ربيع جابر
أفق: يكتبه صدوق نورالدين
1/
ذكرني الصحافي اللبناني سمير عطا الله في عموده اليومي برواية “دروز بلغراد” (حكاية حنا يعقوب). وكنت في فترات متباعدة أتساءل عن غياب مبدعها ربيع جابر، إذ لم يعد يواصل نشر رواياته كما المعتاد، إن لم يكن توقف عن الكتابة، وهو ما لا أعتقده.
تظل الكتابة متعة، ولعنة تلاحق المبتلي بها إلى أن يطوي.
2/
تعرفت على ربيع جابر مبكرا. كان من خلال جائزة مجلة الناقد للرواية، إذ حظيت روايته الأولى “سيد العتمة” بالجائزة في (1992)، حيث كتب على ظهر غلافها:
“رواية تحكي عن قرية لبنانية إبان الاحتلال التركي. وتستحضر الذاكرة الأحداث والأشخاص، فإذا كل حدث قابل للكثير من التأويلات المتناقضة، وإذا كل شخص مختلف حول حقيقته. ولكن ما يبقى موثوقا به هو الجوع المذل والعاطفة المتأججة والتصدي للقهر.”
واللافت أن ربيع لم يعد إلى نشر هذه الرواية في طبعة ثانية، وإلى اليوم. ومثلما تعرفت عليه استوقفني من قبل اسم الروائية هدى بركات لما ظفرت بنفس الجائزة عن روايتها “حجر الضحك” (1990).
وتكمن المفارقة فيما أدعوه بالمشترك الأدبي بين ربيع جابر وهدى بركات. إذ فاز ربيع بجائزة الناقد – كما سلف- و لاحقا سيظفر ببوكر الرواية العربية عن “دروز بلغراد”(2012). وسيحدث الأمر نفسه مع هدى بركات، إذ وبعد جائزة الناقد ستتوج ببوكر الرواية العربية عن روايتها “بريد الليل” (2019). وكانت الطبعة الأولى صدرت عن دار الآداب في (2018).
3/
في أواسط التسعينيات سينشر ربيع جابر ثلاث روايات عن دار الآداب بمعدل رواية عن كل سنة: “شاي أسود” (1995)، “البيت الأخير”(1996) و”رالف رزق الله في المرآة” (1997). هذه الأخيرة أوحت لي بفكرة الكتابة عن الروائي الراحل محمد زفزاف. ولا أعرف – و إلى حد كتابة هذه السطور – أي سحر نفثه فيها. فإلى اليوم أحرص على قراءتها وتجديد العلاقة ونص يتداخل فيه السيري بالروائي من خلال إيقاع يوحي بالهدوء والصمت والتفكير في تشكيل الصيغة الروائية الملائمة.
على أن ربيع في مساره الروائي سيوسع قاعدة آثاره بنشره لرواية قوية “الاعترافات”(2008). قد يكون استوحاها من “اعترافات” جون جاك روسو. والحال نفسه بالنسبة لـ “أميركا” (2008) التي قد تكون تشكلت من عوالم كافكا في روايته “المفقود أو أميركا”. وهي الرواية التي يذكر كافكا في يومياته أنه اختار فيها خطى تشارلز ديكنز في “دفيد كوبرفيلد”.
4/
على مما يثير في مرحلة الخصوبة الروائية – إذا حق- إقدام ربيع جابر على نشر رواية باسم مستعار “نور خاطر”. حملت الرواية عنوانا “الفراشة الزرقاء” وصدر عن المركز الثقافي العربي ببيروت (1996). و سيعاد إلى نشرها أيضا وفي بيروت، لكن عن “دار التنوير”. وأعتقد في (2013). و هذه المرة بالاسم الحقيقي ربيع جابر. وأما إعطاء تفسير فالروائي يظل الأقدر. الأقدر على حمل قبعتين: قبعة الاختفاء وقبعة الظهور. ألم يشر سمير عطا الله في العمود ذاته إلى أن ربيع جابر مثل وسيظل يمثل ظاهرة أدبية. فلا أحد من القراء فيما أظن يذكر أنه قرأ له حوارا. وأما المتداول عن شخصيته كمؤلف فصورة تكاد تكون يتيمة. ومن الطرائف أنه تسلم جائزة البوكر للرواية العربية، ليعود في الغد إلى بيروت التي كتب عنها وفيها ملحمته الروائية “بيروت مدينة العالم” في ثلاثة أجزاء. و لا نغفل عن مسؤوليته في الإشراف على ملحق جريدة “الحياة” الثقافي في زمنها: “آفاق”. وكان من كتابه الراحل جابر عصفور و الناقد الفلسطيني فيصل دراج ويصدر كل يوم أربعاء.
5/
حين سئل الأستاذ عبد الله العروي في حوار سريع من تلك التي أجرتها جريدة “الاتحاد الاشتراكي” ذات صيف عن آخر رواية قرأها، أجاب “يوسف الأنكليزي” لربيع جابر.
6/
سقط ربيع جابر كشخص في النسيان. و أما كمؤلف فستظل رواياته من الخالدات، وشكرا للصحافي سمير عطا الله الذي ذكرني به وهو يلتقيه في سبق صحافي نادر.