اتحاد كتاب المغرب.. بين حلّ الأزمة وتكريسها 3/3
صلاح بوسريف
السنوات العشر الأخيرة، عرف فيها الاتحاد تراجُعاً في معناه الثقافي، وشرع يعمل بدون مشروع، رغم أن هناك ورقة ثقافية يُصادق عليها المؤتمر، تكون بمثابة خارطة طريق للمكتب المُسيِّر. اكتفى الاتحاد بـ «أنشطة»، أغلبها كان خاضعاً للمزاج، وخاضعاً للصدفة والارتجال، وفيه انتقائية في السفريات، وفي اللقاءات، والدعوات، والمؤتمرات، والمهرجانات، دون اعتبار للقيمة الإبداعية أو المعرفية، بل والرمزية، في كل المجالات، ومجلة الاتحاد، هي مرآة هذا الوضع الذي كان إعلان حضور، أو إعلان حياة، فقط، خصوصاً بعد أن أصبحت مشاكل الاتحاد ونزاعاته، تُحلُّ بالمحاكم، وبحشر الأعوان القضائيين أنوفهم في مؤتمرات الاتحاد، وصار الكل يُقاضي الكل، ما يدل على اختفاء النزاع الثقافي، لصالح النزاع القضائي، وآخره كان حماقة رفع دعوى ضِدّ الرئيس السابق، من قبل بعض أعضاء اللجنة التحضيرية الأخيرة، رغم رفض عدد من الأعضاء الالتجاء إلى القضاء، وكنت واحدا ممن لم يقبلوا التوقيع على وثيقة بهذا الشأن، بإصراري، آنذاك، على حلّ مشاكل الاتحاد داخل الاتحاد، وألا يأكل أي شخص الثوم بأفواهنا، أو يستعملنا شهود زور على جريمة، هو طرف فيها.
شخصنة الاتحاد، إذن، ودخوله في هذا النوع من النزاعات القضائية، بقدر ما أساء له، بقدر ما كان مقدمة لما هو فيه من موت اكلينيكي، لا يتحمَّل فيه طرف دون غيره المسؤوليه، بل المسؤولية يتحمَّلها كل من أداروا الاتحاد بالتعيين الحزبي، أو بالتلاعب بالعضويات لضمان الغلبة العددية، التي كانت هي نفس ورقة الحزب سابقاً في التفاوض حول منصب الرئيس.
أوَ ليس مقترح انتخاب الرئيس في قاعة المؤتمر، الذي كان آخر البِدَع داخل الاتحاد، هو نفسه انتخاب الرئيس بالتعيين، في مقر الحزب، والتصويت كان واجهة فقط، للتعبير عن ديمقراطية مخدومة ومهزومة!؟
نفس المنطق، فقط بأدوات أخرى جديدة، كل طرف فيها يستعمل حِيَلَه وعتاده، وما اكتسبه من علاقات، وما وزَّعَه من غنائم ومن خيرات على بعض الأعضاء التي تشبه رشوة الانتخابات السياسية، أو تزويرها بشراء الذِّمَم. فالصراع، في الاتحاد، تحوَّل إلى صراع مناصب وسيادة وهيمنة، ولم تعد الثقافة حاضرة إلا كواجهة، وسطح بعمق مليء بالمشاكل التي كانت تنشأ كالفطر في ماء أسود آسِنٍ.
كنت في رسالة سابقة، مند سنوات، نبهتُ إلى أن المشاكل لا تُحلُّ بعقد المؤتمرات بمثل هذه الألاعيب المُريبة، ما لم يتم عقد مناظرة لأيام، تتم فيها إعادة هيكلة الاتحاد، بالسؤال عن جدواه، في ظل حضور جمعيات ونقابات تهتم بالثقافة، وحاضرة بكل أشكال الدعم التي تتلقاها من أكثر من جهة، وبما تنظمه من لقاءات ومؤتمرات ومنتديات ومهرجانات دولية، وليست عربية فقط. فهل الاتحاد، في ظل هذا المعطى، وفي ظل التحوُّلات التي عرفها تدبير الشأن الثقافي، ووجود معارض جهوية ودولية للكتاب، بما فيها من لقاءات وندوات وقراءات، ومن إصدارات، ودعم وزارة الثقافة للكتاب والمسرح، ولغيرهما من أمور الثقافة والفن، وما ظهر من وسائط جديدة، خلقت وضعاً جديداً ومختلفاً، هل ما زال الاتحاد، بهيكلته الحالية، وقوانينه، وبشروط منح العضويات، ومفهوم الكاتب من غير الكاتب، صالحاً لأن يبقى حيّاً، أو يعمل في ماء راكد، لا رياح تجري في سطحه، دون أن نتساءل عن العمق والقرار، بكل ما تختَّر فيه من ماء فاسد؟
سنوات والاتحاد صامت، حتّى لا أقول ميتاً، السبب هو الخلافات والتطاحنات، والحروب الوهمية حول كراس من غبار، وحول سلطة، لا شيء فيها يمت بشيء للثقافة، لأنَّ سؤال الاتحاد كمؤسسة ثقافية، ومن بقي فيها من المثقفين، وأنا لا أطعن هنا في الأجيال القادمة، بل في تقييمنا لمن هو الكاتب، وبأي معنى، وهل النشر والظهور يكفيان لمنح العضوية، وما القيمة التي سيتم اعتبارها شرطاً، وبناء على مَنْ، ممن سيمنحون هذه العضويات الجديدة التي كان النقاش حولها محتدماً، لما ظهرت به من عدد، كان موضع طعن، وشك، وجدال كبير!؟
المؤتمر ليس حلا، ولا توزيع الحقائب، بين من يكون الرئيس، ومن تؤول إليه «دار الفكر»، كما حدث في المُفاوضات المخجلة التي جرت بعد إجهاض مؤتمر طنجة، من قبل من كانوا ما زالت عينهم على الاتحاد، وكانوا هم سبب انهياره، وفقدانه ليس لاستقلاليته، بل لمشروعيته الثقافية، وحتَّى النقابية التي لم تكن حاضرة فيه، رغم مشاكل الكثير من الكتاب، من أوضاعهم كانت مزرية، آخرها، ما تعرَّضت له أسرة القاص الراحل إدريس الخوري من وضع صعب، في استقرارها ومعاشها.
الحل، هو تحرير الاتحاد من الحزب، ومن سلطة الأشخاص، والشروع في النظر إليه بنظارات الثقافة، لا بنظارات المصالح والغنائم والمناصب والمسؤوليات، وهذه إحدى آفات الانهيارات التي حدثت في الحزب، وانعكست على الثقافة، وما دفع العديدين إلى الانكباب على مشاريعهم، لا يهمهم أن يموت الاتحاد أو يحيى.
Visited 1 times, 1 visit(s) today