يكون لدى التغييريين وحلفائهم وأصدقائهم في المجلس أكثر من مرشح إحتياط، للرد على الحالات المفاجئة التي قد يخطط لها فريق الخصم بصورة ضمنية، فيما لو فشلت الجهود المبذولة للتوافق على مرشح توافقي.                                                                                                                      

إن إحتساب الأصوات لا ينفي إحتمال فوز مرشح المواجهة أو التحدي من قبل أي من الفريقين المتنافسين، لكن هذا الفوزسيكون بأصوات قليلة، و لن يساهم في بلسمة جراح الوطن والمواطنين، ولن يساعد على تشكيل حكومة تعمل في مناخ من الإستقرار والتفاهم الوطني مما قد يؤدي الى مزيد من التدهور على جميع الأصعدة، أو العودة الى دوامة الفراغ والإنقسامات الأفقية والعامودية للمجتمع اللبناني. 

وفي مطلق الأحوال، ينبغي على نواب التغيير والمعارضة والمستقلين وعلى كل من لا يرتضون إنتخاب رئيس لا يمتلك سلطة القرار وإستقلاليته عن التبعية للمحاور الداخلية أو الخارجية أن يستعدوا لإحتمال المواجهة بالمنافسة الإنتخابية الديمقراطية التي قد تغلب فوزهم في هذا الإستحقاق المصيري فيما لو لم تكتمل مفاوضات التفاهم الشاملة. 

فهل سيعلو صوت التفاهم الوطني على صوت التشرذم والإنقسام في المرحلة المقبلة؟ أم أن غريزة السيطرة الفئوية سوف تطغى على مصالح الوطن من جديد ويدفع ثمنها أبناء الوطن؟

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. وفيق ريحان

أستاذ جامعي